TODAY - November 25, 2010
الرئيس العراقي سيعلن بحضور شخصيات رفيعة التكليف بالحكومة
المالكي يبدأ اليوم مهمة شاقة لتشكيل وزارته خلال شهر واحد

قصر السلام في بغداد

أسامة مهدي
يبدأ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اليوم الخميس مهمة شاقة تتطلب تشكيل الحكومة الجديدة خلال 30 يوما وذلك حين يكلفه الرئيس جلال طالباني بهذه المهمة رسميا حيث سيباشر فورا اتصالاته مع الكتل السياسية لاستلام أسماء مرشحيها للمناصب السيادية والحقائب الوزارية حيث ستتحدد حصة كل كتلة على أساس الإستحقاق الإنتخابي ونظام النقاط المحددة لكل منصب وحقيبة وزارية.

يشهد قصر السلام "القصر الجمهوري" داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، وهو أحد القصور الفخمة للرئيس السابق صدام حسين والذي يقيم فيه حاليا الرئيس طالباني احتفالية بحضور شخصيات سياسية رفيعة يكلف خلالها طالباني المالكي رسميا بتشكيل الحكومة الجديدة وهي الثانية التي يترأسها منذ عام 2006 في حال نجاحه بمهمته في موعد أقصاء الخامس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
ويعتبر قصر السلام الأكبر في العراق وتحيط به اأسوار كبيرة وأبراج مراقبة وبحيرة تم بناؤها في أواخر عهد صدام وهو يحتوي على أعمدة هائلة الحجم وقبة كبيرة جدا وقد بني بشكل معماري دقيق ونقوش دقيقة. وقصف هذا القصر بشدة أثناء حرب عام2003 من قبل القوات الأميركية مما أدى إلى انهيار عدد من الغرف العلوية واحتراق قبة القصر مما حولها إلى هيكل حديدي إضافة إلى أضرار جسيمة في أنحاء مختلفة من القصر، لكن أمانة بغداد أعادت ضمن مشاريع الإستثمار إعمار أجزاء منه العام الماضي. وقد تحول القصر الذي وضع تصاميمه البريطاني جيمس بريان كوبر بعد الغزو الأميركي إلى مقر للسفارة الأميركية قبل أن يسلم إلى العراقيين قبل عامين.

الدستور وخطوات تشكيل الحكومة
ويرسم الدستور العراقي الجديد خارطة طريق للإنتهاء من مهمة تشكيل الحكومة حيث ينص في مادته 76 على : "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية أعضاء وزارته، خلال مدةٍ أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف، فيما يكلف رئيس الجمهورية، مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً، عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند الثاني من هذه المادة، ويعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقته، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري.بالأغلبية المطلقة، في حين يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال خمسة عشر يوماً، في حالة عدم نيل الوزارة الثقة".
وبعد استلام المالكي للخطاب الرئاسي بتكليفه رسميا بتشكيل الحكومة فإنه سيتسلم أسماء مرشحي الكتل السياسية البرلمانية لشغل المناصب السيادية والوزارية حيث سيكون لكل واحدة من هذه الحقائب ثلاثة مرشحين حيث سيطلق التكليف المباحثات الرسمية لاختيار مرشحي الكتل.
وتوقعت مصادر نيابية التحالف الوطني على 18 وزارة والقائمة العراقية على 9 وزارات وائتلاف الكتل الكردستانية على 7 وتحالف الوسط على حقيبة وزارية ووزارة دولة ووزارة للمسيحيين مع مطالبة قائمة التغيير الكردية المعارضة بوزارة في حال بقيت خارج الإئتلاف الكردستاني.

المناصب بحسب الإستحقاق الإنتخابي والنقاط
ومن المنتظر أن تعقد الكتل السياسية اجتماعا مهما خلال اليومين المقبلين لبحث مسألة توزيع الحقائب الوزارية. وستستمر اجتماعات الكتل لمدة أسبوع للإتفاق على صفقة توزيع الوزارات وفق الإستحقاق الإنتخابي المعتمد على نظام النقاط واللذين سيحددان حصة كل كتلة برلمانية في الحكومة الجديدة ومن خلال احتساب نقطة لكل مقعدين نيابيين و15 نقطة للمنصب الرئاسي.
وتضم الحكومة العراقية الحالية 37 حقيبة وزارية تم تصنيف خمس منها سيادية وهي : النفط والمالية والخارجية والدفاع والداخلية.. ثم الخدمية ووزارات دولة ويتوقع أن يبقى هذا التقسيم في الحكومة الجديدة نظراً إلى متطلبات التوافق والشراكة التي تشدد عليها الكتل السياسية.
ووفق هذا النظام ستقسم قيمة الوزارة بعدد محدد من النقاط تتراوح بين 3 و 10 نقاط بحسب حجم الوزارة وأهميتها حيث سيكون لكل منصب للرئاسات الثلاثة للجمهورية والبرلمان والحكومة 15 نقطة وأقل من ذلك لمناصب نواب هذه الرئاسات.
وتؤكد الكتل السياسية على ضرورة تولي شخصيات مستقلة كالدفاع والداخلية والأمن الوطني حيث تضم الحكومة الحالية المنتهية ولايتها 37 حقيبة وزارية تم تصنيف خمس منها سيادية وهي : النفط والمالية والخارجية والدفاع والداخلية.. ثم الخدمية ووزارات دولة ويتوقع أن يبقى هذا التقسيم في الحكومة الجديدة نظراً لمتطلبات التوافق والشراكة التي تشدد عليها الكتل السياسية.
ويملك التحالف الوطني المكلف بتشكيل الحكومة 159 مقعدا نيابيا والقائمة العراقية 91 مقعدا وائتلاف الكل الكردستانية 57 مقعدا وتحالف الوسط 10 مقاعد والمستقلين والكتل الصغيرة 8 مقاعد من بين 325 هي مجموع مقاعد مجلس النواب العراقي الجديد.
وشهد مجلس النواب السبت الماضي الثالث عشر من الشهر الحالي تفعيل الإتفاقات التي توصلت إليها الكتل في اجتماعاتها ضمن مبادرة بارزاني من بينها رفع الإجتثاث عن أربعة أعضاء في القائمة العراقية وتشكيل المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية والإتفاق على تشكيل لجان لبحث قضايا وقرارات هذه المبادرة خلال شهر واحد. وجاءت هذه الإتفاقات بعد فراغ سياسي ساد العراق على مدى ثمانية أشهر وخلف وراءه تداعيات مختلفة ولا سيما على الصعيد الأمني الذي شهد انهيارات خطيرة خلال الفترة الماضية.

المالكي.. رجل مغمور استطاع كسب دعم كتل سياسية مؤثرة
ولد نوري كامل محمد حسن المالكي في قضاء طويريج التابع لمحافظة بابل عام 1950 وجده محمد حسن أبوالمحاسن وزير المعارف في العهد الملكي عام 1925.
متزوج وله أربع بنات وولد واحد.. وحاصل على شهادة البكالوريوس من كلية أصول الدين في بغداد وشهادة الماجستير في اللغة العربية من جامعة صلاح الدين في اربيل.
انضم المالكي عام 1970 إلى حزب الدعوة الإسلامية الذي خاض صراعا مع النظام السابق.. وغادر العراق عام 1979 بعد صدور حكم الإعدام بحقه ومكث في إلى العراق وأصبح عضواً في قيادة الحزب ومسؤولاً عن تنظيمات الداخل طيلة فترة تواجده في المنفى.
اختير نوري المالكي عضواً مناوباً في مجلس الحكم الإنتقالي كما شغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني المؤقت وأسهم في تأسيس كتلة الإئتلاف العراقي الموحد وكان الناطق الرسمي باسمها والتي رشحته لتولي مسؤولية رئاسة لجنة الأمن والدفاع في الجمعية الوطنية.. وشارك في لجنة صياغة الدستور العراقي.
انتخب المالكي لتشكيل أول حكومة عراقية دائمة في أيار (مايو) عام 2006 معلنا برنامجا حكوميا سياسياً مطلقا من خلاله مشروع المصالحة الوطنية والحوار الوطني وهو يعرّف مشروعه هذا بأنه "مشروع حضاري حواري كبير.. شرعي سياسي إسلامي حضاري وأن البلد الذي ينبغي أن يبقى موحدا ويبقى قويا وشعبه يعود إلى إخوته وعلاقاته الطيبة لايمكن أن يعود عبر البندقية والقتل والإختطاف إنما يعود عبر التفاهم وغسل القلوب عبر التصالح مع الذات والآخر في إطار العملية السياسية".
وقد رعى المالكي خلال فترة ولايته الأولى العديد من مؤتمرات المصالحة الوطنية للقوى السياسية والعشائرية ومنظمات المجتمع المدني في بغداد وعدد من المحافظات.. كما قاد حملة مسلحة كبيرة بمشاركة القوات الأميركية والعراقية في عام 2007 ضد المليشيات المسلحة وخاصة جيش المهدي التابع للتيار الصدري في بغداد ومحافظات العراق الجنوبية.. ثم قام بالعديد من الزيارات إلى دول العالم وفي مقدمتها دول الجوار مشددا على ضرورة طي صفحة الماضي وتأسيس علاقات قائمة على الإحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وقد سعى المالكي جاهدا للسيطرة على حكومة تسودها الإنقسامات وتألفت من تحالفات هشة لكن في العامين الأخيرين اكتسب قوة بعد أن قرر محاربة المليشيات المسلحة ونجح في تحقيق انخفاض حاد في أعمال العنف بوجه عام. لكنه بمرور الوقت أصبح الكثير من حلفاء المالكي السابقين خصوما وخاصة المجلس الأعلى الاسلامي والتيار الصدري لكن هذا الأخير سرعان ماتخلى عن معارضته الشديدة للمالكي والتي وصلت إلى حد وصفه بأنه أسوأ من صدام حسين ثم أيد ترشيحه لولاية ثانية بضغوط يإرانية كبيرة.
وقد مرت العلاقات بين المالكي الذي يقود حزب الدعوة الإسلامي والتيار الصدري بزعامة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر بعدة مراحل من الجذب والشد فبعد ضغط التيار على قبول مرشح الدعوة المالكي بديلا عن إبراهيم الجعفري لمنصب رئيس الوزراء عام 2006 على باقي مكونات الإئتلاف الوطني خاصة المجلس الإسلامي الأعلى الذي رشح للمنصب القيادي فيه نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي تم تشكيل الحكومة العراقية من قبل المالكي فعلا واستمرت العلاقات بين الطرفين بالجيدة لحين قيام المالكي بدخول كربلاء عام 2007 لوقف الإشتباكات المسلحة التي جرت بين أنصار التيار الصدري والقائمين على المراقد المقدسة في المدينة والتي تم على إثرها قتل واعتقال العديد من عناصر التيار.
وفي نهاية آذار عام 2008 ومع بدء عملية صولة الفرسان ضد مليشيا جيش المهدي في البصرة وباقي المحافظات أصبح المالكي هو العدو الجديد للتيار حيث توترت العلاقات بين الطرفين واستمرت لما بعد الإنتخابات البرلمانية التي جرت في آذار من العام الحالي إلا أن تغير موقف التيار من ترشيح المالكي لولاية ثانية أعاد العلاقات بين الدعوة والتيار إلى طبيعتها بعد ثلاثة أعوام من الإحتقان بين الطرفين.
ونجح المالكي في إقامة علاقات دبلوماسية جيدة مع إيران التي خاضت حربا مع العراق بين عامي 1980 و1988 في عهد الرئيس السابق صدام حسين واستطاع أن يقنعها بإمكانية إقامته لعلاقات تقوم على التعاون والتنسيق معها والتغاضي عن تدخلها الواسع في الشؤون العراقية.أ
وقبيل ترشيحه لولاية ثانية قام المالكي بزيارات إلى إيران والأردن وسوريا وتركيا ومصر في محاولة للحصول على تأييدها لترشيحه لولاية ثانية وطمأنتها بأن حكومته المقبلة ستقيم معها أفضل العلاقات كما لوح لقادة هذه الدول بامتيازات ومكاسب في اقتصاد بلاده ومشاركتها في عمليات إعادة إعماره بعد سنوات من حصار دولي وحروب إقليمية ودولية خاضها العراق على امتداد الثلاثين عاما الماضية.
وخلال الإنتخابات البرلمانية الخيرة في آذار الماضي جاء ترتيب ائتلاف دولة القانون الذي يقوده المالكي ثانيا بحصوله على 89 مقعدا برلمانيا متخلفا بمقعدين عن الكتلة العراقية بزعامة علاوي التي فازت فيها بحصولها على 91 مقعدا من مجموع عدد مقاعد مجلس النواب البالغة 325.
وقد اعترض المالكي على نتيجة الإنتخابات مشككا بنزاهة تعداد أصوات الناخبين لكن إعادة عد أوراق الإقتراع الذي قامت به المفوضية العليا للإنتخابات بناء على طلبه لم تغير من النتيجة.وبرغم ذلك استطاع المالكي عقد صفقات سياسية مع قوى وأحزاب سياسية مكنته في النهاية من حشد أكبر عدد من النواب لتوليه رئاسة الحكومة لفترة ثانية.
elaph