الرجل الثاني في النظام وهمزة الوصل بين الفلسطينيين واسرائيل
TODAY
- February 05, 2011
عمر سليمان.. درع مبارك وصديق الـ "سي آي إيه"


لعبت كاريزما عمر سليمان، نائب الرئيس المصري، دوراً بارزاً في ترديد اسمه خلال فترة معينة لخلافة حسني مبارك، غير أن نائب الرئيس المعيّن حديثاً آثر البقاء الى جانب رأس النظام لإنقاذه من عثرته، وضمان خروجه المشرف من قصر الرئاسة محتفظاً بتاريخه السياسي والعسكري.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
اتفقت اكثرية الاجهزة الاستخباراتية في مختلف دول العالم على ان اللواء عمر سليمان هو ثاني اقوى شخصية سياسية وامنية في مصر بعد الرئيس مبارك، وبحسب مجلة "اتلانتك" الاميركية، فطن النظام المصري الى هذه الحقيقة منذ ما يقرب من ست سنوات، فاحتفظ به الى جواره واعتبره كاتم اسراره في عدد ليس بالقليل من القضايا الداخلية والخارجية، وإن كان للأخيرة موقع الصدارة لما لها من حساسيات ذات صلة بالأمن القومي المصري.

الدرع الواقي
رغم ما يحمله ملف سليمان المهني من معطيات ايجابية، تجعله درعاً واقياً للنظام في ظل الظروف العصيبة الراهنة، الا ان التقارب الوطيد بين مبارك وسليمان بدأ بزوغه في السادس والعشرين من شهر حزيران/ يونيه عام 1995، ففي تمام الساعة الثامنة والربع من صباح هذا التاريخ، جلس سليمان الى جانب الرئيس المصري في السيارة التي اقلتهما ضمن قافلة الوفد المصري المشارك في مؤتمر منظمة الاتحاد الافريقي بأثيوبيا، وعندما كان الوفد في طريقه من ميناء اديس ابابا الجوي الى مقر المؤتمر، أمطرت عناصر تنتمي لتنظيم "الجماعة الاسلامية" قافلة الرئيس المصري بوابل من الأعيرة النارية، مما اسفر عن مقتل عدد من طاقم حراسة مبارك، بينما خرج الأخير من الحادث سليماً، وربما يعود ذلك بحسب مصادر مقربة من قصر الرئاسة المصري الى اصرار سليمان على ان ترافق مبارك خلال زيارته لأثيوبيا سيارته المرسيدس المصفّحة، وخلال حديث مع مبارك قبل السفر بساعات، ابلغه سليمان بأن لديه من المعلومات من يشير الى احتمال تعرض الوفد المصري الى المؤتمر لهجوم ارهابي، فأدرك الرئيس المصري الذي لم ينس نهاية سلفه انور السادات خطورة الموقف، واستجاب لوصايا مدير الاستخبارات العامة.
في اعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة، اوعز سليمان لرجاله بضرورة العمل بقوة ودون عراقيل من اي نوع ضد "الجماعة الاسلامية"، المتورط الاول في الحادث، فتم القاء القبض على عدد كبير من اعضاء الجماعة لتتمكن قبضة سليمان الحديدية من تصفية الارهاب الراديكالي في غضون فترة وجيزة.

شخصية مجهولة
قبل ما يقرب من ست سنوات لم يتعرف الشعب المصري على شخصية عمر سليمان، ولكنه اقترب رويداً رويداً من كاميرات وسائل الاعلام، بعد خروجه من كواليس العمل الاستخباراتي السري ليصعد على منبر العمل الدبلوماسي، وتنقل صحيفة هاآرتس العبرية عن ضيوفه الاسرائيليين قولهم: "إن إحدى حوائط مكتبه الجديد في القاهرة تضم صورة كبيرة لسلفه في إدارة جهاز الاستخبارات المصرية العامة، تستقر الى جوارها صورة شخصية له، وهذا نهج غير معهود بالنسبة للمسؤوليين في مصر، مما يُعطي انطباعاً بأن الرجل لا يعتبر منصبه الحالي نهاية مطاف عمله الوطني، وانه يتطلع الى ما هو اعلى وارفع من ذلك". ويرى المراقبون في تل ابيب ان اسم عمر سليمان كان مطروحاً ضمن من يرغب الشارع المصري في خلافتهم لمبارك، غير ان الأخير كان يرغب في تلك الفترة في خلافة ابنه جمال له، ولكنه كان على علم في الوقت ذاته بأنه إذا واجهت رغبته تلك رفضاً شعبياً، فسوف يزيد ذلك من اسهم عمر سليمان في الخلافة.
كل من يلتقي اللواء المصري عمر سليمان، بحسب الصحافي الاسرائيلي المتخصص في الشؤون الاستخباراتية "يوسي ميلمان"، يشعر بشخصية كاريزماتية تتحلى بقدر كبير من الهدوء والاحترام، ولا تبعد كثيراً عن قيم نبلاء القرون الوسطى، وينقل ميلمان عن دوائر استخباراتية اسرائيلية قولها: "التقينا منذ عدة سنوات مع ممثلين عن جهاز الاستخبارات الاميركي الـ "CIA" في بهو احد الفنادق بواشنطن، وكان سليمان من بين الحضور، وفجأة رفع يده اليمنى ليظهر اصبعين في كف يده كحرف الـ "V"، وعلى الفور قام أحد مساعديه بوضع سيجار بين اصبعي كف يده اليمنى".
يحرص سليمان في لقاءاته على الحفاظ على مظهره العام، ولا يميل الى رفع صوته في الحديث، ويحافظ على عبارات يظهر منها احترامه لمحاوره مهما كان مستواه، بينما يتحول هذا الأسلوب الى نهج مغاير إذا شعر ان هناك استخفاف بحديثه، ووفقاً لما نشرته صحيفة معاريف العبرية حول طبيعة شخصية عمر سليمان، عنّف مدير الاستخبارات المصرية ونائب الرئيس المصري الجديد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عندما رفض الأخير التجاوب مع نصائحه خلال احدى الجلسات التي عقدت بين الرجلين بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وترى الصحيفة: "انه على الرغم من الليبرالية التي تظهر من حديث عمر سليمان وايدلوجياته، وموقفه المعارض لنشاط جماعة الاخوان المسلمين المصرية، الا انه ملتزم دينياً الى درجة كبيرة، لدرجة انه كان يعتذر لمحاوريه من الاسرائيليين وغيرهم، عندما يقطع حديثه معهم من اجل أداء الصلوات المفروضة، سواء كان ذلك في القدس او رام الله او واشنطن او حتى في القاهرة".

التهديد المركزي
يعتبر عمر سليمان الاخوان المسلمين التهديد المركزي لمصر، وربما كان لوجهة نظره تلك بالغ الأثر في حرص الاستخبارات المركزية الاميركية الـ "CIA" على التعاون معه، واستشارته في عدد ليس بالقليل من القضايا ذات الصلة بالجماعة المحظور نشاطها السياسي في مصر، كما كان لسليمان دور بالغ الأهمية في مكافحة واشنطن لنشاط تنظيم القاعدة في مصر ومختلف دول العالم، فيحرص سليمان على الاستعانة بعدد كبير من الباحثين المصريين في مجال مكافحة الارهاب وانشطة الجماعات الاسلامية، الأمر الذي جعل وكالة الاستخبارات المركزية في واشنطن تعتبر الاستخبارات المصرية العامة صديقاً مقرباً منها، ربما بشكل لا يقل عن جهاز الاستخبارات الاسرائيلي الموساد.
يعد سليمان مسؤولاً عن نجاح اتفاق التهدئة بين حماس واسرائيل، الذي منح تلك المنطقة حالة من الهدوء حتى التاسع عشر من كانون الاول/ ديسمبر عام 2008، الا انه لم يُفلح في التوفيق بين حماس واسرائيل خلال الاتصالات غير المباشرة، التي جرت بين الطرفين من أجل اطلاق سراح الجندي الاسرائيلي المخطوف في قطاع غزة جلعاد شاليط. لعل تلك الاتصالات كانت سبباً في معرفة الدوائر الامنية والاستخباراتية في تل ابيب لشخصية عمر سليمان، فضلاً عن انه منذ تعيينه في منصب مدير الاستخبارات العامة المصرية عام 1993، تشعبت علاقاته بالمطبخ الاستخباراتي الاسرائيلي "الامن العام، الاستخبارات العسكرية، والموساد"، وحاول قيادات تلك الأجهزة في احيان متقاربة الانفتاح على حياته الخاصة، وكان من هؤلاء رئيس الموساد الاسبق "شيفتي شافيت"، الذي قال عن سليمان: "كان متحفظاً جداً في الحديث عن حياته الخاصة، وكثيراً ما كان يتفاخر بأسرته وابنائه الثلاثة وأحفاده". لكن ذلك لا يعني وفق صحيفة هاآرتس العبرية ان جدول الاعمال اليومي للجنرال المصري عمر سليمان، كان يجري التنسيق حوله مع اسرائيل، وأضافت الصحيفة: "من المحظور ان نتناسى اننا امام صاروخ مصري، مهمته الاساسية الحفاظ على النظام المصري وحماية حياة رأسه حسني مبارك".

الميلاد والنشأة
ولد عمر محمود سليمان عام 1935في مدينة قنا بجنوب مصر، وهى المدينة المعروفة بمنبع التيارات الاسلامية الراديكالية، وكتبت الصحافية الاميركية "آن ماري ويبر" قبل ما يقرب من خمس سنوات عن تلك المدينة تقول: "انه امام شعب مدينة قنا مسقط رأس عمر سليمان طريقين لا ثالث لهما للتقدم في السُلم الاجتماعي، الأول العمل في الجيش، والثاني العمل في المؤسسة الدينية "طريق الوعظ والارشاد الديني". وبحسب مقال الكاتبة الاميركية المنشور في مجلة "اتلانتك" اختار سليمان الطريق الأول، ففي التاسعة عشر من عمره، غادر سليمان مدينة قنا للدراسة في اكاديمية العلوم العسكرية بالقاهرة، ومنذ هذا التاريخ وخلال ما يقرب من خمسين عاماً، اعتبره الجميع جندياً باسلاً ومحترفاً، في ستينيات القرن الماضي أوفد سليمان الى الاتحاد السوفييتي السابق لاستكمال دراسته العسكرية، غير ان خدمته العسكرية في الجيش المصري فُرض عليها اجواء من التعتيم البالغ، فيرفض مدير الاستخبارات المصرية العامة الحالي الحديث عن تدرجه في العمل العسكري بالجيش المصري، ولكن المؤكد هو توليه رئاسة الاستخبارات العسكرية المصرية عام 1991، وبعد عامين من هذا التاريخ تم تعيينه مديراً للاستخبارات المصرية العامة، بعد ذلك تم تصعيده لدرجة وزير، وعضواً بارزاً في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والامنية، وهى المكانة التي لم يحصل عليها غيره بعيداً عن التشكيل الوزاري التقليدي للحكومة المصرية، وفي التاسع والعشرين من كانون الثاني/ يناير المنصرم، تم تعيين عمر سليمان نائباً للرئيس المصري، في اعقاب المظاهرات الحاشدة التي شهدتها مصر للمطالبة بإجراء اصلاحات سياسية.
ايلاف