TODAY - February 07, 2011
عمر سليمان.. أمين سر الرئيس
أول نائب لمبارك منذ 30 عاما.. شارك في أكبر 3 حروب خاضتها مصر.. وأنقذ مبارك عام 1995.. ومحاور الملفات الصعبة


«المصلح القابع في الظل».. «رجل الصعاب».. بعض من الألقاب التي نالها في ظل ما مر به من أحداث طيلة عمله.. ولكن الظروف القاسية التي تمر بها مصر حاليا دفعته لينتقل من خانة رجل الظل، إلى خانة رجل الأمل في النظام. اللواء عمر محمود سليمان، 75 عاما، رئيس المخابرات المصرية العامة السابق. كان حتى أيام مضت الحارس الأمين لأسرار مصر، حيث ظل مشاركا عن كثب في معظم قضايا مصر شديدة الحساسية والخطوة التي تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية مباشرة، لما يناهز 20 عاما.
وبعد توليه لمنصب نائب الرئيس في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، كأول من يتولى هذا المنصب في حقبة الرئيس مبارك، يعتقد الكثيرون أن سليمان أصبح يملك في يديه مفتاح المستقبل السياسي والأمني لأكبر دولة في العالم العربي والشرق الأوسط.. بل وتحديد مصير الرئيس المصري شخصيا، وبخاصة أن (سليمان) رجل مقبول الوجه لكافة التيارات.
ويرى العديد من المراقبين وقوى المعارضة السياسية في مصر أن خطوة تولي سليمان، 74 عاما، للمنصب تأخرت 30 عاما، وأن مبارك لم يقدم عليها إلا عندما بات الجميع شبه واثقين أن حكمه يكتب سطوره الأخيرة، وأنه راحل قريبا أو بعد شهور لا محالة، وأن ملف توريث الحكم لنجله السيد جمال مبارك بات ضربا من ضروب الخيال وأمرا محالا.
وكان منصب نائب رئيس الجمهورية في مصر قد شغر منذ تولي مبارك لسدة الحكم، إثر اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات عام 1981، حيث كان يشغل المنصب ذاته. وقد قوبل قرار تعيين سليمان بالمنصب بتأييد وارتياح شعبي ورسمي على جميع الأصعدة المحلية والعربية والدولية. وحتى بين صفوف المتظاهرين الذين يطالبون بإسقاط النظام وعزل الرئيس مبارك نهائيا الآن وليس في نهاية ولايته، فإنهم لا يمانعون من استمرار سليمان فقط.. بل ويطرحون فكرة تصعيده لمنصب رئيس الجمهورية لفترة مؤقتة حتى تستقر الأوضاع، ويتم ترتيب البيت المصري من الداخل، ضمن حزمة من المقترحات تطرحها قوى المعارضة وشباب المتظاهرين المرابطين حتى الآن في ميدان التحرير.
وسليمان، الذي يلقى دعم وثقة كل القوى وعلى رأسها المؤسسة العسكرية الحاكمة في مصر، هو سليل هذا النظام أيضا بامتياز، وهو ابن كل مدارس الاستخبارات في العالم، حيث تجمع خبرته العسكرية بين فنون الاستخبارات الأميركية والسوفياتية في معظم قطاعات الجيش، من الهندسة إلى المدفعية وصولا إلى قيادة الاستخبارات العامة.
ولد «عمر محمود سليمان»، في 2 يوليو (تموز) 1936، بمحافظة قنا في صعيد مصر، وتلقى تعليمه في الكلية الحربية في القاهرة. وفي عام 1954 انضم للقوات المسلحة المصرية، ومن بعد ذلك تلقى تدريبا عسكريا إضافيا في أكاديمية «فرونزي» بالاتحاد السوفياتي السابق. وسمحت دراسة سليمان للفنون العسكرية والسياسية معا له بتولي مناصب قيادية عديدة على مدار حياته، حيث درس العلوم السياسية في مصر في جامعتي القاهرة وعين شمس، وحصل على شهادتي ماجستير بالعلوم السياسية والعلوم العسكرية.. وإبان عمله بالقوات المسلحة ترقى بالوظائف حتى وصل إلى منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة عام 1992.
وبدأ صعود نجمه عام 1986 عندما تولى منصب نائب المخابرات العسكرية، وهى المهمة التي جعلته على اتصال مباشر مع الرئيس مبارك، ثم تولى بعدها منصب مدير المخابرات العسكرية. وفي 22 يناير (كانون الثاني) 1993، كانت النقلة الكبرى، حين عين رئيسا لجهاز المخابرات العامة المصرية.. ليصبح واحدا من مجموعة نادرة من المسؤولين المصريين الذين يحملون رتبة عسكرية لواء (جنرال) ومنصب مدني بدرجة وزير.
وواجه سليمان في منصبه العديد من التحديات وحمل ملفات شائكة، في ذلك التوقيت كانت الجماعات الدينية المتشددة، وخاصة «الجماعة الإسلامية» و«الجهاد»، تنفذ حملة من التفجيرات والاغتيالات في مصر.. وظل سليمان في موقعه هذا إلى أن تم تعيينه نائبا للرئيس.
خبرته العسكرية لا تقتصر على خبرات أكاديمية أو إدارية بحتة، ولكن خبراته العملية على أرض الواقع تتخطى ذلك، إذ شارك في أكبر ثلاث حروب خاضتها مصر، بدءا من حرب اليمن عام 1962، وحرب يونيو (حزيران) 1967، وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. يتميز سليمان بالهدوء والصرامة في آن واحد، ولديه قدرة كبيرة على كسب ثقة كل من حوله وجمع الأطراف المتناقضة والتحاور معها، فهو يتمتع بكاريزما ساحرة، مشبعة بالاحترام.
ولذلك فإن له إسهامات كبيرة في موقعه السابق، ووفقا لشهادات مسؤولين كبار فإن عمله بإخلاص وجدية في مجال الأمن القومي المصري كانت واضحة. ويعد إخلاصه لمبارك بلا حدود، مما جعله أحد الرموز التي يستطيع مبارك أن يعتمد عليها إلى حد كبير. وفي ذات الوقت يتمتع سليمان بعلاقات متينة مع العديد من المؤسسات الأمنية في العالم، وكذلك له علاقات قوية مع الدول العربية، ويحظى بقبول عند رموز الحكم في هذه الدول.
وصف سليمان من قبل بأنه «أحد أقوى رؤساء المخابرات في العالم وأنه الرجل الأكثر نفوذا في مصر بعد الرئيس مبارك، والأقدر على الاضطلاع برئاسة مصر في المستقبل». فقد تصدر تصنيف مجلة «فورين بوليسي» الأميركية لأقدر رجال الاستخبارات، قبل رئيس الموساد مئير داغان، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ورئيس الاستخبارات السورية آصف شوكت.
كما أكد الكاتب «ديفيد بلير» في مقال له بصحيفة «ديلى تليغراف» البريطانية قبل ذلك، أن «سليمان يحظى بثقة مبارك، والذي من الصعب أن يثق في أي شخص ويعتمد على دائرة صغيرة من الأشخاص في مساعدته على إدارة شؤون مصر». وقال بلير «منذ فترة، يعد اللواء سليمان الشريك المحترم للحكومة البريطانية، فأي وزير بريطاني يمر بالقاهرة دائما يطلب رؤيته، وهناك علاقات أمنية وثيقة بين المخابرات المصرية وجهاز المخابرات البريطانية المعروف باسم MI 6».
ووفقا لذات التقرير البريطاني فإن سليمان لعب دورا كبيرا في إنقاذ حياة الرئيس مبارك عام 1995، عندما تعرض لمحاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.. فقد كانت الخطة الأصلية للاغتيال أن يركب الرئيس سيارة عادية غير مدرعة هناك، لكن سليمان في اليوم السابق لسفر مبارك أصر على نقل سيارة مصفحة بالطائرة إلى أديس أبابا ليستخدمها الرئيس في تنقلاته، الأمر الذي أنقذ حياته عندما ارتدت الطلقات من جسم السيارة، كما أصر على الركوب مع مبارك في نفس السيارة أثناء العودة، وهو الأمر الذي خلق بينهما قدرا كبيرا من الثقة بعدما عاشا معا هذه اللحظات العصيبة.
لم يكن سليمان، الرجل الطويل بعض الشيء صاحب الانحناءة الخفيفة، والشارب الرفيع على طراز العسكريين البريطانيين في الأربعينات، معروفا في الأوساط الإعلامية إلا قبل سنوات قليلة، والتي كانت تشير إليه في البداية بالوزير عمر سليمان دون تحديد لمنصبه، إلى أن بدأ منذ العام 2000 في ظهوره العلني عبر سلسلة الجولات الخارجية بين غزة ورام الله والقدس وتل أبيب ممثلا للوساطة المصرية في القضية الفلسطينية.
وبزغ نجمه بشكل كبير خلال السنوات الماضية، فأصبح إحدى الشخصيات الأكثر تأثيرا في ملفات الشرق الأوسط نظرا لعلاقات الشراكة القوية التي كونها مع الأجهزة الاستخباراتية في العالم، بالإضافة إلى نجاحه في تطوير المخابرات المصرية صاحبة الحضور الواضح والقوي في معظم دول العالم من خلال السفارات المصرية.
ويعتبر سليمان المحاور الرئيسي للأميركيين، الذين التقوه أكثر مما التقوا بوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، وفقا لشبكة CNN الإخبارية. ويعكس أول رد فعل أميركي على تعيين سليمان نائبا للرئيس ذلك، حين قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي «إنه شخص نعرفه جيدا وعملنا معه عن كثب، نحن نعتقد أن مصر تحتاج إلى عملية ذات مغزى تقود إلى إصلاح حقيقي».
أصبح سليمان في السنوات القليلة الماضية شريكا أساسيا ولاعبا محوريا في ملفات السياسة الخارجية المصرية، بتكليف من الرئيس مبارك.. فقد ارتبط اسمه باللقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين، ولم يترك زعيما إسرائيليا من اليسار أو اليمين إلا وتحاور معه.
وتولى ملف المحادثات الفلسطينية - الفلسطينية، والمصالحة بين حركتي فتح وحماس إثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وقام بعدة مهام مكوكية للتوسط بين هذه الحركات. كما تولى مسؤولية الوساطة في صفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس «جلعاد شاليط» والهدنة السارية الآن بين حركة حماس وإسرائيل منذ عدوان 2008 الإسرائيلي على غزة.
دور سليمان في هذه القضية عرضه لانتقادات في الصحافة الإسرائيلية، التي دعت لرفض استقباله بعد سحب القاهرة سفيرها من تل أبيب بعد الاعتداء على غزة، كما ألغى سليمان قبل ذلك زيارة لإسرائيل احتجاجا على التصعيد العسكري ضد المدنيين بغزة.
قدرات سليمان الاستثنائية في التعامل مع الأزمات السياسية والدبلوماسية، جعلت الرئيس مبارك يوليه مهام أخرى، في عدد من الدول منها السودان، والذي قام مؤخرا بزيارة شقيه الشمالي والجنوبي أكثر من مرة برفقة وزير الخارجية أحمد أبو الغيط. كما تولى مسؤولية التفاوض مع دول حوض النيل وزار عددا من دوله، بعد الأزمة التي نشبت بين مصر ودول الحوض، التي قررت إعادة صياغة اتفاقية تقاسم مياه النيل.
يعتبره المسؤولون في الغرب شخصية محورية فيما يطلق عليه «الحرب على الإرهاب»، ذلك أن له الفضل بشكل كبير - بمعاونة جهات أمنية أخرى في الدولة بالطبع - في نجاح مصر في القضاء بشكل شبه كامل على الجماعات الإرهابية خلال التسعينات، واعتبروه خبيرا في هزيمة التطرف الإسلامي.
حصل سليمان، وهو متزوج وله ثلاث بنات، على العديد من الأوسمة والأنواط والميداليات منها وسام الجمهورية من الطبقة الثانية، نوط الواجب من الطبقة الثانية، ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة، نوط الواجب من الطبقة الأولى، ونوط الخدمة الممتازة.
ولم يكن تعيين سليمان، الرجل ذي اللسان الطليق بالإنجليزية، نائبا للرئيس بمثابة مفاجأة للكثيرين، فبعد صعود نجم اللواء عمر سليمان، كانت الشائعات تدور كثيرا حوله وأنه سيصبح نائبا للرئيس قريبا، سواء كان ذلك في شكل مطالب من القوى السياسية، أو مجرد تكهنات سياسية. لكن الرجل كان دائما حريصا على الابتعاد عن الأضواء.
بل الأكثر من ذلك أنه وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2010 الفائت، ظهرت حملة شعبية تطالب بانتخابه رئيسا للجمهورية، ونشرت له صور وملصقات في الشوارع، فيما كان يعرف بحرب الملصقات، وحملت صورته وبجوارها عبارة «البديل الحقيقي»، إلا أن تلك الملصقات تمت إزالتها على الفور.
وأكد منظمو الحملة هذه في بيان لهم، «إنه إزاء ما تردد مؤخرا عن الحالة الصحية للرئيس مبارك، ومع قرب حلول الاستحقاق الرئاسي عام 2011، في ظل معارضة مقيدة ومكبلة، وفي ظل تصاعد الحملة المدعومة أمنيا والتي يقودها أنصار جمال مبارك من أجل تصعيده كبديل رئاسي في لحظة فارقة.. فإننا نرى أن السبيل الوحيد لمواجهة مشروع التوريث، هو جناح داخل النظام يحمل أحد رجاله القدرة على طرح نفسه كبديل إصلاحي انتقالي في الداخل، وكحام للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط».
وبرر هؤلاء اختيار سليمان لقيادة مصر في المرحلة القادمة باعتبار أن «سجله الوطني النظيف» ودوره الكبير الذي لعبه على مستوى علاقة مصر بقضايا خارجية مهمة وحساسة، وأنه بذلك يمثل بديلا حقيقيا مطروحا بقوة من قبل أطراف عديدة باستمرار، ويحظى بقبول داخلي من قبل المعارضة، وبعض الأجنحة العاقلة من داخل النظام، وبقبول على المستوى الخارجي لما يملكه من سمعة حسنة وسجل مشرف، ودور بارز لعبه على مستوى السياسة الخارجية.
كما تناولت العديد من الوثائق المسربة على موقع «ويكيليكس» اسم عمر سليمان بوصفه الرئيس الانتقالي المحتمل في حال «تنحي مبارك» لأي سبب من الأسباب، وجاء في بعض الوثائق أن «إسهامات سليمان في عمله بإخلاص في مجال الأمن القومي المصري واضحة، كما أن إخلاصه للرئيس المصري كبير جدا ويعتبر من الرموز التي يستطيع مبارك أن يعتمد عليها إلى حد كبير».
وفي شهادة للسفير الأميركي السابق لدى مصر فرانك ريتشارديوني «سليمان رجل قومي مصري، مهمته الوحيدة وهمه الأكبر حماية النظام وحياة الرئيس، ولاؤه لمبارك صلب كالصخر».
ورغم أن تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية في الظرف الحالي الذي تعيشه مصر، قد جاء إثر احتجاجات ومظاهرات شعبية كبيرة تطالب بإسقاط النظام كله والبدء بإصلاحات سياسية واقتصادية احتجاجا على الأوضاع في مصر، وأدت هذه التظاهرات إلى وقوع ضحايا في المصادمات بين المتظاهرين والشرطة وأعمال عنف وسرقة، كما أدت إلى نزول القوات المسلحة للشارع لحفظ الأمن، إلا أن الكثيرين في مصر والعالم يعولون عليه كثيرا في ضبط الأوضاع وإعادة الحياة السياسية المصرية والدولة بأكملها إلى وضعها الطبيعي في المنطقة.. لكن وحتى الآن لم تهدأ الأجواء وما زال التصعيد مستمرا من كل الأطراف.
وبعد توليه منصبه الجديد تحدث مخاطبا الشعب والمصري وجموع المتظاهرين المعتصمين، يوم الأربعاء الماضي. وأعلن خلال كلمته أن الرئيس حسني مبارك كلفه بإجراء حوار فوري مع المعارضة حول الإصلاح الدستوري والتشريعي في توقيتات محددة، وحث جميع المتظاهرين على العودة إلى منازلهم والتقيد بحظر التجوال من أجل استعادة الهدوء، قائلا «إن الحوار مع القوى السياسية مرهون بانتهاء الاحتجاجات في الشوارع»، وقال «إن المشاركين في هذه التظاهرات قد وصلوا برسالتهم بالفعل سواء من تظاهر منهم مطالبا بالإصلاح بشتى جوانبه أو من خرج معبرا عن تأييده للسيد رئيس الجمهورية».
ولا يبقى للجميع سوى انتظار وترقب الساعات والأيام القليلة القادمة، لمعرفة ما هو مصير جمهورية مصر ومصير سليمان نفسه ومستقبله السياسي، وما وإذا كان نجاحه السابق في المجال العسكري والسياسي والمخابراتي، سيكون له زادا في المعركة الحالية، والتي تعتبر الأهم والأحرج في تاريخه، أم أن الوضع قد خرج عن السيطرة.
الشرق الاوسط