TODAY - October 04, 2010
ضجيج المولدات شاهد على وعد بوش المنسي.. والأهالي يتفننون بتجميعها
الأميركان أنفقوا مليارات على كهرباء العراق وهم ينسحبون قبل إصلاحها

فيما يستعد الجيش الاميركي لمغادرة العراق، فان الناس في بغداد يتساءلون: وماذا عن الكهرباء؟ ذلك ان العراقيين استمعوا في 2003 الى الرئيس بوش وهو يقدم الوعد قائلا "سنساعدهم لاستعادة الخدمات الاساسية مثل الكهرباء".وبعد سبع سنوات فان عدم القدرة على تجهيز البيوت بالطاقة الكهربائية يظل واحدا من الدلائل المميزة على الاختلال الوظيفي الذي انشب اظافره في العراق وشكل مصدر ازعاج للعراقيين العاديين.
وفي غياب الطاقة التي يمكن الاعتماد عليها، فان المولدات ابتداء من تلك التي تُشَغل بالبنزين لتلبية حاجة بيت واحد، وصولا الى تلك المولدات العملاقة التي تعمل بالكاز وتغذي حيا سكنيا، تظل كلها تهدر على مدار الساعة في بغداد وفي جميع ارجاء البلاد. ان هذه الطنطنة هي رسالة سمعية للتذكير بمشاكل العراق التي لم تُحَل، وبالوعود الاميركية التي لم تتحقق.
والنقص في امدادات الكهرباء سببه الفساد وسياسات التنمية الفاشلة وهجمات المتمردين على التجهيزات الكهربائية اضافة لحكومة مشلولة بالمشاكل السياسية والطائفية الداخلية. وقد أُجبِر وزير الكهرباء العراقي على الاستقالة في حزيران (يونيو) بعد الاحتجاجات العنيفة على نقص الامدادات التي انفجرت في مناطق عديدة في ارجاء البلاد. لكن الاحتجاجات لم تُثمرْ عن "اشعال المصابيح".
ويقول تاجر المولدات عادل البياتي "كان لابد ان يجد المواطنون العراقيون البديل، والبديل لن يكون الاعتماد على وزارة الكهرباء".
والبياتي، البالغ من العمر خمسين عاما وجد طريقة لجمع المال مستفيدا من عيوب الحكومة. فهو يبيع مولدات من نوع خاص اذ يتم تجميع اجزائها، الموردة من مختلف بقاع العالم، في العراق. فاللب الرئيسي "الكور" مستورد من الصين ويربط له محرك "كيا" مستعمل مستورد من الامارات العربية المتحدة. وعن طريق اتباع التجريب "مبدأ الصح والخطأ" اصبح بالامكان انتاج مولدة يمكنها تجهيز ثلاثة منازل بالكهرباء.
ويكلف المولد (التجميعي) الذي ينتجه البياتي حوالي الفين وسبعمائة دولار اميركي وهو مبلغ فخم في العراق (يليق بالامراء)، لكنه يبقى اقل من نصف كلفة مولد من نفس الطراز مستورد من الخارج. ويقول البياتي انه تمكن من بيع مئة مولد هذا الصيف.
وهناك مولدات من كل الحجوم، وقد وضعت في اقفاص حديد مخافة السرقة، تصطف في شوارع الاحياء الراقية في بغداد. اما العوائل الاقل غنى او تلك التي لايوجد لديها فضاء كاف لمولدة، فانها تقوم بالاشتراك في مولدات كبيرة تجهزها بالكهرباء مقابل بضعة دولارات شهريا كجزء من عملية انتاج تعاوني غير رسمي للكهرباء. اما اولئك الذين لايمكنهم الدفع فانهم مرغمون على العيش على كهرباء الشبكة الحكومية المركزية التي تتوفر بحدود ساعتين يوميا.
وعلى طول شارعِ الجمهورية، في سوق سيد سلطان علي وسط بغداد، يعرض الباعة الادوات الاحتياطية للمولدات على مناضد تراصفت لمسافة تمتد نصف ميل.
ويقول محمد عباس الضيف فيما كان يهز رأسه اشمئزازا وهو ينظر صوب منضدته "ان العمل جيد، ولكن ليست تلك طريقة جيدة للعيش. اذ يجب ان تقوم الحكومة بتوفير الكهرباء للناس".
ويقول محمد عباس البائع البالغ من العمر 57 عاما انه يكسب يوميا خمسة وعشرين الف دينار عراقي اي ما يعادل 21 دولارا اميركيا، وهو مبلغ معقول بالمعايير العراقية. لكنه رغم ذاك يقول انه يحن الى حياته قبل سقوط صدام، ايام كان يستورد انسجة بديعة من سوق ويمبلي في لندن وكانت لديه بطاقة عضوية في غرفة تجارة بغداد. ويقول ان الموظفين الحكوميين يحاولون اغلاق "مورد رزقه ورزق آخرين" بدلا من ان يوفروا الخدمات. ويضيف "ان بلدية بغداد تسمينا متجاوزين على اراضي الدولة".
ويقول المسؤولون الاميركان ان الولايات المتحدة ومنذ عام 2005 ساعدت العراق بمضاعفة كمية الطاقة الكهربائية المنتجة لكن الطلب تضاعف أيضاً، كما بات بامكان الناس شراء اجهزة كهربائية اكثر مثل المكيفات والتلفزيونات والثلاجات واجهزة اللاقط الفضائي لارتفاع دخولهم. ويقول المسؤولون أيضاً بأن النقصِ يبدو أكثر وضوحاً في بغداد، لأنه في فترة صدام كانت الكهرباء لبغداد فقط من دون بقية المحافظات على عكس ما يجري اليوم.
وتعمل فرق المهندسين العسكرية الاميركيةَ على اكمال تسعة مشاريعِ تخص الكهرباء بكلفة 100 مليون دولار. لكن بعد انفاقها حوالي 4.6 مليار دولار لحل مشكلة الكهرباء، فان الولايات المتّحدة تترك البنى التحتية المُساعِدة وتحول مبالغ معونتها الاقتصادية الى المبادرات البسيطة مثل تقديم القروض للاعمال الصغيرة حسبما يقول المسؤولون.
ويعترف اللواء كيندل كوكس الذي يشرف على الجهود الاخيرة لمهندسي الفرق العسكرية في العراق قبل انسحاب بقية الجنود الخمسين الفا في نهاية كانون اول (ديسمبر) عام 2011 بان الوضع في غاية الرداءة وان على وزارة الكهرباء القيام بالكثير.
ويقول كوكس "ان على الناس ان لا يتوقعوا حصولهم على كهرباء لمدة 24 ساعة قريبا. وانا لا اريد ان اتمسك بهذا. لكن من المحتمل ان 2013 أو 2014 قد تكون اول فترة يمكن الوصول فيها الى كهرباء تغطي فترة 24 ساعة في اليوم".
عن
واشنطن بوست