TODAY - January 12, 2011
سكانها يقولون انها تحولت الى «مستعمرات».. وعطا يؤكد ان خططها الامنية قيد المراجعة
أجواء الحرب ما زالت حاضرة في الكرخ.. والداخلية تشكو خسارة مصادر المعلومات بسبب «نضوب الأموال»

الحواجز الكونكريتية تحولت الى لوحات.. بعد ما صارت جزءا من الحياة اليومية لسكان بغداد

بغداد – حيدر الكاظمي
ما تزال اجواء الحرب حاضرة في مناطق بغداد الغربية، على الرغم من التحسن النسبي في مشهد الامن العام للعاصمة.
وظل النمط الذي اتبعته القوات الاميركية في مدينة الفلوجة العام 2005 من تحديد مدخل ومخرج واحد للاحياء السكنية، هو الاسلوب السائد في معظم المناطق التي تقع في جانب الكرخ، ولا سيما البعيدة نسبيا عن المركز، كالسيدية والغزالية والعامرية، حتى باتت توصف بعض هذه المناطق بأنها "مستعمرات أمنية" يتطلب دخول سكانها اليها انتظارا في طابور طويل، قد يستغرق ساعة كاملة من الزمن.
وبينما يقول المتحدث باسم عمليات بغداد اللواء قاسم عطا ان الخطط الأمنية المنفذة في تلك المناطق هي قيد المراجعة حاليا لدراسة امكانية تقليصها، يكشف ضابط رفيع في وزارة الداخلية ان هذه الاحياء ما زالت تصنف على انها ساخنة أمنيا، وان السبب في عدم فرض القوات الامنية سيطرتها عليها يعود الى خسارة مصادر المعلومات التي كانت تزود القوات الامنية بالتفاصيل عن حركة المسلحين، بعد ان جفت مصادر التمويل الاميركية المرصودة لهذا الغرض.
وتتسبب الحواجز الكونكريتية التي تحيط بمعظم احياء جانب الكرخ حالة من الارباك للمواطنين بسبب اضطرارهم الى الوقوف في طوابير طويلة بانتظار دورهم في دخول احيائهم السكنية.
ويقول احسان الدفاعي وهو احد سكان منطقة السيدية انه ينتظر لمدة لا تقل عن 45 ديقة يوميا لدخول الحي السكني الذي يعيش فيه. ويضيف "في بعض الاحيان نحرم من دخول منازلنا بسبب حدوث توتر امني وهذا الامر يصيبنا بالاحباط ويدعونا للتفكير في مغادرة هذه المستعمرة الامنية".
بينما يقول احد سكنة منطقة العامرية ان "بعض الاشخاص من الذين يقيمون علاقات جيدة مع القوات الامنية تمكنوا من استحصال موافقات خاصة تسمح لهم بدخول المنطقة عبر الخط العسكري، ثم تزايدت اعداد اصدقاء القوات الامنية، ما زاد فترة انتظارنا نحن البسطاء في طابور الدخول الى المنطقة".
ويقول ضابط كبير في وزارة الداخلية من المشرفين على جانب الكرخ من بغداد ان "بعض المناطق في جانب الكرخ تعتبر حتى اللحظة حاضنة للجماعات المسلحة وخاصة المناطق الواقعة في اطراف بغداد والتي تتميز بمساحاتها الشاسعة والغطاء النباتي الكثيف الذي يحيط بها ومثال ذلك منطقة الرضوانية ومناطق جنوب بغداد وحي الفرات وغيرها من الاحياء والقرى النائية الكثيرة".
واضاف هذا الضابط لـ"العالم"، مفضلا عدم كشف اسمه، ان "منطقة السيدية لاتزال مأوى لبعض الخلايا الارهابية النائمة وخصوصا من جماعة الجيش الاسلامي وبعض تنظيمات القاعدة". وتابع "للسيطرة على هذه المناطق تحتاج القطعات العسكرية الى جهد استخباري مضاعف والجهد المبذول حاليا ضعيف ويحتاج الى توجيه ودعم مالي".
ويقول انه كانت في السابق "تخصيصات مالية تمنح لقادة القطعات العسكرية لمنحها كمكافأة للمصادر السرية التي تزود قوات الامن بالمعلومات وهذه الطريقة كانت متبعة من قبل القوات الاميركية واثبتت نجاحها في كشف الكثير من اوكار الارهاب".
لكن الذي يحصل الان ان معظم هذه التخصيصات المالية حجبت وبالتالي "بدأنا نخسر اهم مصادر معلوماتنا الذين لا يصرحون بما لديهم من معلومات بدون مقابل مادي وهذا الامر اضعف جهدنا الاستخباري ونضبت مع تنفيذه مصادر معلوماتنا" حسب المصدر.
ويقول هذا الضابط "نواجه مشكلة كبيرة في بعض مناطق الكرخ وهي سكوت الاهالي في مناطق معينة عن نشاطات الجماعات المسلحة". واضاف "هذا السكوت ليس بدافع الخوف ولكن لتعاطفهم مع هذه الجماعات وسبب هذا التعاطف هو الماكينة الاعلامية الموجهة ضد الدولة وعدم وجود اعلام حكومي مضاد لهذه الماكينة".
ويستشهد الضابط بحادثة وقعت أخيرا، بالقول انه "في الايام القليلة الماضية احبطت قوة امنية مشتركة انطلاق صواريخ من قاعدة نصبت في قرية المكاسب في منطقة الرضوانية على مطار بغداد، وعبر لنا خبراء مكافحة المتفجرات عن ذهولهم للطريقة المثالية التي صممت بها هذه القاعدة والدقة الكبيرة في عملية نصبها وتوجيهها الى المطار وهذا ما يثبت صحة ما نقول".
وتابع "لو كان المواطنون على علاقة جيدة مع القوات الامنية هناك لابلغوا عن التحركات للقوة الارهابية التي نفذت نصب القاعدة ضمن هذه القرية لان عملية نصبها استغرقت وقتا ليس بالقصير والحال ذاته في بعض احياء جانب الكرخ"، مشيرا الى ان "هناك من المواطنين الذين يغضون الطرف عن الجماعات المسلحة عندما يستأجرون منزلا معينا على الرغم من تحركاتهم المريبة ولكن التعاطف او الخوف يدفعهم لعدم الابلاغ".
ويقول الضابط ان "الحديث عن رفع الحواجز الكونكريتية امر سابق لاوانه لاننا امام جماعات مسلحة لا تعرف الرحمة وتتعامل بطريقة بشعة مع المواطنين وهذه الحواجز تمنعهم من تنفيذ مآربهم".
لكن المتحدث باسم خطة فرض القانون اللواء قاسم عطا قال في مقابلة مع "العالم" أمس الاربعاء ان "الحواجز الكونكريتية والاسيجة الامنية تم انشاؤها لمتطلبات مكافحة الارهاب حتى نجزئ مناطق عمل العدو ونمنعه من التنقل بين المناطق والاحياء السكنية ولم يكن انشاء الحواجز الكونكريتية من اجل منع الحرب الطائفية".
وحول طبيعة حياة سكنة جانب الكرخ وانخفاض اسعار العقارات في مناطقهم مقارنة بجانب الرصافة واغلاق المحال التجارية بتوقيتات مبكرة هناك بسبب كل هذه الاجراءات، قال عطا ان "الخارطة الامنية الموجودة امام قيادة عمليات بغداد تشير الى ان قاطعي المسؤولية في الكرخ والرصافة تشهدان بعض الاعمال الارهابية المتفرقة واعمال الجريمة المنظمة وهذا الامر يحصل بين فترة واخرى وليس بصورة يومية".
واضاف "الان اغلب المواطنين يناشدونا برفع الحواجز الكونكريتية بسبب تحسن الاوضاع الامنية في مناطق سكناهم وعودة الحياة الى جميع المحال والاسواق التجارية في مناطقهم وهي المنصور والعامرية والاعلام والسيدية"، موضحا ان "خيار اغلاق المحال التجارية في وقت مبكر يكون رهن رغبة اصحابها وليس لنا دخل بذلك فهم لديهم وقت معين لحظر التجول وبامكانهم ممارسة اعمالهم حتى ساعة سريان الحظر".
وزاد ان "جانب الكرخ يختلف عما كان عليه في الاعوام السابقة فالكرخ في 2011 يختلف عن 2007 وشبح الحرب الطائفية انتهى الى غير رجعة ولم نسجل حوادث طائفية منذ ذلك الوقت".
وعن الاوضاع غير المستقرة في منطقة السيدية تحديدا، قال عطا "بعد ان يستتب الامن بشكل نهائي في السيدية والمناطق الاخرى سنتخذ خطوات في رفع الحواجز الكونكريتية واعادة الشوارع بشكل كامل".
العالم