TODAY - February 22, 2011
اهمية دور القبائل الليبية في الصراع الحالي


نفوذ القبيلة في ليبيا تضاءل كثيرا في عهد القذافي

في كلمته التي بثها التلفزيون الحكومي الليبي الاحد، لوح سيف الاسلام، ابن الزعيم الليبي معمر القذافي، بعواقب دخول بلاده في دوامة حرب اهلية في حال استمرت الاحتجاجات على نظام حكم ابيه، بالقول ان "القبائل ستتقاتل فيما بينها في الشوارع".
لكن الى اي حد يمكن ان يكون هذا سيناريو واقعي، وكم من تلك التلويحات تدخل في اطار التخويف والترهيب، وما هو الدور الذي تلعبه القبائل في المجتمع الليبي، وماهي درجة النفوذ الحقيقي الذي يشكله زعماء القبائل.
خلال عهد القذافي، المستمر منذ نحو 42 عاما، خطت ليبيا خطوات واسعة اجتماعيا واقتصاديا، والفضل يرجع الى حد كبير لعائدات الثروة النفطية الضخمة، لكن القبائل وزعمائها ظلوا يلعبون دورا في شكل المشهد الليبي ديموغرافيا.
فالنساء في ليبيا لهن الحق في العمل وارتداء ما يشأن من ملابس، كل حسب وضعها الاسري، ووصلت معدلات الاعمار في البلاد الى سبعين سنة او نحوها، وبلغ معدل دخل الفرد بحدود 12 ألف دولار سنويا، بحسب ارقام البنك الدولي، على الرغم من انه لا يتناسب مع دخل البلاد من الثروة النفطية مقابل عدد سكان صغير نسبيا وبما لا يزيد على 6,5 مليون نسمة.
كما ان الامية محيت تماما من المجتمع، وكذلك الحال بالنسبة لمشكلة الاسكان، الذي كان معضلة مزمنة في الفترة التي سبقت عهد القذافي، حيث كانت تتراكم بيوت الصفيح في العديد من مراكز المدن والريف الليبي في العهود السابقة.

الهوية القبلية
لكن الانتماء القبلي، الذي ظل عميقا غائرا في المجتمع الليبي خلال العهد الملكي، ما زال واقعا قويا في هذا المجتمع.
ففيما يرى الكثير ان وجود القبلية يعد عائقا امام تطور وحركة المجتمع، ومبدأ تكافؤ الفرص، وتطور المجتمع المدني، ما زالت اهمية القبلية سياسيا امرا غامضا ومرتبكا. فالكثير من الليبيين ما زالوا يشعرون بفخر الانتماء للقبيلة.
الا ان الواقع يشير الى ان الانتماء القبلي بدأ يهون ويضعف ويفقد اهميته السابقة مع تحسن التعليم والانتقال الى المدينة، وما تفرزه من سلوكيات وعقليات مختلفة، وهو ما يعني ابعاد الناس عن تراثهم القبلي التقليدي، وبالتالي اضعاف نفوذ القبلية.
وكان القذافي ومجموعته من "الضباط الوحدويين الاحرار" قد تعهدوا بالقضاء على النزعة القبلية فور وصولهم الى مقاليد الحكم في البلاد عام 1969.
وفي الاعوام العشرة الاولى من حكمه، تضاءل دور القبيلة بشكل ملموس وبدفع حكومي، وفي نفس الوقت تمكن القذافي من الاعتماد على دعم معظم الشعب الليبي. فرصيده السياسي آنذاك كان كبيرا، وبشكل عام كان يحظى بدعم الجيش.


دور زعماء القبائل قد يسهم بتبديد خوف الليبيين

لكن هذه الشعبية بدأت بالاضمحلال مع تخلي القذافي عن رفاقه في مجموعة الضباط الاحرار وابتعاده عنهم، ولم يبق منهم في المشهد العام الا عدد قليل، وشرع في الاعتماد اكثر فاكثر على القبيلة والصراعات القبلية من اجل تشديد قبضته على السلطة.

القبيلة والجيش
تلك الصراعات ظهرت اكثر ما ظهرت في القوات المسلحة، حيث كانت القبائل الكبرى ممثلة في الجيش.
فلم يكن اذكاء روح الصراعات القبلية داخل القوات المسلحة من خلال اختيار هذه القبيلة وتفضيلها على الاخرى السبب الوحيد في استمرار سيطرة وتشديد قبضة القذافي على السلطة، بل كانت تلك الصراعات تعمل ايضا على تشتيت الانتباه عنه وعن نظام حكمه.
وفي الوقت الحالي بدت الصراعات والاحترابات القبلية واضحة داخل القوات المسلحة، حيث تتناحر قبيلة القذافي، قبيلة القذافه، مع قبيلة المقريحة، قبيلة عبد الباسط المقرحي المدان بتفجيرات لوكربي، وهي قبيلة قريبة من قبيلة الورفله، التي يعتقد ان تعدادها يبلغ قرابة مليون نسمة.
وفي المقابل ترتبط قبيلة الورفله بعلاقات قوية مع قبيلة الزنتان، من بلدة زنتان، التي تبعد نحو 120 كم الى الجنوب من طرابلس، وهي اولى المدن في غربي ليبيا التي تلتحق بالثورة ضد القذافي.
اما بالنسبة لليبيين عموما من الضروري عدم المبالغة كثيرا باهمية دور زعماء القبائل، وتعظيم مكانتهم.
فدور هؤلاء يمكن ان يكون مهما في الحصول على وظائف والخدمات العامة، لكن على مستوى السلطة السياسية لا توجد للقبيلة اهمية يمكن الاعتماد عليها، اذ تتشكل معظم اللجان الثورية في نظام حكم القذافي، واجهزته الامنية، من افراد من قبائل مختلفة.
والليبيون في النهاية لا ينتبهون الى اهمية زعماء القبائل الا عندما يكون ذلك ملائما او مناسبا لهم، وهو ما يقيد اهمية هؤلاء ويجعلهم اقل مما قد يتصوره البعض او يبالغ بتقديره.
بل ان الامر قد يصل الى انه حتى في الخلافات الاسرية، وهو مجال يكون لزعماء القبائل فيه، عادة، دورا مهما، يظل نفوذ زعماء القبائل في ليبيا محدودا.
فما هي اذن الاهمية التي علقها سيف الاسلام القذافي خلال تحذيره من وقوع حرب اهلية بين القبائل الليبية في حال سقط النظام، وما هي اهمية اعلان بعض زعماء القبائل دعمهم للثورة ضد نظام القذافي، كما هو حال قبيلة الورفله.
والى اي حد يمكن ان تؤخذ تهديدات قبيلة الزويه في شرقي البلاد، التي هددت بقطع تصدير النفط من الحقول القريبة من مناطق نفوذها.
الجواب باختصار يفيد بان احتمالات الحرب الاهلية يمكن ان تتحول الى واقع فقط عندما يختار نظام القذافي القتال حتى النهاية، ويستمر في تجاهل سقوط القتلى من المدنيين، كما حدث خلال الايام القليلة الماضية.
وفي هذه الحالة، سيتحول القتال بين النظام ومن يدعمه من جانب، والقوات المناوئة ومن يدعمها من جانب آخر، بصرف النظر الى اي قبلية يكون الانتماء.
وفيما يتعلق بتصريحات زعماء القبائل، تعتبر اهمية القوة الميدانية، اي القوات على الارض، محدودة.
فالحقيقة تقول ان عمال النفط، وافراد القوات المسلحة وعناصر اجهزة الدولة الاخرى، سيقررون ما سيفعلون على اسس فردية، بصرف النظر عن توجيهات او تصريحات زعماء قبائلهم.
لكن عندما يتصل الامر باخلاقيات النظام ومؤيديه، ستكون تصريحات زعماء القبائل مهمة، ففي المشهد العام يمكن لهؤلاء ان يعطوا انطباعا بان السلطة بدأت تفلت من ايدي النظام، وهو ما يعني مزيدا من التفتيف في حاجز الخوف الذي ضمن للقذافي بقاءه، واختفاء معارضيه، حتى الآن.