TODAY - February 06, 2011
من "فيسبوك" و"تويتر" إلى جحافل الخيول والجمال
مظاهرات المصريين تعرض مطالبهم السياسية وتجسد تراثهم الثقافي والديني

مواجهات بين مؤيدين ومعارضين لمبارك

دبي - العربية نت
لكل شعب من الشعوب طبيعته وخصائصه وموروثه الثقافي والحضاري الخاص به، والذي قد يتوارى حينا تحت ضغط تفاصيل الحياة اليومية، ولكنه سرعان ما يطفو ويتصدر كل شيء في الأحداث التي تحل بالأمة خيراً كانت أم شراً.
ولعلّ أبرز ما يميز السمات الجمعية للشعب المصري هو ميله الفطري للتدين، مسلماً كان أو مسيحياً، وخفة الدم المعهودة وحب النكتة التي لا تفارقه حتى في أحلك الظروف.
وفي خضم الأحداث التي تعيشها مصر منذ اندلاع "انتفاضة الشباب" أو "ثورة الغضب"، تجلت ظاهرة التدين بجانبه الفطري والعفوي وشديد التسامح في جوانب عديدة من مظاهر حركة الاحتجاج، وأبرزها تلك المسميات التي أطلقوها على الأيام التي تشهد تجمعات حاشدة، بداية من "جمعة الغضب" و "الأربعاء الدامي" ثم "جمعة الرحيل" و"أسبوع الصمود" وصولاً لـ "أحد الشهداء"، وما قد يليه من تسميات أخرى.
وهي تسميات مشتقة في أساسها من "أسبوع الآلام المسيحي"، ويقصد به الأيام القليلة التي سبقت صلب السيد المسيح، وفقا للمعتقدات المسيحية، والذي يبدأ بخميس العهد والجمعة الحزينة وسبت النور وأحد القيامة.
وهو ما دفع بعض الظرفاء للقول إنه في حالة استمرار الرئيس في رفض مطلب التنحي فإن المصريين سينظمون أياماً لا حصر لها مثل "أحد الشهداء" و"اثنين الراحة" يعقبه "ثلاثاء التكتل" و "أربعاء الحشد" وخميس الصعود "للطائرة" حتى جمعة "الإقلاع "(أي مغادرة الرئيس) ويليها سبت النور، بمعنى الاستجابة لمطالب المحتجين وعودة الحياة لمصر لطبيعتها في بداية عهد جديد.
وإذا كانت مسميات أيام التجمع قد اشتُقت بامتياز من المسيحية، فإن مشهد الصلاة الجماعية والتي شارك فيها أكثر من مليون متظاهر في يوم الجمعة الموافق 4 فبراير/ شباط 2011 في قلب ميدان التحرير، في مشهد كان من الصعب تخيله، جاء معبراً عن حالة مصر الإسلامية الوسطية المعتدلة بلا غلو، ودون شعارات التخويف المعتادة التي تهول من قوة الإخوان أو سطوتهم على الشارع المصري، في رسالة شديدة الوضوح بأن ما يجري هو ثورة وطنية ضمت كل أطياف هذا المجتمع.
ولترسيخ هذا المفهوم ونفي شبح الفتنة الطائفية، التي يبدو أنها كانت بدورها فزاعة يستخدمها النظام لصرف الناس عن همومهم ومشاغلهم الحقيقية، أدى الأقباط صلاة جماعية في ميدان التحرير، عقب صلاة الجمعة مباشرة، ليصدح بعدها الميدان كله بالأغاني الوطنية المصرية التي توارت لعقود، لتعلن من جديد عن جيل يتوق لأن يرى مصر تعود لسابق عهدها كدولة مدنية مشغولة ببناء مجتمع حديث، وليس دولة دينية يتقاتل أبناؤها تحت رايات العقيدة.

مفارقات ثقافية
مشهد آخر أيضاً ميّز تلك التظاهرات، وهو ماحدث في يوم الأربعاء الثاني من فبراير/ شباط والذي أطلق عليه "الأربعاء الدامي" وهو جحافل الخيول والجمال التي هاجمت المحتجين في محاولة لطردهم من ميدان التحرير وفرض سيطرة أنصار مبارك المسلحين جيدا عليه.
هذا المشهد عكس دون أن يقصد أصحابه بالطبع، حالة المجتمع المصري بفئة كبيرة وواسعة من الشباب المتعلم والواعي والآخذ بنواصي الحداثة من إنترنت وفيسبوك وتويتر، وفئة قليلة تحاول إعادتها للعصور الوسطى على ظهور الجمال والخيول.
مفارقة المشهد تزيد منها الدلالة التاريخية للمكان، فظهور الخيول والإبل قد يكون وارداً في أحياء القاهرة العشوائية أو حتى الشعبية منها، ولكن أن تظهر في ميدان التحرير، أحد أبرز معالم القاهرة الخديوية، التي تمثل معقل الدولة المصرية العصرية، فقد كان مشهداً فاضحاً ويدعو للسخرية والرثاء معاً.
وفي خضم هذا الحدث المعقد والعصيب بل والدامي أحيانا، لم ينس المصريون النكتة ولم يتخلوا عن خفة دمهم المعهودة، وقد ظهر ذلك من بعض الشعارات واللافتات التي رفعها متظاهرون.
فأحد الشباب في الأيام الأولى حمل لافتة كتب عليها "إرحل بقي أنا أيدي وجعتني"، في مناشدة يائسة للرئيس، بأن يستجيب للمطالب لأن يده تؤلمه من الوقت الطويل الذي أمضاه في حمل اللافتة، وآخر قلده بلافتة كتب عليها "أمشي مراتي وحشتني .. أنا لسه متزوج من 20 يوم" وهي لشاب يبدو أنه دخل الحياة الزوجية حديثا ويريد أن تلبى مطالبه، حتى يعود لاستكمال شهر العسل الذي حرم منه بسبب مشاركته في التظاهر، وثالث وقد بدا في الصورة أشعث أغبر كتب على لافتته "إرحل عايز أروح أحلق" ورابع يحمل طفله الصغير النائم على كتفه يناشد الرئيس الرحيل "لأن كتفه وجعه"، مطالب قد تبدو هزلية لاتتناسب مع جد الموقف وخطورته، ولكنها تعكس مكوّناً أصلياً من تركيبة هذا الشعب.
ورغم المعروف عن الشعب المصري بأنه شعب كثير الكلام أو "رغاي" بالمعني العامي، ولكنه في لحظة ما يكون قادرا على الاختزال لحد يثير الدهشة وبكلماته العامية البسيطة التي يفهمها الجميع مثل هتاف الحشود الموحد "مش حنمشي.. يمشي هو".