TODAY - 12 February, 2011
يمقت المعارضة ويحيط نفسه بمتزلفين ومتملقين
لماذا يعجز الحاكم المتسلط عن رؤية العالم كما يراه الآخرون؟


يجيد الحكام المستبدون كثيرا من الأشياء مثل قمع المعارضة وتكميم الصحافة وسحق الأمل، وكلها تشكل مواهب ضرورية للبقاء في السلطة 30 أو 40 عاما. ولكن ما لا يحسنون عمله هو القدرة على فهم دوافع الآخرين والعمل بطريقة فاعلة للتواصل معهم.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
كتب المعلق جيفري كلوغر في الطبعة الالكترونية لمجلة تايم ان هذا الخلل تبدّى يوم الخميس عندما أصر حسني مبارك على التمسك بمنصبه، قبل ان يتراجع ويرحل في اليوم التالي.
واعتبر كلوغر ان مبارك اتخذ الخطوة الصحيحة بالاستجابة لإدارة شعبه ولكن الفترة الطويلة التي مرّت قبل ان يتخذها تروي الكثير عمّا يدور في عقل الدكتاتور وصعوبة حمله على رؤية العالم كما يراه الآخرون.
تنطلق النزاعات بين الحاكم والمحكومين عادة من القاعدة الى القمة. ولا أسعد من الحاكم الذي تُطاع أحكامه بلا نقاش وتُقبل سلطته باستسلام.
ولا تحدث المشكلة عندما يكون هناك تململ محدود للمعارضة يمكن إخماده بسرعة بل المشكلة تواجه الحاكم عندما تنفجر انتفاضة شعبية واسعة.
ويقول عالم النفس الاخلاقي جوناثان هايدت من جامعة فرجينيا ان الدافع الثوري ردّ فعل عام على فرض السلطة وانه يكون مثيرا ومُسكرا.
وللتدليل على ذلك يوضح هايدت ان علم ولايته فرجينيا يحمل صورة امرأة محاربة عارية الصدر تضع قدمها فوق جثة رجل يمثل الاستبداد. ويقول "ان رمز الولاية هو جريمة قتل".
ولكن بطولة امرأة نصف عارية من نمط جان دارك ليست هي الطريقة المعهودة لإسقاط الحكام المستبدين بل تحشيد قوى تعبر عن إرادة شعب ساخط.
فالحرائق السياسية مثلها مثل كل الحرائق تبدأ صغيرة بأعمال تمرد وتحدٍ متفرقة ثم تتسع هذه الأعمال كالنار في الهشيم.
ايان لوستيك أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا ان عوامل كثيرة تدخل في العملية بينها كثافة الشبكات الاجتماعية وسرعة المنظمين الثانين في اللحاق بالمنظمين الأولين والثالثين بعد الثانين. ويكاد يكون النمط واحدا في غالبية هذه الثورات ، بتوالي الأحداث وصولا الى لحظة الحسم.
حتى الثورة التي تبدو سريعة لدى العودة اليها فيما بعد يمكن ان تبدو بطيئة أثناء تطورها ، ومرّ 18 يوما كاملة بين اشتعال الانتفاضة وتنحي مبارك.
وطوال هذه الأيام تقريبا كان واضحا للمراقب العقلاني ان موقف مبارك كان ضعيفا لا رجاء فيه.والسؤال هو لماذا تأخر في التوصل الى هذا الاستنتاج.
يقول عالم النفس الأخلاقي ان الدكتاتور يمقت المعارضة ويحيط نفسه بمتزلفين ومتملقين ومن الشائع تماما ألا تكون لديه أي فكرة عن رأي شعبه به وكيف ينظر المواطنون اليه حقا.
وهناك لا يختلف مبارك عن اضرابه. ويشرح هايدت ان انطباعنا عن الآخرين ، عن مهاراتهم وطبائعهم ومواهبهم ، تكون أدق عادة من انطباعنا عن أنفسنا. ويصح هذا بصفة خاصة على دكتاتور عجوز بقي في منصبه عقودا من الزمن.
التحدي أيضا له دوره. والباحث ديفيد اوتواي من مركز وودرو ولسن للأبحاث كان مراسل صحيفة واشنطن بوست في مصر بل شهد اغتيال انور السادات عام 1981 على المنصة.
ويقول اوتواي ان السادات عمل خلال الأشهر التي سبقت اغتياله على تعزيز سلطته بطريقة تشبه الى حد بعيد ما فعله مبارك ، أي ملاحقة الخصوم السياسيين واعتقالهم. وعندما شجب الغرب هذه الأساليب يقول اوتواي ان السادات أُصيب بانهيار عصبي.
ويضيف ان السادات "كان بطلا عالميا لفترة طويلة ثم انقلبت الصحافة الغربية عليه. فرد بطرد مراسل صحيفة لوموند وفريق شبكة ان بي سي.
وعندما سأله احدهم في مؤتمر صحافي إن تشاور مع واشنطن قبل ان يبدأ حملته ثارت ثائرته قائلا انه لن يرضخ لاملاءات الغرب. لم يصدق السادات ان احدا يمكن ان يناقشه. وفي حالة مبارك تعود بي الأفكار الى اسابيع السادات الأخيرة".
ولعل قرار مبارك بالتنحي اخيرا تبلور في عقله عبر المراحل التصاعدية نفسها التي مرت بها التظاهرات في انحاء مصر.
يقول استاذ العلوم السياسية لوستيك ان "هناك باستمرار صوتا في عقل الدكتاتور يقول له ان عليه ان يرحل الآن ولكن الأصوات الوسطية ، الأصوات غير المتأكدة ، هي الأصوات الأعلى وهذا ما يبقيه في موقعه.
ولكن بعد حين يكف الدكتاتور عن القلق بشأن المستقبل البعيد ويقلق إزاء الخطر الآني من كونه مخطئا.
وهذا ما حدث مع الشاه ونيكولاي شاوشيسكو. فهما ألقيا خطابات كثيرة قالا فيها انهما باقيان وفجأة كانا من الراحلين".
لعل من المعيب على الحكام الدكتاتوريين ان آخر عمل يقومون به من موقع السلطة كثيرا ما ينطوي على فعل لا يتعدى في بطولته سوى النفاذ بجلدهم وإنقاذ ثرواتهم.
ويكتب جفري كلوغر على موقع مجلة تايم ان مبارك حقق الهدفين على ما يبدو. ولكن خبراء يرون مهانة اكبر في الأفق، بعد إصراره على البقاء يوم الخميس وتنحيه يوم الجمعة.