TODAY - February 21, 2011
شائعات حول مصير القذافي
سيف الإسلام نموذج الإبن الإصلاحي.. لكنه لا يعترف بالرأي الآخر


لم يجب سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي عن السؤال الأشد إلحاحا وهو أين والده؟ فطاحونة الشائعات كانت تعمل بسرعة إستثنائية مساء الأحد في طرابلس بأن القذافي ربما فر من العاصمة إن لم يكن من ليبيا.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
طرابلس
حذر سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي ليل الأحد من أنهار من الدم وإنزلاق ليبيا إلى حرب أهلية إذا لم تتوقف الإحتجاجات. لكن مراقبين لاحظوا أن سيف الإسلام رغم كلمته التي استغرقت 40 دقيقة لم يجب عن أشد الأسئلة إلحاحا على ألسنة الليبيين وهو أين والده القذافي نفسه؟ فطاحونة الشائعات كانت تعمل بسرعة إستثنائية مساء الأحد في طرابلس بأن القذافي ربما فر من العاصمة إن لم يكن من ليبيا.
بدا سيف الإسلام وكأنه يتحدث بإسم الحكومة رغم أنه لا يتمتع بصفة رسمية أو موقع رسمي فيها. ويعتبر النجل الثاني للزعيم الليبي أمل الإصلاحيين في البلد على النقيض من أخيه معتصم مستشار الأمن القومي للنظام. لكن سيف الإسلام أشار في خطابه إلى أنه يدافع عن دعوة الأسرة بأنها الضامن الوحيد لمستقبل ليبيا وإزدهارها. وتستعيد مجلة تايم مقابلة أجرتها معه قبل عام طرح نفسه خلالها بوصفه حامل راية الديمقراطية والإصلاح على الضد من دفاعه عن حكم العائلة ليل الأحد.

إنشقاق ديبلوماسيين
في غضون ذلك تتزايد الشروخ والتصدعات في نظام الحكم، حيث أفادت تقارير ان مبعوث ليبيا الدائم لدى الجامعة العربية وسفيرها في نيودلهي قدما إستقالتهما. ورغم لغة سيف الإسلام المتشددة فإن خطابه كان مرتجلاً ومفككاً قد يرى محللون فيه علامة ضعف وإعياء.
ولعل إنشقاق الدبلوماسيين وكلمة ليل الأحد يمثلان محاولة من سيف الإسلام لكسب معركة أقرب إلى حلقة العائلة وهي الصراع على وراثة الأب مع أخيه معتصم الذي يقوم بدور رئيسي في حملة النظام ضد المحتجين. وقالت مؤسسة ستراتفور للأبحاث في تحليل بعد خطاب الأحد ان سيف الإسلام ربما كان يغتنم الفرصة لتعزيز موقعه في هذا الصراع على السلطة.
حتى يوم الأحد كان يبدو ان المواجهات بين المحتجين وقوى الأمن محصورة في منطقة تبعد نحو ألف كيلومتر شرقي طرابلس، لكن الإضطرابات إمتدت إلى العاصمة في ساعة متأخرة من ليل الأحد. ونقلت مجلة تايم عن رسالة إلكترونية من أحد سكان طرابلس ان آلافا يلوحون بالحراب والأسلحة النارية نزلوا إلى الشوارع "ينهبون ويقتحمون المنازل" ثم أنهى رسالته قائلاً "لا أستطيع الكلام، لا أمان في الخارج".
لم يتطرق سيف الإسلام في كلمته إلى حدوث قلاقل في العاصمة، لكنه إعترف بأن إرتفاع عدد الضحايا في بنغازي ومدن أخرى ناجم، من بين أسباب أخرى، عن "أخطاء من الجيش".

سيف الإسلام.. حاكم المستقبل
في هذا السياق لا يعتبر خطاب سيف الإسلام منعطفاً حرجاً في محاولة النظام لإخماد الثورة في مهدها فحسب، بل نقطة إنعطاف في موقع سيف الإسلام نفسه. فهو منذ الإنفراج بين ليبيا والغرب ورفع العقوبات المفروضة ضدها عام 2005 قام بدور الضامن للمستقبل، مطمئنا شركات النفط التي حققت أرباحاً بمليارات الدولارات في ليبيا خلال السنوات الست الماضية.
وتنقل مجلة تايم عن مسؤولين في هذه الشركات ان سيف الإسلام هو الشخص الذي يودون ان يرونه وراء دفة الحكم في ليبيا. وكان رجال أعمال من الولايات المتحدة وأوروبا يصطفون في طابور لمقابلته خلال إجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي، بحسب المعلقة فيفيان وولت في مجلة تايم.
سيف الإسلام نفسه شدد طيلة سنوات على ضرورة إنهاء مؤسسات قطاع الدولة في ليبيا وفتح اقتصادها للاستثمار الأجنبي. وأشرف بنفسه على استحداث المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي برئاسة محمود جبريل الذي نال شهادة الدكتوراه في الإقتصاد من الولايات المتحدة. ومن حلفاء سيف الإسلام الأوفياء وزير النفط شكري غانم الذي أقام سنوات في فيينا مسؤولا في أوبك ويتكلم الإنكليزية بطلاقة. وعندما حاول الجناح المحافظ في نظام الحكم تنحيته عام 2009 أعاده سيف الإسلام في خطوة قال مسؤول إحدى الشركات النفطية إنها كانت مبعث ارتياح عميق. وخلال عامي 2009 و2010 دفع سيف الإسلام مؤتمر الشعب العام إلى بحث إعداد دستور جديد لكنه تراجع في ما يراه محللون جولة خسرها أمام المتشددين.

السلطة على أنقاض المجازر
من جهة أخرى يلفت محللون آخرون إلى ان كل ما فعله الزعيم الليبي معمر القذافي حتى الآن يؤكد انه لن يتخلى عن السلطة بإرادته. وأفادت تقارير لم تتأكد بأن حملة القمع ضد المحتجين في بنغازي يقودها نجل القذافي الآخر خميس، الذي درس في روسيا ويقود الآن وحدة نخبوية من القوات الخاصة.
كما إنتقل إلى بنغازي نجله الآخر سعدي مع عبد الله السنوسي رئيس الإستخبارات المخضرم. وبحسب هؤلاء المحللين فإن سحق الاحتجاجات في بنغازي ومدن أخرى يحمل السمة التي تميزت بها سياسة القذافي في مثل هذه المواقف مشيرين إلى عقد الثمانينات حين أرسل قواته لملاحقة "الكلاب السائبة" التي تحدت حكمه. وفي التسعينات سُحق المتمردون الإسلاميون بأساليب مماثلة، وفي عام 1996 قُتل نحو ألف نزيل في مجزرة داخل أحد السجون.



وتنقل صحيفة الغارديان عن الكاتب الليبي المعارض عاشور الشامس ان القضية بالنسبة للقذافي هي "ان يَقتل أو يُقتل، وقد اختار ان يَقتل بلا تردد". ولا يبدو ان انتفاضات تونس ومصر هزت عزيمته على البقاء. فهو وجه برقيات دعم إلى زين العابدين بن على وحسني مبارك قبل خلعهما.
ويبدو ان البقاء هو السمة التي طبعت سياسات القذافي طيلة السنوات الماضية، من تسليم المتهمين بتفجير طائرة "بان ام" فوق قرية لوكربي الإسكتلندية إلى تسليم برنامج ليبيا النووي بعد غزو العراق عام 2003.
لكن لا أحد يتوقع منه تسليم مقاليد السلطة طواعية. قد يتخذ مبادرات مثل التعهد بتوسيع دائرة التشاور قبل إتخاذ القرارات أو زيادة الاستثمار في بناء المساكن وتوفير الخدمات الاجتماعية، لكن من المستبعد ان يكفي هذا لإسكات المحتجين بعد البطش الذي مارسه ضد المعارضة.
ونقلت صحيفة الغارديان عن السفير البريطاني السابق في ليبيا السر ريتشارد دالتون قوله "ان القذافي سيجد صعوبة في تقديم تنازلات من اجل البقاء. فإن موقف النظام يتمثل "في كل شيء أو لا شيء"".
من القضايا التي يتعين أن تؤخذ في الحسبان ما إذا كان لإدانات الأصدقاء الغربيين تأثير. ويشير تهديد ليبيا للإتحاد الأوروبي بوقف التعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى ان هذه الإدانات لن تكون مجدية.

خلاف ورثة القذافي



في غياب وريث شرعي للحكم، يستعين القذافي بنجله معتصم مستشار أمنه القومي الذي حاول قبل عامين تشكيل وحدة أخرى للقوات الخاصة ينافس بها الوحدة التي يقودها خميس.
وبدا خلال الأشهر الأخيرة ان معتصم وخميس على السواء في موقع أقوى من الإصلاحي سيف الإسلام.
أما ابناء القذافي الآخرون فهم كانوا مصدر إحراج للزعيم الليبي، مثل سعدي صاحب الصيت السيء بسبب شجاراته مع الشرطة في أوروبا وتعاطيه المخدرات والكحول أو سلوك هانيبعل الذي أحدث أزمة في العلاقات الليبية ـ السويسرية.
وقال السفير الاميركي السابق في ليبيا جين كريتز ان القذافي "شخص معقد تمكن من البقاء 40 عاما بمهارته في الموازنة بين المصالح والأساليب السياسية الواقعية".
في مقابلة أجرتها مجلة تايم مع سيف الإسلام قال نجل الزعيم الليبي انه يعتقد ان جميع الليبيين تقريباً يريدون التمتتع بحريات سياسية كاملة وأعرب بصراحة عن تبرمه من أولئك الذين يعيقيون التغيير في هذا الإتجاه لكنه لم يذهب إلى حد إنتقاد نظام الأب.
وفي كلمته ليل الأحد تعهد سيف الإسلام بصياغة دستور جديد. لكن لم يكن في كلمته ما ينم عن قبول المعارضة السياسية بل أصر سيف الإسلام على اتهام مَنْ سماهم عصابات وبلطجية وإنفصاليين إسلاميين بالمسؤولية عن الغليان الذي تشهده ليبيا.