TODAY - September 27, 2010
أضغاث أفكار

هاشم العقابي
كانت ليلة البارحة ثقيلة علي، لا بطولها الممل وحسب، بل كذلك بهجمة الأفكار التي دارت علي من حيث أدري ولا أدري. أفكار صارت توديني وتجيبني بكيفها، وهي في أغلبها لا تخرج عن دائرة ما يسميها العراقيون اليوم "تحشيشات".
تارة أستعرض القوائم الانتخابية، وفجأة أتذكر أول يوم دخلت به المدرسة الابتدائية. وبدون أي سبب منطقي وجدتني أنتقل الى ماركيز وغانياته الحزينات و"استعرضهن" واحدة بعد واحدة. ثم من الجوبي الى اللطميات. وتنقلت ، وأنا في مكاني، من لندن الى بغداد ومن كاردف الى الزبيدية ومن القاهرة لأتوقف عند بحيرة ساوة. انها بحيرة قرب مدينة السماوة، اعتبرها من أجمل بحيرات العراق، لصفاء مائها الذي يمكنك من رؤية قاعها بوضوح. ماؤها شديد الملوحة لحد ان سكبته على الجرف يتكلس خلال دقائق ليتحول الى منحوتات طبيعية ساحرة. على بعد أمتار قليلة من جرفها، في تناقض عجيب، هناك بئر لماء شديد العذوبة. الغريب انها بحيرة شبه مهجورة ومنسية لا يعرفها معظم العراقيين. فهل ستكون كذلك لو كانت في سويسرا؟ وعبد رويح ايضا، لو كان قد ولد في النمسا فهل سيكون مجرد "كاسور"؟ ولو قدر لبيتهوفن ان يولد بين ظهرانينا، لا سمح الله، فهل سيكون كما كان؟
والأتعس ان هذا البحيرة الساحرة تقع قرب سجن نقرة سلمان القبيح. سجن نقرة السلمان ذكرني بمظفر النواب وديوانه "للريل وحمد" الذي كتبت معظم قصائده في ذلك السجن. وخطرت ببالي واحدة من "طلعات" صديقي الروائي عبد الله صخي النقدية حول عنوان ديوان مظفر. يعترض عبد الله على اختيار "للريل وحمد" عنوانا. وبرأيه هذا إهداء وليس عنوانا. ثم يرى ان الأوقع والأهم في العنوان هو حمد وليس الريل. ويتساءل: "أما كان الأجدر بمظفر أن يعنونه "حمد والريل؟".
استجلبت النوم لينقذني مما أنا فيه فلم أفلح، فاستنجدت بحبة منومة أعانتني على الفرار، الى ان استيقظت مثقل الرأس في ساعة متأخرة من نهار اليوم.
يبدو أن الحبة ، وإن نجحت في إرغامي على النوم، لكنها لم تنجح في طرد أفكار البارحة اذ عاد داعيكم محاصرا بها مرة أخرى، وكأن لا خلاص له منها حد اللحظة.
فاليوم داهمتني فكرة ان يعمد "المتقاتلون" على منصب رئاسة الوزراء عندنا الى طريقة المساجلات الاعلامية كما يحدث في أميركا وبريطانيا مثلا. ارتسمت صورتهم أمامي وهم يتبارون فيما بينهم. ولأن أيا منهم لم ينجح في المزايدة على الآخر بما قدمه من خدمات للشعب، كونها معدومة، تحولت المساجلة الى "غراب يكل لغراب منكارك اسود". وطارت الفكرة وحلت محلها أخرى:
أن يعمد مدير المساجلة الاعلامية "الآنفة الذكر" الى اختيار واحدة من الأغاني العراقية الشهيرة ولتكن مثلا "حبيبي امك متقبل من احاجيك" ويطلب من كل واحد من المتسابقين: ان يغنيها حسب "مواله" السياسي، وسيفوز من يؤديها أفضل. لأننا وبصراحة ان لم نكن قد لمسنا منهم ما يزيح عنا هم الكهرباء والبطالة والفساد وغياب الأمن، فعلى الأقل يونسونا، وهذه، لعمري، خدمة ثوابها كبير.
ورب قارئ يسأل: واين الزبدة؟ وجوابي: انا شخصيا لا أدري أين هي. يبقى شفيعي عندكم انها أضغاث أفكار و"تحشيشات".
لكن من يدري؟ فلعل واحدة منها تكون "ضربة أعمى وتطيح بأرنب".