TODAY - October 12, 2010
بعد 7 أشهر.. الكتل السياسية العراقية تعود إلى نقطة الصفر وتتفاوض وفقا لـ«حوار الطرشان»
المحادثات وصلت إلى دول الجوار.. والكل متمسك بحقه الدستوري أو القومي أو «الأكبر عددا»

لندن: معد فياض
يبدو أنه لا نهاية واضحة حتى اليوم للمتاهة التي دخل فيها الشعب العراقي منذ أن توجه في مارس (آذار) الماضي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليه في مجلس النواب ومن ثم تشكيل حكومة تلبي حاجاتهم في الخدمات والاستقرار الأمني وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وعلى حد قول مواطن عراقي ظهر على شاشة إحدى الفضائيات العراقية: «نحن تورطنا وذهبنا إلى الانتخابات، ونريد اليوم من يخلصنا من هذه الورطة».
وحسب الأحداث الراهنة فليس هناك من منقذ، بينما يبدو خيار إعادة الانتخابات أو إلغاء البرلمان الجديد مستبعد جدا، وحسب فؤاد معصوم، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني فإن «الدستور العراقي نص على أن البرلمان يجب أن يحل نفسه، وهذا يبدو مستحيلا»، إذ لن يضحي أي من النواب، الذين وصل غالبيتهم إلى مقاعد البرلمان بشق الأنفس وبدأ يحصد الامتيازات المادية والمعنوية غير المسبوقة في تاريخ كل برلمانات العالم، بمقعده، والمغامرة الأكبر هي أنه من سيضمن بأن يخرج ولو ربع عدد الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات السابقة للإدلاء بأصواتهم في انتخابات لم يحصدوا منها سوى «الورطة». السياسيون العراقيون أنفسهم يعترفون بأنهم سبب الأزمة التي يعيشها البلد بعد أن حققوا رقما قياسيا عالميا بعدم تشكيل الحكومة بعد أكثر من سبعة أشهر من إجراء الانتخابات، وإن كان هؤلاء السياسيين يتبادلون الاتهامات فيما بينهم، واصفين أسباب تأخير تشكيل الحكومة «الصراع على السلطة والتشبث بها»، وفي النتيجة «سيجد المراقب أن الجميع يتصارعون على منصب رئاسة الحكومة»، حسبما قال لـ«الشرق الأوسط» أكاديمي عراقي، واصفا الحوارات التي جرت وتجري بين الكتل السياسية بأنها ليست سوى «حوار الطرشان».
ويقول الدكتور م. العاني، أستاذ في كلية القانون بجامعة بغداد، إن «حوارات الكتل السياسية مثل صخرة سيزيف الذي ما إن يصل بصخرته الثقيلة إلى قمة الجبل حتى تتدحرج مرة أخرى إلى قعر الوادي، وهكذا هو حال الحوارات بين الكتل السياسة العراقية فما إن يعلنوا عن الوصول إلى حافات الاتفاق على مشتركات وثوابت معينة ستؤدي إلى تشكيل الحكومة حتى تنهار هذه المحادثات لتبدأ من جديد»، مشيرا إلى أن «السياسيين العراقيين استخدموا الدين الإسلامي والقوميات والمذاهب والطوائف ومعاناة وتضحيات الناس وأصواتهم لبلوغ مآربهم التي لم تقدم للشعب أي شيء حتى الآن».
وإذا أردنا الانطلاق من آراء هذا الأكاديمي الذي رفض نشر اسمه الأول خشية من تصفيته جسديا «مثلما جرى لزملاء أعزاء علينا»، مثلما أكد، فإننا نجد أنه اختصر الأحداث بدقة وعناية، فمنذ أن انتهت عملية التصويت حتى بدأت عمليات التشكيك بوجود تزوير للأصوات، هذا قبل أن تعلن النتائج، وما إن أعلنت النتائج حتى ارتفعت أصوات التشكيك والدخول في نفق إعادة الفرز التي طالب بها رئيس الحكومة نوري المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون، والتي لم تغير من حقيقة النتائج، ناسيا (المالكي) أنه في العادة المعارضة هي من تتهم السلطة بالتزوير كونها تمتلك القوة والنفوذ والأموال، وأن مثل هذه الاتهامات تسيء إلى الحكومة لا إلى المعارضة. وهذا قبل الدخول في نفق آخر وهو تفسير المحكمة الاتحادية للكتلة البرلمانية الأكبر، إذ جاء رأي المحكمة ليضع الكتل على مفترق طرق وذي اتجاهين «إما أن تكون الكتلة الفائزة هي الأكبر أو تلك التي تتشكل قبل عقد الجلسة البرلمانية الأولى» وكانت هذه أولى الخطوات في مسيرة تأخير تشكيل الحكومة والتي يصفها منافسو «دولة القانون» بالمتعمدة.
ومن يراقب حصيلة التصريحات التي انطلقت منذ إعلان النتائج وحتى اليوم فسوف يفاجأ بسرعة تغيير المواقف للكتل السياسية ولقادة هذه الكتل، ونعني تلك التصريحات التي تحدثت عن تقارب في وجهات النظر وإيجاد «مشتركات» و«نقاط تقارب» بين هذه الكتلة وتلك، لكن يجب الإشارة هنا إلى أن أول من دعا إلى طاولة مستديرة تجلس إليها جميع الكتل الفائزة وتتحاور من أجل تشكيل الحكومة الجديدة هو عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، ولم تجد دعوته هذه آذانا صاغية، وبعد أشهر طويلة يطرح رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، ذات المبادرة، فلا يجد من يرحب بها سوى ائتلاف العراقية التي يتزعمها إياد علاوي، الرئيس الأسبق للحكومة العراقية.
وفي الوقت الذي كان من المستبعد فيه أن يتحالف الائتلاف الوطني، بزعامة الحكيم، مع دولة القانون، كان هناك إيحاء بتقارب كبير بين التيار الصدري و«العراقية»، خاصة بعد اللقاء المفاجئ بين علاوي والصدر في دمشق، هذا يضاف إلى الإيحاء الذي ما يزال سائدا بوجود تقارب بين علاوي وبارزاني، لا على المستوى الشخصي فحسب بل في المواقف السياسية، أيضا، وما يدلل على هذا التقارب تصريحات المتحدثة الرسمية باسم العراقية ميسون الدملوجي التي أعلنت عن ارتياح قائمتها لمبادرة بارزاني من جهة، واعتبرت الورقة الكردية (19 نقطة) تصب في مصلحة العملية السياسية. بعدها دخلت العراقية ودولة القانون في حوارات أعطت انطباعا بان ثمة ما سيأتي لاحقا على طريق تشكيل الحكومة الجديدة، لكن اللعبة انهارت و«تدحرجت صخرة سيزيف إلى قعر الوادي من جديد» حسب وصف الأكاديمي العراقي عندما أعلن عن تحالف وطني بين الائتلاف الوطني ودولة القانون ليشكلوا الكتلة الأكبر ويسدوا الطريق على العراقية لتشكيل الحكومة، على الرغم من عدم اعتراف كتلة علاوي بهذا التحالف، لتأتي المفاجأة غير المتوقعة بتحالف بين التيار الصدري الذي كان رافضا بقوة لبقاء المالكي في موقعه، ودولة القانون دعما لترشيح زعيم الائتلاف لرئاسة الحكومة والانقلاب على مرشح الائتلاف عادل عبد المهدي، نائب رئيس الجمهورية والقيادي في المجلس الأعلى.
لقد امتدت خارطة الحوارات بين الكتل لتشمل الجميع، ثم اتسعت خارطتها لتخرج عن حدود العراق باتجاهات شتى، بدأت بإيران ثم تركيا فدول الجوار العربية وصولا إلى مصر، بينما كانت الإدارة الأميركية «تقف على مسافة واحدة من الجميع» مثلما ادعت وما تزال، ومصطلح «الوقوف على مساحة واحدة من الجميع» دخل بقوة في معجم المصطلحات السياسية المتداولة يوميا، بعدما أعلنت كل قيادات الدول العربية وإيران وتركيا بأنها «تقف على مسافة واحدة من الجميع» من غير أن يحدد أي منهم ماهية هذه المسافة التي بقيت مبهمة، ذلك أن إيران وحسب تصريحات غالبية من السياسيين العراقيين تدخلت بقوة، وهذا في الأقل ما أعلنه بصراحة مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، لدى تغيير موقفه من معارض بقوة لتولي المالكي لرئاسة الحكومة إلى داعم له، وقبله، حذرت تصريحات علاوي من تدخل إيراني في تشكيل الحكومة العراقية.
واليوم إذا تطلعنا إلى وضع المسارات باتجاه تشكيل الحكومة فسنجدها قد عادت إلى نقطة الصفر، «العراقية» متمسكة بحقها الدستوري في تشكيل الحكومة كونها حصلت على 91 مقعدا في البرلمان، ودولة القانون متمسكة بقوة بترشيح المالكي كونها تشكل الكتلة البرلمانية الأكبر بعد تأييد الصدريين لها، و«الممثلة للمكون الشيعي الأكبر عددا» حسب تصريحات عضو دولة القانون عزة الشابندر لـ«الشرق الأوسط»، كما أن الائتلاف الوطني متمسك بمرشحه عبد المهدي، والأكراد متمسكون بمرشحهم لرئاسة الجمهورية، الرئيس جلال طالباني، إضافة إلى نقاطهم الـ19.
حوار الآذان المسدودة، أو «الطرشان» حسب تعبير العاني، لم يقد العملية السياسية إلى أي حل، حتى إنه بات من الصعب أن نعرف من مع من، ومن ضد من، بل إن العملية تراجعت إلى ما قبل الانتخابات عندما أصر ائتلاف دولة القانون على التمسك برئاسة الوزراء ومنح رئاسة الجمهورية للرئيس طالباني والبرلمان للعراقية، على أن يكون رئيس مجلس النواب من العرب السنة، وإذا رفضت «العراقية» هذا الخيار، وقد رفضته، فإن أفضل المرشحين لرئاسة البرلمان سيكون هو إياد السامرائي، الرئيس السابق له ورئيس جبهة التوافق، وبذلك تتحول كل عملية الانتخابات وما رافقتها من تضحيات وجهود وصرف المال العام إلى مجرد لعبة «تورط بها الشعب العراقي لتبرير بقاء الحال على ما هو عليه» حسب تأكيد احد قادة «العراقية».
الشرق الاوسط