TODAY - November 22, 2010
باتريك سيل قدم محاضرة «BRISMES» السنوية (2 من 2)
حرب أميركا على العراق مثال لحربها على الإسلام

صلاح أحمد من لندن
تحت عنوان "حرب أميركا على الإسلام" قدم الكاتب والصحافي البريطاني باتريك سيل المحاضرة السنوية لـ "الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط". وتسلط "إيلاف"، في الجزء الثاني، الضوء على أبرز ما جاء في محاضرته.

في هذا الجزء الثاني والأخير تعرض "إيلاف" تتمة المحاضرة التي ألقاها الكاتب والصحافي البريطاني المرموق باتريك سيل أمام "الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط"، المعروفة اختصارا بالأحرف اللاتينية BRISMES "بريسميس". وهي محاضرة الجمعية السنوية التي قدمها سيل في 18 من الشهر الحالي بمقر الأكاديمية البريطانية في قلب لندن. وكانت محاضرة سيل بعنوان "حرب أميركا على الإسلام"، وفي ما يلي ملخص ما جاء في الشق الثاني منها:

خطأ صدام حسين

باتريك سيل يدلي بدلوه

رغم أن بغداد خرجت منهكة بعد ثمانية أعوام من الحرب مع طهران، كان الخطاب الإسرائيلي متشددا ومحذرا من خطر عراقي داهم عليها. وكانت ردة فعل صدام حسين هي التهديد بأن اي هجوم اسرائيلي عليه سيحدو به لـ"إحراق نصف إسرائيل". لكنه كان، من حيث لا يدري، يوقع بذلك على شهادة وفاته السياسية بيده.
فمنذ تلك اللحظة بدأ المخططون الإسرائيليون يعربون عن قلق عارم إزاء خطر عراقي داهم على الجبهة الشرقية يأتيهم عبر الأردن. وطوال التسعينات بدأوا - مع حلفائهم المحافظين الأميركيين الجدد - الضغط بكل قواهم على واشنطن لمهاجمة العراق. ثم وجدوا الفرصة الذهبية في هجوم 9/11 الإرهابي على أميركا.
وبقيادة رتشارد تشيني (نائب جورج بوش)، سارع اولئك المحافظون الجدد ممن عجت بهم إدارة الرئيس جورج بوش - وكل هذا موثّق بشكل جيد - لتلفيق التقارير الاستخبارية التي تربط النظام العراقي عضويا بتنظيم "القاعدة" وتقول إنه يبني ترسانة من أسلحة الدمار الشامل.
ولإكمال الصورة وإقناع أميركا بمهاجمة العراق في اعقاب 9/11، جادل هؤلاء بأن الإرهاب الإسلامي لا يتعلق بالتدخل الأميركي في شؤون الشرق الأوسط أو بتأييد واشنطن غير المشروط لإسرائيل، وإنما لأن الإرهاب الإسلامي إفراز مباشر لدين متشدد عنيف بطبيعته.

إعادة بناء الشرق الأوسط
لأجل سلامة أميركا وإسرائيل، تبعا للمحافظين الجدد، يتعين "إصلاح" الشرق الأوسط وأن "يُعاد بناؤه" بالقوة العسكرية إذا استلزم الأمر. ووفقا لهم، فيمكن ان تبدأ عملية الإصلاح وإعادة البناء بالعراق... متبوعا بسوريا وإيران ولبنان.. ولاحقا ربما بمصر والسعودية أيضا.
وكان حلم المحافظين الجديد وراء هذا هو توجيه قوة أميركا لضربة تقضي مرة والى الأبد على التشدد الإسلامي والقومية العربية والمقاومة الفلسطينية. وكان الهدف المباشر من هذه الفنطازية الجيوسياسية هو نزع السلاح التام عن العراق وإيران وسوريا وتدمير حزب الله وحماس. وهكذا أقتنعت اميركا بتحويل انتباهها من افغانستان الى العراق، وكانت النتيجة هي الحرب في 2003.

رمسفيلد مع بوش

وبالطبع، فلم يكن المحافظون الجديد أصدقاء اسرائيل الوحيدين الذين يريدون الحرب ضد العراق. فبعد 9/11 سعى جورج بوش لتلقين العرب درسا لا ينسونه. ومن حهته شعر وزير دفاعه دونالد رمسفيلد بالحاجة الى حرب "صغيرة" تصد معارضة كبار الجنرالات لخططه الرامية الى إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية الأميركية.
ومن جانبه سعى رتشارد تشيني - الذي قضى خمس سنوات على رأس شركة الخدمات النفطية "هالبيرتون" - الى الاستبدال بالنفط السعودي نفط العراق بعد توتر العلاقات مع الرياض بسبب أن 15 من خاطفي طائرات 9/11 كانوا من السعوديين.
لولا كل هذه الضغوط لما شنت أميركا حربها على العراق. لكن بول وولفوفيتز (وكيل وزارة الدفاع) وأصدقاءه أصروا على حظر حزب البعث العراقي وتسريح الجيش العراقي بأكمله رغم أن هاتبن المؤسستين كانتا "الصمغ" الذي يحتفظ بالبلاد موحدة. كان هدف المحافظون الجدد إذن هو إضعاف العراق بشكل مستديم عبر تحويله الى دولة فيدرالية فضفاضة.. وربما نجحوا في هذا.. فلننتظر ونر.

جريمة كبرى
حرب العراق في 2003 والاحتلال الطويل الذي تبعها يجب أن يعتبر، في رأيي، ضمن أكبر الجرائم في عصرنا هذا. فقد دُمر بلد رئيسي، وانهارت بنيته التحتية التي صمدت أمام 13 عاما من العقوبات الغربية، وشهد مأساة إنسانية ملحمية الأبعاد، وقُتل مئات الآلاف من أهله وشُرّد ملايين آخرون من ديارهم. والوثائق التي سربها مؤخرا موقع "ويكيليكس" الإلكتروني تذكّر المرء بالفظائع التي ارتكبت فيه: التعذيب والخطف والقتل والمتعهدون الخاصون المستعدون أبدا للضغط على زناد البندقية وجرائم الحرب التي أفلت مرتكبوها من العقاب.

ثلاث عواقب
لحرب العراق عواقب كثيرة وأبرزها ثلاث تستحق الذكر:
1- أن تدمير العراق أخل بالموازين الإقليمية وسمح لإيران بأن تصبح قوة عظمى في منطقة الخليج. واليوم فلا يمكن تجاهلها أو محاولة عزلها لأن شيئا مثل هذا لن يُنسى أو يُغتفر بسهولة.
2- أن الحرب أطلقت شيطان الطائفية من عقاله ونكأت الجرح القائم بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، فزرعت الخوف في الدول ذات الكثافة الشيعية العالية مثل لبنان والبحرين والكويت واليمن والسعودية نفسها. وأحيت أيضا العداء بين المسلمين والمسيحيين خاصة لأن هؤلاء الأخيرين يعتبرون أصدقاء للغرب. وكان مسيحيو العراق هم أصحاب الخسارة الأكبر ففروا من البلاد بأعداد هائلة.
3- أن الولايات المتحدة أُجبرت على دفع ثمن باهظ بشري ومادي. ويقال إن حرب العراق كلفت دافع الضرائب الأميركي أكثر من ترليون دولار. لكن هناك أثمان إضافية مثل سمعة الولايات المتحدة ومعنوياتها، وبالطبع تنامي الشعور بالغبن الإسلامي إزاءها. ولكل هذا فعلى الأرجح أن تبقى كل هذه العواقب غير المطلوبة معنا لفترة طويلة قادمة.

توني بلير

ديك تشيني

رئيس الوزراء البريطاني السابق غير نادم، كما نعلم، على مشاركته في حرب العراق. لكن لم يقل الحقيقة في ما يتعلق بهذه المشاركة وأسبابها. ويبدو على الأرجح أنه انضم لحرب بوش لأنه - بخلاف الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي عارضها علنا - لا يستطيع المقامرة بالترتيبات الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة، مثل تقاسم المعلومات الاستخبارية ومساهمة لندن في تطوير المقاتلة "إف 35"، ونظام الردع النووي الأميركي لذي يحمي بريطانيا والكثير عدا ذلك.
وما أن قبل بلير بخوض الحرب حتى صار ملزما باتباع بوش في كل ما يفعل لهذه الأسباب الآنفة الذكر. ولم يكن له خيار غير القبول بالتقارير الاستخبارية التي خرج بها المحافظون الجدد عن الخطر العراقي. وهذا لأن هؤلاء الأخيرين كانوا هم الذين يملون السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
وقد وُصم بلير بالخزي بسبب جره بلاده الى حرب العراق، لكنه كوفئ أيضا بأكثر مما يكفي. فالعام الماضي منحته جامعة تل ابيب جائزتها "دان ديفيز" وقدرها مليون دولار بسبب "قيادته الاستثنائية". والشهر الماضي منحه "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" الموالي لإسرائيل جائزته بسب قناعته في ما يبدو بأن البرنامج النووي الإيراني خطر على البشرية وأن الأصولية الإسلامية تحد يقف بمواجهة قيم العالم المتحضر.
وفي لقاء إذاعي فرنسي قبل شهرين، قال بلير إن إيران، في حال امتلاكها القنبلة النووية، فستستخدمها. كان هذا تصريحا غير مسؤول لأن بلير يعلم أن القنبلة النووية سلاح دفاعي للردع ولا يمكن لطهران استخدامه الا بالقدرة على ضربة نووية ثانية لا تملكها، وهذا غير العواقب الأخرى مثل تجول إيران نفسها الى هدف للصواريخ النووية الغربية.

إيران والقنبلة
الواقع هو أن إيران لو امتلكت القنبلة لما تسنى لإسرائيل التصرف كما حلا لها في المنطقة وزرع الدمار اينما أرادت. وهذا جزء أساسي من اختلال ميزان القوى في المنطقة، لأن إسرائيل، صاحبة المقدرة النووية، تريد توجيه ضرباتها بدون أن تكون لأحد المقدرة على رد الصاع. ولهذا فهي تريد تجريد ايران من السلاح كما جُرّد منه العراق. ولهذا أيضا تريد دمار حماس وحزب الله.
ورغم مساعي ايران للتفاوض حول برنامج نووي سلمي لها تدخل تركيا طرفا فيه، فقد رفضت واشنطن مجرد الجلوس الى طاولة المفاوضات معها على هذا الأساس. وواضح الآن أن كل هذا الضجيج الغربي حول نوايا طهران ليس بأقل من فضيحة. ولنذكر أن امتلاك السلاح النووي وحظر نشره وجهان لعملة واحدة.
وما دامت اسرائيل ترفض التوقيع على معاهدة حظرها وتقرع، مع أميركا والغرب، طبول الحرب، يصبح من حق إيران السعي للرادع النووي مع أنها تنكر أي طموح لها في هذا الاتجاه. والآن، أي الدولتين هي المارقة؟ إيران التي لم تهاجم أحدا، أم إسرائيل التي تعتدي على الفلسطينيين وغيرهم بانتظام؟

.. خطأ أوباما
للأسف الشديد فإن اوباما لم ينتهز فرصة توليه المظفّر الرئاسة قبل ثلاث سنوات لإعلان الانسحاب من أفغانستان والعراق. ولربما أنه قرر، لخوفه من ان يوصف بالجبن، أن الحرب الأفغانية ضرورية لهزيمة القاعدة، وهذا هو خطأه الأكبر.
كان يتعين عليه منذ البدء الدعوة لانعقاد مجلس الشورى الأفغاني "لويا جيرغا" لمناقشة السلام، ووقف إطلاق النار، ودعوة الجيران للمساهمة في عملية السلام، وإعادة البناء والتنمية. كان عليه ان يتبع حسّه الغريزي، لكنه استمع للنصح بتكثيف حدة الحرب. وكما قال الصحافي بوب وودوارد في كتابه "حرب أوباما" فقد هُزم على يد مؤسسته العسكرية.
ومع ان الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أعلن استعداده للتفاوض مع طالبان، فقد أصر العسكر الأميركيون على هزيمتهم قبل التفاوض.. بعبارة أخرى "اقتلهم أولا وفاوضهم لاحقا". لكن 13 مليون من البشتون لن يتخلوا عن وطنهم وثقافتهم فقط لأن الغرب يتمنى ذلك.
وفي غضون هذا فإن طائرات "الدرون" الأميركية (بلا طيار) تقتل المدنيين الأبرياء، وواشنطن تضغط على إسلام أباد لقصف مناطق طالبان والقاعدة المشتبهة وسط المدنيين من رعاياها.. وكل هذا على خلفية أن الحرب كلفت أميركا 350 مليار دولار وشهد العام الحالي وحده مقتل أكثر من 600 من جنود التحالف.. لأي قضية نبيلة مات هؤلاء الشباب؟ وأخيرا فلن يجني السعي لفرض نموذج المجتمع الغربي على افغانستان إلا الفشل الماحق.

توصيات
سأختتم ببعض التوصيات التي قد يعتبرها البعض طوباوية:
* يتعين على أميركا وحلفائها التوقف عن قتل المسلمين بالتوقف عن محاربتهم في أوطانهم. وعلى الدول المعنية بالشأن الأفغاني المساهمة في تنمية البلاد بعدما تترك واشنطن للأفغان خيار تشكيل حكومتهم على طريقتهم وليس على غرار الديمقراطية الغربية.

* اليمن حالة أخرى جُرّت اليها أميركا بطائرات الدرون والقوات الخاصة. وقد وافقت واشنطن على مساعدة البلاد بخمسين مليون دولار سنويا لمشاريع التنمية، لكنها الآن على استعداد لتقديم 1.2 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية لمحاربة القاعدة. العكس يجب أن يحدث لأن اليمن في فقر مدقع وبحاجة للتنمية أكثر كثيرا من حاجته للسلاح. والتنمية الاقتصادية هي السبيل الوحيدة لتجريد القاعدة من التأييد المحلي في شبه الجزيرة العربية، والشيء نفسه ينطبق على القاعدة في دول الساحل الافريقي مثل موريتانيا والنيجر ومالي. انتشلوها من وهدة الفقر واحرموا القاعدة المغاربية من الأوكسجين.

* حل النزاع العربي الإسرائيلي الذي يسمم العلاقة بين الغرب والإسلام. ولو أن نذرا يسيرا من تكاليف حربي افغانستان والعراق الهائلة صُرفت لتعويض اللاجئين الفلسطينيين ودفع المال للمستوطنين اليهود للعودة الى إسرائيل ونشر السلام في المنطقة، لاختلفت القصة. لكن أميركا تصر على اختلال ميزان القوى الذي يؤدي الى الحرب في وقت يؤدي فيه توازنه الى السلام، وبدلا من الأمن لإسرائيل وحدها يتعين ان يكون الأمن للجميع، لأن هذا بحد ذاته يشكل خطرا على الغرب أكبر من خطر إيران عليه.

* على أميركا ان تحذر إسرائيل من مغبة العمل العسكري ضد إيران مقابل توقيعها على بروتوكول اتفاقية حظر الأسلحة النووية الإضافي وسماحها بتفتيش مكثف لمنشآتها النووية. وعليها ودول الخليج التوقيع على اتفاقية للأمن المشترك لأن هذا يصب في مصلحة الجميع. وليُسمح أيضا لتركيا بأداء دور فعال في إنهاء نزاعات المنطقة وهي مؤهلة وقادرة على ذلك كل القدرة.

وأخيرا
الأهمية القصوى لإنهاء الحرب بين الغرب والإسلام واضحة. وصحيح إن وسائل مكافحة الإرهاب ضرورية لوقف الإرهاب، لكنها لا تكفي. لا بد من تغيير في طريقة تعامل الغرب مع العالم الإسلامي وصراعاته. فهل ثمة فرصة حقيقية لتحقيق هذا قريبا؟ أقر بأنني لا اعتقد ذلك. فأوباما أصيب بالوهن، وأوروبا تبقى مقسمة، وإسرائيل متعنّتة، والخوف المَرَضي من الإسلام يتصاعد. ويبدو أن هذا الحال سيستمر وأن علينا توقع المزيد من المصائب.
ايلاف
مواضيع ذات صلة:
هذه هي حرب أميركا على الإسلام1 من 2