TODAY - 23 February, 2011
قصة القبر الذي طار بصاحبه
عماد رسن
كلما هيئت نفسي من أجل أن التقط صورة تذكارية قرب ضريح سيدي عمر المختار أجلت الموضوع لعدم إمتلاكي كامرة جيدة، وفي نفس الوقت كنت قد نويت البقاء طويلا ً في بنغازي، فأنا سوف لن أرحل وليس من المعقول أيضا ً أن يختفي الضريح أو يطير في ليلة وضحاها. لكن، حدث مالم يكن متوقع، لقد إختفى الضريح فعلا ً في ليلة وضحاها. ففي المنتصف من سنة 2000 قامت جرافات بهدم ضريح عمر المختار في وسط بنغازي، فإختفى الضريح إلى الأبد وإختفت معه صورتي التذكارية التي كنت أنوي إلتقاطها كتذكار.
لقد كان الضريح رمز من رموز مدينة بنغازي الجميلة، فقد بني سنة 1950 كتذكار ورمز من رموز الجهاد والمقاومة ضد الإحتلال الايطالي، فهو رمز وطني لكل ليبيا وجمالي يزين ساحة من ساحات بنغازي. فالبناء ثماني الاضلاع مزين بالنقوش والآيات القرآنية، فهو ليس بالفخم ولكنه جميل جدا ً على بساطته. وفيما بعد، اكتشفت أن صاحب الضريح قد تحول أيضا ً من هذا المكان. ففي إحتفال رسمي في سنة من سنوات الثمانينات نقل جثمان سيدي عمر المختار من نفس المكان والذي خصص له كضريح إلى مدينة سلوق الصغيرة حيث أعدم هناك من قبل الطليان. فلم يبق القبر وصاحبه وطارا في ليلة وضحاها وكأن لهذا الضريح جناحين فحلق إلى السماء بحادثة غريبة نادرا ً ماتحدث. فتذكرت حينها نبي الله يونس الذي ابتلعه الحوت وصار أحجية عن قبر سار بصاحبه.
لقد وقع إزالة الضريح بهذه الطريقة كالصاعقة على رؤوس إبناء مدينة بنغازي. وجوه متجهمة لاتستطيع أن تنطق وتعبر عن غضبها وذلك لأن الجدران تسمع وتشي، وأشباح الليل تختفي في زوايا البيوت ووراء الأشجار وتحت الوسائد، فهي تفعل ما يفعل السحر حين يفرق بين المرء وزوجه. وبإعتباري صاحب تجربة في العيش تحت نظام دكتاتوري أفهم أن الليبي لايستطيع التعبير عن غضبه أمام ليبي آخر لايعرفه فربما يشي به، ولكن كان الحديث معي بإعتباري أجنبي بشكل منفتح عن أفعال النظام الليبي الذي يضطهد شعبه ويقتلهم.
لقد بدت مدينة بنغازي بالنسبة لي مدينة هادئة تغفو على ساحل جميل أهملته الدولة ولم تعتني به. أنا الهارب من نظام دكتاتوري ولم يشعر لحظة في الأمان إلا وبطاقته الشخصية في جيبه شعرت بالأمان في ميدنة بنغازي بين أهلها الطيبين. فهي مدينة لاتستحق الإهمال وتصلح أن تكون مدينة سياحية تعتاش فقط على السياحة وعلى صيد الأسماك. لكن شوارعها وأرصفتها ومرافقها العامة تعاني الإهمال ويعاني شبابها من البطالة، حيث لايتناسب مستوى الخدمات فيها مع مستوى الدخل القومي الذي تستلمه الحكومة الليبية وتصرفه في غير مصرفه. لقد كان هناك الكثير من الفقراء في مدينة بنغازي وتشعر أن هناك طبقة تنتفع على حساب طبقات أخرى حيث تتكرر القصة مع الحرمان النسبي الذي يشعل الثورات في جميع الازمان.
الآن وبعد أن هدد القذافي شعبه الأعزل بالقتال وبعد أن أراد أن يزرع فتنة الحرب الأهلية بين القبائل الليبية، تذكرت صاحب القبر الذي طار بجرافات النظام الليبي. وكما قصف صدام حسين شعبه بالكيمياوي في الشمال وبالطائرات في الجنوب مخلفا ً مئات الآلاف من الضحايا يقوم القذافي بقصف شعبه بالطائرات ويترك جثث الضحايا في شوارع بنغازي وطرابلس. بالنسبة لي كعراقي أفهم معنى مايقوم به القذافي، فالرجلان وجهان لعملة واحدة وسيلاقي الثاني نفس مصير الأول. فالرجل الذي يكره شعبه سوف لايتردد في إبادته وفي إمحاء رموزه الجميلة. فتحية للشعب الليبي الطيب الذي يقارع الظلم والطغيان وهو يقدم الضحايا أمام أعين البشرية جمعاء وهي صامتة وشاهدة على عملية ذبح يقوم بها معمر القذافي وأعوانه ضد شعب أعزل. فقد أعمت مصالحهم التجارية والسياسية أعينهم أن ترى تلك المذابح التي سوف لن يرحم التاريخ من يسكت عنها.