TODAY - October 09, 2010
أزمة اللاجئين (الحلقة 1) : لاجئون عراقيون في سوريا: أينما توجهنا محكوم علينا بسوء الحظ المؤبد
يشكون من الفقر وتسرب أولادهم من المدارس وبعضهم يعاني من الكآبة.. وآخرون يحلمون ببلد ثالث

دمشق: سعاد جروس
شهد العراق نزوحا جماعيا اعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1948 لدى نزوح الفلسطينيين إلى دول الجوار. وقدر عدد اللاجئين العراقيين بنحو 4 ملايين، حطوا رحالهم في كل أنحاء العالم ابتداء من أستراليا ونيوزلندا وماليزيا شرقا مرورا بأوروبا وحتى أميركا وكندا غربا. غير أن العدد الأكبر منهم وجد ضالته في الدول المجاورة للعراق ومصر ولبنان والخليج.
ولا تحتاج أسباب هجرة هؤلاء إلى شرح مطول؛ فالأوضاع التي شهدها البلد وتحديدا خلال الأعوام من 2005 إلى 2007 معروفة للقاصي والداني، فالقتل على الهوية والتوترات الطائفية في المناطق المختلطة من العراق وكذلك التفجيرات الدامية التي لم تسلم منها أي مدينة عراقية خلال الأعوام التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق في مارس (آذار) 2003، غدت جزءا من الروتين اليومي للمواطن العراقي. ناهيك عن المخاوف وعدم الشعور بالاستقرار أو بالأمان، ناهيك عن المستقبل المجهول.
واللاجئون العراقيون لا يحملون قومية واحدة أو مذهبا واحدا، فقد تعددت مذاهبهم من شيعة وسنة، وأديانهم من مسلمين ومسيحيين، أو قومياتهم من عرب وأكراد وتركمان وغيرها. وأغلب هؤلاء هم من مدن مختلطة جمعتهم بسلام وأمان حتى الماضي القريب، ولكن كان خيارهم أو قدرهم الرحيل، مخلفين وراءهم بيوتهم وكل ممتلكاتهم وتاريخهم وماضيهم لينقذوا حياتهم ولضمان مستقبل آمن. ولكن هل حياتهم بعد الهجرة والاستقرار أفضل حلا؟ وما الثمن الذي دفعوه مقابل الأمان؟
ولتسليط الضوء على أوضاعهم تبدأ «الشرق الأوسط» اعتبارا من اليوم بنشر حلقات حول أوضاع اللاجئين، انطلاقا من سورية التي ضمت العدد الأكبر منهم، ثم الأردن الذي استقبل أغلب الميسورين، فالقاهرة التي احتضنتهم بحفاوة، ثم لبنان مقرهم المؤقت، وانتهاء بالعراق حيث سنرصد أوضاع اللاجئين الذين قرروا العودة إلى ديارهم في نهاية المطاف.
نحو 130 ألف لاجئ عراقي في سورية، من أصل 218 ألفا مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعانون من أوضاع مادية شديدة السوء، إذ يعتمدون على المساعدات الغذائية الدورية من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، لا سيما أنه حذر مؤخرا من «انخفاض التمويل» واضطراره إلى وقف توزيع المواد الغذائية على اللاجئين العراقيين المستضعفين في سورية، فهو لم يتلقَّ سوى 35 في المائة فقط من المبلغ المرصود لعملية الطوارئ. والمساعدات التي سيقدمها ستكون بقيمة 32 مليون دولار تكفي لمدة عام، يستفيد منها نحو 150 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية في سورية، وتشمل هذه المساعدات أنواعا مختلفة من المواد الغذائية، مثل الحبوب والبقوليات والزيوت النباتية واللحوم المعلبة والسكر والملح المدعم باليود، وتقدم بموجب مذكرة تفاهم لمشروع الطوارئ الخاص، وقعها البرنامج مع الحكومة السورية، في يوليو (تموز) الماضي. لا تقتصر المعاناة على الذين ينتظرون المساعدات الغذائية، إذ إن الحكومة السورية التي تقدر عدد العراقيين لديها بنحو مليون ومائتي ألف لاجئ أعلمت الجامعة العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية الأخير أن احتياجات اللاجئين في سورية «تتعدى الاحتياجات التقليدية للاجئين بشكل عام، لتشمل احتياجاتهم من منازل وفرص عمل وخدمات أخرى». وعددت مذكرة رفعت للاجتماع الآثار السلبية لتزايد اللاجئين العراقيين في سورية، وقالت المذكرة: «معظم اللاجئين يعملون في القطاع غير المنظم في سورية، وبأجر ضئيل لا يتجاوز 5000 ليرة سورية في الشهر، أقل من (100 دولار)، الأمر الذي جعلهم عنصرا مزاحما على العمالة الوطنية».
وتقدر الحكومة السورية إجمالي عدد اللاجئين الموجودين حاليا لديها بنحو 1.5 مليون لاجئ يشكلون نحو 10 في المائة من عدد سكان سورية. بينهم 450 ألفا من الفلسطينيين، بالإضافة إلى أعداد أخرى من آسيا وأفريقيا. وتطمح سورية، بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية، إلى «تأمين الموارد اللازمة لاستيعاب نحو 100 ألف طفل عراقي في المدارس السورية». وذلك بعد انتقاد الولايات المتحدة الأميركية، ووصف مساهمته في مساعدة اللاجئين العراقيين بـ«المتواضعة» وتستشعر المفوضية العليا خطرا من ظاهرة تسرب الأطفال العراقيين من المدارس السورية، فرغم مجانية التعليم فيها لم يسجل للعام الدراسي الحالي سوى 24600 طفل عراقي، وفي إطار الجهود الرامية إلى الحد من هذه الظاهرة قدمت المفوضية منحة للأسر العراقية التي لديها أطفال في المدارس في بداية العام الدراسي، تبلغ (100 دولار) لكل عائلة، بالإضافة إلى (30 دولارا) لكل طفل في المدرسة.
براء حسين فتى عراقي (16 عاما)، لم يتمكن من متابعة دراسته، مع أنه كان من المتفوقين، فبعدما نفدت أموال أسرته المؤلفة من الأب والأم وجدة وطفلتين، وعجز والده عن العمل لإصابته بمرض عضال، اضطر براء للعمل في مطعم صغير بجرمانة، ويقول: «المساعدة النقدية والغذائية التي تقدمها المفوضية لا تكفي لإعالتنا، ومع ذلك لولاها لمتنا من الجوع» ويستفيد اللاجئون العراقيون الذي يتمركزون بشكل أساسي في محافظتي دمشق وريف دمشق، من كل الخدمات المتعلقة بالتعليم والصحة وغيرها، أسوة بالمواطن السوري. الأمر الذي جعل الضغط السكاني يزداد تعقيدا في محافظتي دمشق وريفها، باعتبارهما تشكلان المناطق الأكثر كثافة سكانية في البلاد، ويعاني سكانها من مشكلات في خدمات المياه والكهرباء والتلوث نتيجة الازدحام الشديد.
محمد البصري (50 عاما)، قال إنه عاد إلى العراق عام 2008، ليتأكد من تحسن الأوضاع وإمكانية إعادة عائلته أيضا، لكنه وجد بيته مدمرا وأكثر من نصف أقاربه قتلوا، فعاد أدراجه إلى سورية، ويقول إنه يعيش وضعا نفسيا سيئا، مع أنه لا يعاني من الفقر، كما أنه يعمل في مكتب تاكسي، لكن والدته العجوز تشكو من أمراض كثيرة ومن كآبة مزمنة فلا تكف عن النواح ليل نهار، وكذلك زوجته القلقة دائما على أهلها في بغداد، الأمر الذي انعكس على أولاده الذين قصروا في دراستهم، ويطالبونه يوميا بتقديم طلب لجوء إلى بلد ثالث من أجل مستقبلهم، وهو أمر مرفوض بالنسبة له؛ حالما بيوم يعود فيه إلى عراق آمن.
تحاول الحكومة السورية حث الحكومة العراقية على تحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها، وهو ما اعتادت الحكومة العراقية الرد عليه بتقليل أعداد اللاجئين، وفي مذكرة قدمتها إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية ردا على المذكرة السورية، قالت: «إن هناك مبالغة في التقديرات بخصوص أعداد اللاجئين المقيمين في سورية من العراقيين، حيث يقدر عددهم بما يزيد على المليون في مصر والأردن وسورية ولبنان وغيرها، وأن ما يربو على 460 ألف نازح عادوا إلى مساكنهم في العراق خلال عامي 2008 و2009»، ولم تذكر الحكومة العراقية بالتحديد أعداد اللاجئين في كل بلد، حيث تستضيف سورية العدد الأكبر منهم. الحكومة العراقية التي قدمت، ولأول مرة، منحة نقدية بمناسبة عيد الفطر بمبلغ 2.9 مليون دولار أميركي لـ14000 أسرة عراقية في سورية، بمعدل 200 دولار كمنحة نقدية لمرة واحدة، قالت إنها «بحاجة لمواطنيها في بناء بلدهم»، لكنها ربطت عودتهم «بتحسن الوضع الأمني والاقتصاد ووضع برنامج للمساعدة، وأن تكون طواعية».. وقالت إنها صرفت 25 مليون دولار للاجئين العراقيين في كل من سورية والأردن، إلا أن البلدين رفضا ذلك. وأن وزارة الهجرة «صرفت هذه الأموال على المدارس والمستشفيات التي يتواجد بها نسبة عالية من العراقيين»، كما قامت الوزارة بإيداع مبالغ في عدد من البنوك في دمشق وعمان وبيروت توزع على العراقيين في هذه العواصم لسد جزء من احتياجاتهم الأساسية هناك.
وفي وجه آخر لمأساة اللاجئين هناك أعداد كبيرة منهم يأكلون أيامهم وأموالهم، انتظارا للموافقة على طلبهم اللجوء إلى بلد ثالث، منهم من يضطر للعودة إلى العراق بعد فقدان الأمل ونفاد المدخرات، ومنهم من يسعى لإيجاد عمل، أي عمل، يضمن له استمرار العيش في بلد ترتفع فيه الأسعار بشكل جنوني يجعل الحياة صعبة على أهل البلد واللاجئ الذي زاد طين مأساته بلة قيام بعض الدول الغربية بترحيل اللاجئين العراقيين وإرغامهم على العودة، وبداية الشهر الحالي حذرت المفوضية العليا من ذلك، داعية إلى تأمين أي شكل من أشكال الحماية لهم حتى استتباب الأمن في العراق.
وقال أدريان إدواردز، المتحدث الرسمي باسم المفوضية: إن «المبادئ التوجيهية للمفوضية المتعلقة بالعراق توصي بعدم إرغام الأشخاص الوافدين من محافظات بغداد وديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين على العودة قسرا إلى ديارهم، نظرا للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، واستمرار الحوادث الأمنية في هذه المناطق»
يحيى حميد (45 عاما) يختصر وضع اللاجئين العراقيين بكلمة واحدة، رافضا الإفصاح عن المزيد: «العراقي أينما توجه محكوم عليه بسوء الحظ المؤبد».
الشرق الأوسط