فليعد الرئيس النظر في كتاب مذكراته احتراماً لتاريخ
"ويكيليكس" يكشف ما حاول بوش إخفاءه

بوش وصدام.. دعابة على الإنترنت

فليُكتب ما يكتب عن "ويكيليكس". ولكن يتعين على مؤسسها، جوليان اسانج، أن يتابع الرئيس السابق جورج دبليو بوش وهو يصول ويجول بطول البلاد وعرضها ترويجا لكتاب مذكراته "لحظات الحسم".

وفقا لرتشارد كوهين، كاتب العمود الاسبوعي في "واشنطن بوست"، فعندما يحاول بوش تبرير حرب العراق بأن العالم صار أفضل بدون صدام حسين، يستطيع اسانج ان يخرج من جعبته وثيقة تحمل تعليق العاهل السعودي وهو أن الحرب "قدمت العراق على طبق من الذهب هدية لإيران".
ويقول الكاتب الأميركي إن العراق صار الآن تحت حكومة يهيمن عليها الشيعة وإن العديد من كبار المسؤولين موالون لإيران بشكل يدعو للقلق. والواقع هو ان السياسة الأميركية كانت على الدوام تستغل عراق صدام لموازنة الخطر الإيراني في المنطقة. ووثائق ويكيليكس تثبت وجود هذا الخطر إذ تكشف - بين أشياء أخرى - أن طهران حصلت من كوريا الشمالية على صواريخ قادرة على ضرب تل أبيب أولا ثم القاهرة بعد دقيقتين.
وتكشف الوثائق العديد من الأشياء التي تصلح مادة للقيل والقال.. مثل أن رئيس الوزراء الإيطالي اللاهي بيرلسكوني يقبع "في جيب" نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وأن نائب الرئيس الأفغاني تمكن بسهولة من إخراج 52 مليون دولار من بلاده ودخل بها دولة الامارات، بينما نجد، نحن الباقين، صعوبة في المرور بقنينة شامبو الشعر عبر جماركها. شيء ما ليس على ما يرام هنا.
ومن أبرز ما جاء في الوثائق القلق العربي الهائل إزاء مشروع القنبلة النووية الإيرانية. فطلبت الرياض الى واشنطن "قطع رأس الحيّة". واتفقت الامارات مع الجنرال الأميركي جون أبي زيد في مقولته إن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد "غير متوازن، وربما كان مجنونا"، وطلبت الى واشنطن مهاجمته عسكريا في غضون سنة أو اثنتين.
ويتخيل المرء ردات الفعل نفسها لو انه قرأ برقيات واردة من القاهرة أو عمّان. ذلك أن العالم العربي (السني) يكره ايران ويخشاها على أساس مذهبي، وأيضا لأنها تتبنى نظاما ثوريا من النوع الذي يجده فيه الطغاة مدعاة لأقصى درجات القلق.
هذا هو العالم الذي خلّفه لنا جورج بوش. وهو عالم موجود وملموس في كل مكان الا في كتاب مذكراته حيث الحقائق أما حُذفت أو أعيد ترتيبها بحيث تبدو حرب العراق نتاجا للفكرة العاقلة والمنطق. ومقولته "حاولت مواجهة الخطر العراقي بدون حرب" لا تقوى على النهوض على قدميها لأنها، ببساطة، تفتقر الى المصداقية.
وكان واضحا أن نظام بغداد لا يملك قنبلة نووية أو أسلحة بيولوجية. وأما السلاح الكيماوي فحتى لو كان موجودا فلما كان هذا بحد ذاته كافيا لشن الحرب عليه. فقد ظل هذا السلاح موجودا ومستخدما في العالم منذ معركة ايبرس (بلجيكا) في العام 1915. لكن بوش يكتب: "غياب أسلحة الدمار الشامل لم تغير حقيقة أن صدام كان خطرا على العالم". هذا مثل إجراء قرعة يفوز فيها بوش في حال وقعت له وتخسر انت في حال وقعت لك.
وقراءة كتاب بوش ومشاهدته وهو يتحدث عنه على شاشات التلفزيون يحدو بالمرء لتذكّر مصير رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن. فقد قاد بلاده في العام 1982 الى الحرب ضد لبنان، وعاد منها بأكثر من 675 قتيلا و4 آلاف جريح بين جنوده. وعاد أيضا بصورة إسرائيل التي لا تُقهر وقد اهتزت حتى ضاعت ملامحها تماما. عندها قدم بيغن استقالته وانتهى به الأمر رجلا مهزوما مكتئبا منكسرا.
هذه ليست أمنية أن يؤول حال بوش الى مصير بيغن. لكن على الرذيس الأميركي السابق أن يقرأ وثائق ويكيليكس وأن يعيد - احتراما للتاريخ - تقييم "لحظات الحسم" التي تحدث عنها في كتابه. فلا يمكن وصف اسلوبه الصبياني في اتخاذ القرارات (مثل مبدأ "اعرف نفسك وليس الحقائق" الخاطئ) الا بأنه منفِّر. وكما يعلم من رأي الكتاب فإن غلافه يظهر بوش في زي مزرعته. كان عليه ارتداء زي بيتر بان، لأنه مثله تماما: صبي لا يكبر.