صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16
الموضوع:

«عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي

الزوار من محركات البحث: 1411 المشاهدات : 5507 الردود: 15
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 16,467 المواضيع: 8,043
    صوتيات: 10 سوالف عراقية: 0
    مقالات المدونة: 27
    SMS:
    أشياء كثيرة نُؤمن بها بطريقةٍ نعتقد معها إننا لَن نَكفر بها مهما حدث.. فكرة التخلي عن هذه الاشياء غير واردة من الاساس.. لكن, في لحظة ما, نجد انه لاشيء يستحق.. وان اغلب ماكنا نؤمن به ليس الا هدرا للوقت!

    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي

    TODAY - March 06, 2011
    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي
    تعرفت على نوري السعيد حين أصبح رئيس وزراء للمرة 13
    الحلقة الاولى
    1
    المؤلف وصاحب الحقوق د.سيار الجميل
    https://www.facebook.com/sayyar.aljamil
    الموضوع نقلا عن :صحيفة العالم العراقية
    ولدمار جـ. غلمن waldemar J. Gallman هو آخر سفير اميركي في العراق الملكي عاصر وسجل مذكرات عن الاعوام الاربعة الاخيرة لرئيس الوزراء العراقي المخضرم نوري السعيد، وكان شاهدا على الاطاحة بالنظام الملكي، يراقب لحظاته الاخيرة عام 1958.
    صدر كتاب غلمن بالانجليزية عام 1964 عن جامعة جون هوبكنز تحت عنوان "العراق تحت حكم الجنرال نوري". وهو يقدم صورة عن طريقة اميركا في التعامل مع عراق نوري السعيد "وديمقراطيته" التي لم يكتب لها النضج. وحرصنا على اعادة نشره خلال سنة حاسمة يفترض ان تشهد انسحاب اميركا العسكري من عراق يحاول ثانية بناء "ديمقراطية ناشئة".
    السفير المتوفى عام 1980، كتب انطباعات تجاوزت البروتوكول الدبلوماسي لتعرض صورا عن الحياة السياسية التي رآها في بغداد، فيما سجل الكثير من خصوصيات نوري السعيد وطريقة حياته وحتى ولعه بتربية الطيور في حديقة مطلة على دجلة.
    وهو يقدر كثيرا "لباقة" نوري ومزجه للسياسة بالظرف. وكان السفير يدعو لرئيس الحكومة يوما بالشفاء من زكام، لكن نوري قال له: اخلط دعاءك بقليل من المدفعية الاميركية التي يحتاجها جيشنا.
    ولا يخفي السفير موقفه "العدائي" لثورة 1958، بل انه يصفها بلغة لا تخلو من قسوة. لكنه كان قاسيا ايضا على العهد الملكي خاصة خلال وصفه لكيفية تنظيم الانتخابات المتتالية بسرعة احيانا و"مؤامرات" القصر وموقف نوري من معارضيه.
    وهو يبرع كذلك في وصف ظروف الحرب الباردة بين الشرق والغرب وكيف كان العراق يحاول ان يجد طريقه وسط الحالة الشائكة. ويصف صراعا اميركيا بريطانيا داخل بغداد، كما يتساءل: هل خذلنا نوري حليفنا القوي في المنطقة؟
    وفي الكتاب وصف للعراق ربما كان صالحا للاستخدام حتى هذه اللحظة. ويقول السفير ان وزارة خارجيته كانت تقول ان العراق مؤثر جدا في المنطقة، لكن علاقات الحكومة مع شعبها ومع جيرانها تنطوي على مشاكل كبيرة!
    لماذا نوري السعيد؟
    كتبت مؤلفي عن نوري السعيد بعد تقاعدي عن خدمة وزارة الخارجية، وتستند كتابتي على مذكراتي الشخصية في الغالب، وعلى انطباعاتي في الأربع السنوات التي كنت فيها سفيراً في العراق (1954 – 1958)، وعلى محادثاتي مع أصدقائي العراقيين والأميركيين الذين عرفوا نوري وفهموا موقف العراق. فالآراء والملاحظات التي تظهر في كتابي هذا هي آراء وملحوظاتي الشخصية.
    وإني ببعض المعلومات المهمة عن نوري، وببعض المقترحات التي ساعدتني على إكمال محتوياته ووضعها بشكلها الحاضر، مدين بصورة خاصة إلى الدكتور مجيد خضوري (خدوري) الثقة الممتاز في شؤون الشرق الأوسط، الذي كان استاذاً في دار المعلمين العالية وكلية الحقوق في بغداد ثم أصبح أستاذاً في مدرسة جون هوبكنز العليا للدراسات الدولية، فمديراً للبحوث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. كما إني مدين إلى السيد هرمن ايلتس أحد ضباط السلك الخارجي الذي خدم معي في العراق والذي عين فيما بعد اختصاصياً في شؤون الشرق الأوسط في السفارة الأميركية في لندن، وإلى جون كاتش احد موظفي السلك الخارجي، الذي كان أيضاً احد الموظفين عندي في العراق والحق فيما بعد بوزارة الخارجية الأميركية ليعمل في الدائرة المختصة بالشرق الأوسط وشرق آسية.
    فبمساعدة هؤلاء وتشجيعهم تمكنت من إنجاز كتابي هذا.
    واشنطن 1963 / ولدمر غلمن
    هذه هي قصة نوري السعيد كما توافرت لي معرفته من اتصالاتي به، التي كادت تكون يومية مدة أربعة سنوات. فقد بدأ اتصالي به في خريف سنة 1954، بعد أن صار رئيساً للوزارة للمرة الثالثة عشرة، بفترة قصيرة. وقد استمرت هذه العلاقة إلى ما قبل وفاته العنيفة ببضعة أيام في انقلاب قاسم في صيف عام 1958. وقد كانت الأربع السنوات الأخيرة من حياة نوري مزدحمة بالنسبة له وحرجة بالنسبة للعراق وجاراته.
    ولسوء الحظ لم يحتفظ نوري السعيد إلا بسجلات قليلة تبين نشاطه، حتى حينما كان في الحكم، وكان هذا شأنه معظم حياته، وقد ألح عليه المقربون إليه مراراً في السنوات الأخيرة أن يكتب مذكراته، فوعد بذلك على مضض، وتردد. فقد كانت مشاكل عمله تكتنفه تماماً فلم يستطع البدء بكتابة تلك المذكرات، وقد ترك نصوصاً لبعض خطبه العامة واقواله وبعض الرسائل المتفرقة ومذكرته القصيرة بعنوان "استقلال العرب ووحدتهم"، التي عرفت بخطة الهلال الخصيب.
    وبالنظر لضآلة المادة التي يمكن أن تعطي معلومات كافية عن سجايا هذا الرجل ودخائل تفكيره وآرائه فقد شعرت بأني مضطر إلى تسجيل انطباعاتي عنه حينما كنت أراه في عمله خلال السنوات الأخيرة في شؤون تؤثر تأثيراً حرجاً على العراق وجاراته. ان قصتي تتناول جزءاً من حياة هذا الرجل، ولكنني أرجو أن تسهم في تفهم الناس له بصورة عادلة كوطني عربي مخلص ورجل دولة.
    السعيد والعراق الحديث
    يغطي العراق الحديث أكثر الأرض الممتدة بين دجلة والفرات، التي كانت تعرف قبلاً بأرض ما بين النهرين، ومنذ أوائل القرن السادس عشر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى كانت ارض ما بين النهرين جزءاً من الدولة العثمانية، وتقع في حدود تلك الإمبراطورية، وكانت تدار من استانبول التي تعين لها سلطاتها الداخلية وتترك من يقوم بذلك هو وشأنه. ولذلك فقد كابدت هذه المنطقة الكثير من الإهمال وعدم المبالاة في إدارتها.
    وبعد اندحار الأتراك في الشرق الأوسط على يد البريطانيين والعرب سنة 1918 ظهرت دولة العراق الحديثة، وقد كان كيان هذه الدولة باديء الأمر مرتبكاً، وفي سنة 1922 قامت المملكة المتحدة بعقد معاهدة تحالف مع العراق أصبحت بموجبها وصية عليه، ولم تلغ هذه المعاهدة إلا سنة 1932 حين حلت محلها معاهدة أخرى تضمن للعراق دخول عصبة الأمم وتنهي الوصاية عليه. وحتى في ذلك التاريخ وضعت بعض التحديدات على سلطات الحكومة واستقلالها، فبموجب هذه المعاهدة الجديدة احتفظت بريطانيا ببعض القواعد الجوية في البلاد، كما احتفظت بحق مرور قواتها عبر الأراضي العراقية، وفي سنة 1955 أزيلت هذه القيود التي كانت تقيد استقلال العراق باتفاق خاص مهد لبريطانيا دخولها ميثاق بغداد (حلف بغداد).
    مثل نوري دوراً بارزاً في القضاء على نفوذ الأتراك في الشرق الأوسط وإنجاز تشكيل الدولة العراقية الحديثة، وتأمين مقام لائق لها في العائلة الدولية كدولة تامة الاستقلال. كما إنه ساهم في رخاء العراق إلى أبعد من تلك الإنجازات السياسية البارزة، فقد ساهم مساهمة كبيرة في الحقل الاقتصادي حين أخذت استثمارات البلاد لمواردها النفطية تدر اموالاً طائلة وساعد في تأسيس مجلس الإعمار الذي كان يتولى صرف هذه الأموال في مشاريع طورت البلاد وصانت اقتصادها. ومن أهم هذه المشاريع بناء السدود للسيطرة على الفيضان، وإنشاء الأمن بصرامته المعروفة. وجاء شهر نيسان (أبريل) وقد انتابت البلاد هذه الهزات السياسية والاقتصادية ليجد فاضل الجمالي المثقف بالثقافة الغربية رئيساً للوزارة.
    الاطاحة بحكومة الجمالي
    وكانت القضية الملحة التي جابهت حكومة الجمالي هي مشكلة التعويض عن المتضررين بالفيضانات. وفي هذا الموقف الحرج. وجد الجمالي نفسه هدفاً لانتقاد شديد في مجلس الأمة، وهجمات قوية من الصحافة، بسبب طريقته في معالجة المتضررين بالفيضان ومساعدتهم. وحين استلم الجمالي الحكم كان يأمل أن يحصل على مساندة نوري. ولكن حين انصبت عليه هذه الهجمات، وأغلبها من عناصر القوميين واليساريين، لم يدافع عنه اتباع نوري في مجلس الأمة، ولا أعضاء حزب الاتحاد الدستوري. وكان سكوتهم حافزاً للجمالي على تقديم استقالته، وقبل القصر الاستقالة، وكما فعل القصر لربع قرن مضى لجأ إلى نوري السعيد حين بدا ان الموقف يحتاج إلى عمل حاسم. فوافق نوري على أن يحاول تشكيل حكومة، ولكنه أراد أن يكون الجمالي أحد أعضائها. وقد علمت من اصدقائي الذين كانوا يواكبون المسرح السياسي في بغداد آنئذ بأن نوري أراد مناصرة جماعة الجمالي المتفككة من الشباب المتحرر، ليدحر معارضة منافسه الأول صالح جبر وحزبه حزب الأمة الاشتراكي، وجماعة العناصر اليسارية المتفرقة. ويجوز أن يكون قد وقع ضغط من القصر على نوري ليتيح مجالاً للجمالي. لأن الجمالي كان مقرباً لولي العهد الأمير عبد الاله، الذي كان كثيراً ما يعتمد عليه في إرساله في شؤون لها أهمية شخصية.
    وأراد نوري أن يكون الجمالي في حكومته لأسباب طائفية أيضاً. فقد جرت عادة رؤساء الوزارات في العراق أن يمثلوا في وزارتهم الطائفتين الاسلاميتين السنية والشيعية، والجمالي باعتباره شيعياً، محترماً، له خبرته في الشؤون العامة، كان يفي بحاجة نوري بهذا الصدد ولكن الجمالي لم يكن بذلك المزاج بحيث تروق له الفكرة بعد أن تخلى عنه رجال نوري في مجلس الأمة، ولذلك فقد رفض عرض نوري بروح استقلالية.
    ولابد ان رفض الجمالي كان مفاجأة لنوري الذي كثيراً ما ساعد الجمالي في حياته العامة. والواقع أن الجمالي في مناسبات كثيرة سابقة ولاحقة أظهر تقديره لمساعدات نوري كما أظهر استعداداً لتلبية رغباته. (وهذا لا ينطبق على كل من رفعه نوري في حياته العامة، والكثير جداً من هؤلاء بعد أن وطدوا كيانهم، نسوا ما هم مدينون به لنوري، فمشوا في طرقهم المستقلة الخاصة بهم).
    الجمالي "شيطان صغير"
    ولكن وضع نوري الحقيقي تجاه الجمالي وتقديره له ظهرا على ما أظن في ملحوظات أبداها نوري إلي بعد أن رشحه لرئاسة الوفد العراقي إلى باندونغ في نيسان (أبريل) 1955 بمدة وجيزة، وقد بدأ نوري حديثه بتوضيح الدوافع التي دفعت باليزيدية إلى عبادة الشيطان. واليزيدية طائفة دينية صغيرة تعيش في منطقة الموصل في شمال العراق. فقال نوري أن اليزيديين يعترفون بالخير الشامل لله. ولكن إرادة الله يهددها دائماً الشيطان. ولما كان الله يمثل الفضيلة فهو لا يحتاج إلى تزلف، ولكن الشيطان المتحفز دائماً للشر يحتاج لذلك التزلف ولذلك يعبده اليزيديون.
    وأسر لي نوري بحكمة ماكرة أن الجمالي هو "الشيطان الصغير" بالنسبة إليه. وقد وجد من العدل أن يتزلف له بين حين وآخر بتعيينه في مهمات مختلفة. ولم يحاول نوري أن يؤلف حكومة بعد أن رفض الجمالي عرضه السابق. ويرى بعض المراقبين أن ولي العهد لم يكن جاداً حينما سأله أن يؤلف الحكومة، وعلى اي حال فقد قرر نوري أن يتريث، والظاهر أنه كان مقتنعاً إنه إذا لم يكن على رأس الحكم فإن الأمور تزداد اضطراباً وسوءاً، ولابد من أن يستدعيه القصر لتولي الحكم.
    تكليف العمري بالحكومة
    سافر نوري إلى لندن ليقطع اتصاله بالموقف السياسي الداخلي بحجة الفحص الطبي وزيارة حفيديه. وقد التفت القصر على الأثر إلى أرشد العمري، وهوسياسي مستقل كان يعيش في استانبول وله خدمة طويلة. في رئاسة الوزارة من حزيران (يونيو) 1946 إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 1946)، وقد حكم أرشد في تلك الشهور حين كان العراق يعاني من آثار الحرب. وحصل على سمعة لا تختلف عن سمعة نوري بوصفه رجل عمل.
    وافق أرشد على رئاسة الوزارة بشرط أن يكون ذلك لمدة مؤقتة، وعلى قدر مدة الانتخابات التي كان مزمعاً إجراؤها. فتولى الحكم يوم 9 نيسان (أبريل) سنة 1954، وعين يوم 9 حزيران (يونيو) موعداً للانتخابات، وأعطى الوعد بأنها ستكون حرة.
    وحالما أعلن بأن الانتخابات ستكون حرة قام الكثيرون من المستقلين بترشيح أنفسهم، كما دخل المعركة الانتخابية حزب الاستقلال، والحزب الوطني الذي يمثل الجماعات القومية المعروفة بعدائها للغرب، وحزب الأمة الذي يمثل الجماعات المعتدلة الموالية للغرب.
    كما تشكلت جبهة وطنية مؤلفة من الديمقراطيين الوطنيين وحزب الاستقلال ومن المستقلين اليساريين المتفرقين.
    وكان مجموع المرشحين 466 مرشحاً لمقاعد يبلغ عددها 135 في مجلس النواب.
    وقد وصف لي شاهد عيان سير الحملة الانتخابية في 9 حزيران (يونيو). فالجو السائد لم يكن هادئاً، كما أنه لم يكن مضبوطاً، وقد كانت هذه الانتخابات من شد المظاهرات الانفعالية في العراق حيث كانت التجمعات السياسية منتشرة فيه، وقد انقلبت بعض هذه التجمعات إلى مظاهرات معادية للحكومة، ازداد العنف فيها حتى اضطرت الشرطة إلى التدخل لحماية أرواح الناس وأموالهم. وقد رفعت لافتات تعد بوعود الخلاص في كل مكان، كما أن سيارات ذات مكبرات للصوات كانت تقول هناك وهناك، وهي تشيد بمزايا الزعماء الجدد في شوارع المدينة، وكتبت على جدران الحدائق في البيوت الخاصة نداءات تساند مرشحي الجبهة الوطنية مع إهانات للغرب ودفاع عن الحياد. وفي يوم الانتخابات كان الجو مكهرباً، فالحكومة اضطرت إلى توزيع الشرطة على محلات التصويت المختلفة، وحين عدت الأصوات ظهر بان الجبهة الوطنية قد حصلت على 14 مقعداً، وقد استاءت عناصر من هذه النتيجة، وكذلك العناصر المحافظة بصورة عامة، وبنتيجة ذلك خسر أرشد العمري حظوته.
    يتبـــــــع الحلقة الثانيــــــــــة _2_

  2. #2
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc

    طلب السعيد حل البرلمان والأحزاب وإلغاء امتياز الصحف كشرط لتشكيل الوزارة

    TODAY - 07 March, 2011
    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي
    طلب السعيد حل البرلمان والأحزاب وإلغاء امتياز الصحف كشرط لتشكيل الوزارة
    الحلقة الثانية
    2
    ولدمار جـ. غلمن waldemar J. Gallman هو آخر سفير أميركي في العراق الملكي عاصر وسجل مذكرات عن الأعوام الأربعة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي المخضرم نوري السعيد، وكان شاهدا على الإطاحة بالنظام الملكي، يراقب لحظاته الأخيرة عام 1958.
    صدر كتاب غلمن بالانجليزية عام 1964 عن جامعة جون هوبكنز تحت عنوان "العراق تحت حكم الجنرال نوري". وهو يقدم صورة عن طريقة أميركا في التعامل مع عراق نوري السعيد "وديمقراطيته" التي لم يكتب لها النضج. وحرصنا على إعادة نشره خلال سنة حاسمة يفترض ان تشهد انسحاب أميركا العسكري من عراق يحاول ثانية بناء "ديمقراطية ناشئة".
    السفير المتوفى عام 1980، كتب انطباعات تجاوزت البروتوكول الدبلوماسي لتعرض صورا عن الحياة السياسية التي رآها في بغداد، فيما سجل الكثير من خصوصيات نوري السعيد وطريقة حياته وحتى ولعه بتربية الطيور في حديقة مطلة على دجلة.
    وهو يقدر كثيرا "لباقة" نوري ومزجه للسياسة بالظرف. وكان السفير يدعو لرئيس الحكومة يوما بالشفاء من زكام، لكن نوري قال له: اخلط دعاءك بقليل من المدفعية الأميركية التي يحتاجها جيشنا.
    ولا يخفي السفير موقفه "العدائي" لثورة 1958، بل إنه يصفها بلغة لا تخلو من قسوة. لكنه كان قاسيا ايضا على العهد الملكي خاصة خلال وصفه لكيفية تنظيم الانتخابات المتتالية بسرعة أحيانا و"مؤامرات" القصر وموقف نوري من معارضيه.
    وهو يبرع كذلك في وصف ظروف الحرب الباردة بين الشرق والغرب وكيف كان العراق يحاول ان يجد طريقه وسط الحالة الشائكة. ويصف صراعا أميركيا بريطانيا داخل بغداد، كما يتساءل: هل خذلنا نوري حليفنا القوي في المنطقة؟
    وفي الكتاب وصف للعراق ربما كان صالحا للاستخدام حتى هذه اللحظة. ويقول السفير ان وزارة خارجيته كانت تقول ان العراق مؤثر جدا في المنطقة، لكن علاقات الحكومة مع شعبها ومع جيرانها تنطوي على مشاكل كبيرة!
    كما يظهر لأول وهلة أن 14 مقعداً من بين 135 مقعداً هي عدد تافه لا يوجب الانزعاج. ولكن هذه الجماعة الصغيرة لديها الوسائل الكثيرة لإثارة المشكلة، ولذلك فإن اضطراب العناصر المحافظة كانت له أسبابه الوجيهة.
    هذه الجبهة كوحدة متآلفة، تتحلى بالانضباط، تستطيع أن تعرقل أعمال مجلس الأمة، كما أن بإمكانها – ولديها منابر مجلس الأمة – أن تؤثر على الجماعات اليسارية والأفراد المتبرمين في البلاد بصورة عامة. وهذا الوضع بالذات كان المناسبة التي كانت تلك الجماعة الصغيرة تتمناها وتنتظرها منذ زمن طويل.

    تكليف السعيد ثانية
    وعقد البرلمان الجديد اجتماعات بمراسم الافتتاح في أواخر حزيران (يونيو)، ثم أجلت الاجتماعات إلى موسم الخريف. ولما تمت الانتخابات الحرة، لم يبق لارشد العمري إلا أن يستقيل، وقد فعل ذلك في 23 تموز (يوليو)، وكان على القصر أن يبحث عن رئيس وزراء آخر.
    وأظهرت المشاورات التي قام بها القصر بانه لم يكن هناك بين المرشحين لرئاسة الوزارة متحمس للحكم في ذلك الجو السياسي المكهرب بهذه الدرجة، وان الدور الذي قد تلعبه "الجبهة الوطنية" كان مبعث قلق شديد. فاضطر القصر بعد أن جوبه بهذا الموقف أن يرجع إلى نوري مرة أخرى، كما فطن نوري إلى ذلك من قبل.
    وكان نوري لا يزال في لندن، فتعهد ولي العهد عبد الاله نفسه بأن يفاتحه. ولم تكن علاقة هذين الرجلين بالصفاء أبداً، فإن صلابة نوري السعيد، وإصرار عبد الإله على أن يقول كلمته في كافة القرارات المهمة، لم تدعا مجالاً لحسن العلاقة بينهما. وما حدث الآن زاد في التوتر بينهما، فحاول عبد الإله عدة مرات أن يتصل بنوري تلفونياً ولكنه لم يحصل على جواب.
    ولم تنجح وساطة السفير العراقي في لندن الأمير زيد، (شقيق) جد الملك فيصل مع نوري ولم يحصل منه على جواب سوى أن نوري وافق على الاجتماع بعبد الإله في باريس لبحث الموضوع. ولما التقيا في باريس وافق نوري على تسلم رئاسة الوزارة بشروط معينة.
    منها ان يوافق القصر على حل البرلمان المنتخب حديثاً، وعلى إجراء انتخابات أخرى، وحل الأحزاب السياسية، وأن تطلق الحرية لنوري السعيد بان يلغي إجازات الصحف. ولم يعد نوري السعيد إلى بغداد لتولي رئاسة الوزارة إلا بعد أن قبلت هذه الشروط.
    بدأ نوري أعماله بنشاطه المعروف. فقد وجه يوم 4 آب (أغسطس) كتاباً إلى الملك يلتمس فيه حل مجلس الأمة وإجراء انتخابات جديدة، وأوضح بانه كان يريد تمثيلاً واسعاً لتطبيق منهاجه، ثم جرى حل كافة الأحزاب، كما قام نوري شخصياً بحل حزبه (حزب الاتحاد الدستوري)، وبين أن كل من يستطيع ان يمثل بلاده يتمكن الآن أن يتبارى بظروف متكافئة!
    وفي خطاب عام كان يبدو موجهاً ضد الجماعات الشيوعية وضد الجبهة الوطنية، حذر الرأي العام بأن يكون متيقظاً ضد الذين يخدمون المصالح الأجنبية، ويتكلمون بالديمقراطية والحرية والسلام. وقد اتضح معنى هذا الإنذار الخفيف في 1 أيلول (سبتمبر)، أي قبل الانتخابات باثني عشر يوماً. ففي ذلك اليوم نشرت الحكومة تعديلات لقانون العقوبات وسعت فيه سلطاتها لمكافحة الشيوعيين واليساريين الآخرين، كما وضع أنصار السلام والشبيبة الديمقراطية بنفس درجة الشيوعية التي كانت محرمة.


    مع الخصوم السياسيين
    وزود مجلس الوزراء بصلاحيات واسعة ضد من يوصم بالشيوعية أو يقوم بفعاليات لها علاقة بالشيوعية، وكذلك خول مجلس الوزراء سلطة إغلاق أي جمعية أو نقابة مؤقتاً أو بصورة دائمية، إذا كانت فعاليات تلك الجمعية أو النقابة مما تؤثر تأثيراً سيئاً في الأمن العام.
    وهذه الإجراءات مع ما عرف عن نوري من سمعة قوية كرجل قوي لا يتردد باتخاذ الإجراءات الصارمة عند الضرورة، ثبطت عزم المعارضة، ومهدت الطريق إلى انتصار نوري السعيد الكاسح في الانتخابات.
    جرت الانتخابات في 12 أيلول (سبتمبر). وكانت تبدو في هدوئها مناقضة لحملة الانتخابات السابقة في حزيران (يونيو). كان كل شيء يبدو هادئاً في الظاهر، وكان ينبغي الحصول على إجازة للتجمعات، كما أن أكثر هذه الطلبات للتجمعات رفضت، ولم تظهر من النداءات على الجدران إلا القليل. وبينما حدث في انتخابات حزيران (يونيو) ضغط غير خاف قامت به السلطات المحلية ضد المرشحين غير المرغوب فيهم ففي انتخابات أيلول (سبتمبر) لم يبد من ذلك إلا القليل، وذلك لأن الضغط كان يجري من وراء الستار، ولم يكن هناك لزوم لجلب شرطة إضافية. وجرى التصويت بهدوء.


    حزب السعيد يكتسح
    وفي صباح يوم الانتخابات فاز 116 مرشحاً بالتزكية، أي بدون معارضة، ولم يجر التصويت إلا في عشر مناطق انتخابية في بغداد والبصرة والسليمانية، حيث تبارى 25 مرشحاً على الـ19 مقعداً الباقية. وكانت الأغلبية الساحقة من المنتخبين من أعضاء حزب نوري المنحل (حزب الاتحاد الدستوري)، مضافاً إليهم عدد من المستقلين من جماعته أيضاً. كما نجح ثمانية مرشحين كانوا ينتسبون إلى حزب الأمة، واثنان كانا منتسبين إلى حزب الاستقلال، وواحد كان ينتسب إلى الجبهة الوطنية، وذلك بعد أن رشحوا أنفسهم كمستقلين، ولذلك فلم يكن متوقعاً أن يزيد عدد المعارضين على 12 شخصاً.
    ولما كان هذا المجلس قد قدر له أن يبقى في الحكم لمدة ثلاث سنوات ذات فعالية غير اعتيادية في ميادين الشؤون الخارجية والتطور الاقتصادي، فمن الأفضل أن نبحث بتكوينه بتفصيل أكبر.
    كان المجلس يتألف من 116 عربياً و19 كردياً. هذا من الناحية العنصرية، أما من الناحية الطائفية فقد كان فيه 73 سنياً و56 شيعياً و6 مسيحيين. كما أن 88 من النواب اشتركوا كنواب في المجلس السابق – المجلس الرابع عشر – ما عدا 16 منهم كانت للجميع منهم خبرة سابقة في مجلس النواب. وقد كان عدد الملاكين من غير شيوخ العشائر 49 نائباً، كما كان هناك 42 من رؤساء العشائر و18 من رجال الأعمال. أما الطبقة المهنية فكانت ممثلة بـ23 محامياً، خمسة منهم كانوا من القضاة السابقين، ومن ثلاثة أطباء.
    وهكذا حصل نوري على أغلبية ساحقة، وعلى جماعة لها نصيبها من تمثيل الناس. وكان نوري بوضعه هذا قادراً على عمل الكثير لخدمة العراق في الداخل والخارج، وسأعطي آرائي في كيفية قيام هذا الرجل باستغلال هذه الفرصة للخدمة في الفصول التالية.
    عند وصولي إلى بغداد في تشرين الأول (أكتوبر) كانت المعارضة مكبلة، وكان لنوري مجلس الأمة الذي يرضيه، وهكذا بدأ منهاجه ينكشف. ففي الميدان الداخلي كان من بين أهدافه المباشرة إكمال الإجراءات للسيطرة على الفيضان وذلك في منهاج الإعمار، أما في الميدان الخارجي فقد كان عازماً على أن يضع العراق في موقف قوي ليجابه أي اعتداء محتمل. وقد كان من حسن حظي ان كان لي المجال والاستعداد أن اتصل به باستمرار في كلا هذين المجالين.
    فاتفاقية التعاون الفني والمساعدة العسكرية بين بلدينا خدمت هذا الغرض خدمة حسنة. وهكذا كان الوضع محفزاً على العمل وكان مجال الإنتاج كبيراً وإن كان الجو مكهرباً.


    سلالة نوري السعيد
    أعطاني أحد زملائي من الذين خدموا قبلي ببضعة سنوات في بغداد هذه الصورة الانطباعية عن نوري: إنه كردي المولد، تركي الثقافة، عراقي المهنة، هذا الاختصار الجذاب مقتضب أكثر مما يلزم، وإني أذكره هنا لانه يدعو إلى التساؤل حول نشأة نوري الحافلة بالحوادث، وإلى تجاربه المختلفة وسجيته المعقدة.
    إني لا أدري كم من الدم الكردي يجري في عروق نوري، ولكن أصدقاءه العراقيين يقولون إن فيه قسطاً من ذلك الدم، ومما لا شك فيه أن لهذا الرجل خواص كردية مثالية: كالقوة البدنية، والقوة المعنوية والشجاعة.
    ولد نوري سنة 1889، ولكن ليس في كردستان، فقد كانت بغداد مسقط رأسه. ويبدو هذا مناسباً أكثر لأنه قضى جل حياته في خدمة العراق. ويعتقد أن عائلته كانت تعرف أسلافها التي استوطنت بغداد منذ ثلاثمائة سنة، إلى أن صار رئيس العائلة الرجل المعروف بالملا لولو، وهو من السنة.
    وفي أحد الأيام شعر بمهانة عظيمة حين قام جنود الفرس من طائفة الشيعة المناوئة، بربط خيولها في مسجده. فسافر لولو فوراً وحده إلى استانبول ليخبر بذلك السلطان نفسه. ثم عاد ومعه جيش طرد المعتدين الأجانب بعد أن قتلوا زوجته وأطفاله. فهب السلطان لمساعدته ثانية، وأرسل إليه زوجة جديدة. وهي فتاة تركية من الحرم السلطاني، كما أمر له بمخصصات شهرية يستمر دفعها له ولعائلته من بعده. وبالرغم من هذا الارتباط القديم باستانبول فإن العائلة قبلت واحترمت في بغداد كعائلة عربية.
    كان نوري السعيد صغير السن جداً حين ابتدأ تعليمه، وقد أنهى تعليمه الأولي عند "الملا" في مدرسة أطفال محلية في الثامنة من عمره. وكان ذلك التعليم يتركز على الحفظ عن ظهر قلب. وهذا يفسر حافظته القوية جداً، التي كانت بارزة حتى أواخر أيام حياته.
    وكان أبوه السيد طه أحد الموظفين المدنيين المحترمين في خدمة الحكومة التركية فشعر بأن عليه أن يقرر مبكراً هل يهيئ ابنه للحياة المدنية أو للحياة العسكرية. وكانت المناصب المدنية العليا في الحكومة محجوزة للأتراك من استانبول، أما الخدمة العسكرية فقد كانت مفتوحة من أعلى درجاتها لجميع الناس في الإمبراطورية. ولابد أن هذا الاختبار كان موفقاً، فقد دخل نوري السعيد في المدرسة الابتدائية العسكرية مباشرة، ويقال بأنه ألف هذه الحياة من البداية.
    وفي سنة 1903 ونوري لم يكمل الرابعة عشرة بعد، سافر من بلده إلى الكلية العسكرية في استانبول. فقد كان نجاحه حسناً بالرغم من أن عمره كان يقل بسنتين عن أعمار معظم زملائه في صفه، وبعد وصوله إلى استانبول بمدة قصيرة توفي والده. وكانت أمه في بغداد منشغلة بالعناية بأخواته، ولذلك فقد ترك نوري وشأنه ليدبر نفسه بنفسه. وقد قام بذلك خير قيام في ظروف الحياة العسكرية الصعبة ومتطلباتها.

    يتبـــــــــــــــع الحلقة الثالثة 3

  3. #3
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc

    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكيالحلقة 3

    TODAY - March 09, 2011
    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي
    عمل السعيد 4 سنوات في وحدة عسكرية لجباية ضرائب العشائر
    الحلقة الثالثة 3


    ولدمار جـ. غلمن waldemar J. Gallman هو آخر سفير أميركي في العراق الملكي عاصر وسجل مذكرات عن الأعوام الأربعة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي المخضرم نوري السعيد، وكان شاهدا على الإطاحة بالنظام الملكي، يراقب لحظاته الأخيرة عام 1958.
    صدر كتاب غلمن بالانجليزية عام 1964 عن جامعة جون هوبكنز تحت عنوان "العراق تحت حكم الجنرال نوري". وهو يقدم صورة عن طريقة أميركا في التعامل مع عراق نوري السعيد "وديمقراطيته" التي لم يكتب لها النضج. وحرصنا على إعادة نشره خلال سنة حاسمة يفترض ان تشهد انسحاب أميركا العسكري من عراق يحاول ثانية بناء "ديمقراطية ناشئة".
    السفير المتوفى عام 1980، كتب انطباعات تجاوزت البروتوكول الدبلوماسي لتعرض صورا عن الحياة السياسية التي رآها في بغداد، فيما سجل الكثير من خصوصيات نوري السعيد وطريقة حياته وحتى ولعه بتربية الطيور في حديقة مطلة على دجلة.
    وهو يقدر كثيرا "لباقة" نوري ومزجه للسياسة بالظرف. وكان السفير يدعو لرئيس الحكومة يوما بالشفاء من زكام، لكن نوري قال له: اخلط دعاءك بقليل من المدفعية الأميركية التي يحتاجها جيشنا.
    ولا يخفي السفير موقفه "العدائي" لثورة 1958، بل إنه يصفها بلغة لا تخلو من قسوة. لكنه كان قاسيا ايضا على العهد الملكي خاصة خلال وصفه لكيفية تنظيم الانتخابات المتتالية بسرعة أحيانا و"مؤامرات" القصر وموقف نوري من معارضيه.
    وهو يبرع كذلك في وصف ظروف الحرب الباردة بين الشرق والغرب وكيف كان العراق يحاول ان يجد طريقه وسط الحالة الشائكة. ويصف صراعا أميركيا بريطانيا داخل بغداد، كما يتساءل: هل خذلنا نوري حليفنا القوي في المنطقة؟
    وفي الكتاب وصف للعراق ربما كان صالحا للاستخدام حتى هذه اللحظة. ويقول السفير ان وزارة خارجيته كانت تقول ان العراق مؤثر جدا في المنطقة، لكن علاقات الحكومة مع شعبها ومع جيرانها تنطوي على مشاكل كبيرة!
    في أيلول (سبتمبر) سنة 1906 تخرج وحصل على رتبة ضابط وهو في الثامنة عشرة. ثم عاد إلى العراق حيث عين في إحدى وحدات المشاة الراكبين التي لم تكن مشغولة حينذاك بالعمليات العسكرية، ولكن كانت مكلفة بعملية ممجوجة هي جمع الضرائب على المواشي من العشائر الرحالة. وبقي في هذه الوحدة أربع سنوات، ولا نعلم كم جمع من الضرائب، ولكنه تعرف إلى المناطق العراقية. ثم عرف طريقة حياة الشيوخ وعشائرهم، وفي هذه الأثناء تزوج فتاة من العائلة العراقية المعروفة، عائلة "العسكري".

    دخول عالم السياسة

    وفي سنة 1910 استدعي نوري إلى استانبول ليتابع دراسته العسكرية، إذ وقع الاختيار عليه ليدخل كلية الأركان. وفي سنة 1912، اثناء حرب البلقان، بدأت خدمته العسكرية الفعالة. فقد اشترك في الحملة الموجهة ضد البلغاريين. وزارة الخارجية، وتستند كتابتي على مذكراتي الشخصية وخلال هذه السنوات لم يكن نوري السعيد شغوفاً بالأمور العسكرية فقط بل صار يتذوق الأمور السياسية أيضاً.
    كانت قد بدأت الحملة الإصلاحية المعروفة بحركة "تركيا الفتاة" خلال خدمة نوري كتلميذ عسكري في استانبول، وزاد نشاط هذه الحركة خلال السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى. وكان لها رد فعل بين الشعوب العربية في الإمبراطورية، إذ رأت تلك الشعوب فيها مجالاً للحصول على مزيد من الحرية الثقافية والسياسية.
    وبين سنتي 1913 – 1914 اشترك نوري مع جماعة دعت نفسها بجماعة "العهد"، وكان من بين أعضائها بعض الضباط العرب. وفي السنوات الأولى من اشتراكه بهذه "الخلية" اعتبر نوري هذه الحركة أداة للحصول على الحكم الذاتي للعرب داخل الإمبراطورية على أسس اتحادية أو فيدرالية، وبعد مدة أدرك نوري بان جماعة "تركيا الفتاة" لن يتنازلوا عن أية امتيازات للعرب إذا استلموا الحكم. وبالإضافة إلى ذلك كان يعتقد أنه انضمت تركيا إلى جانب ألمانيا عند اندلاع الحرب كما كان محتملاً فإن الإمبراطورية لن يكتب لها البقاء. ولذلك فمنذ سنة 1914 كان نوري يدرك إدراكاً واضحاً بان عليه أن يعمل على استقلال العرب التام، ومنذ ذلك الوقت قطع علاقته بالماضي قلباً وقالباً.
    وفي ربيع سنة 1914 اشتبه سادته الأتراك بما يفكر فيه، واستعدوا لإلقاء القبض عليه، إلا أن نوري عمل بسرعة. فقد ترك استانبول دون أن يشعر به أحد وأخذ طريقه إلى القاهرة، ومنها إلى البصرة، حيث اتصل فوراً بجماعة من الثوار العراقيين بقيادة السيد طالب النقيب، وهو رئيس إحدى الأسر السنية المتنفذة. وقبل أن يطول به المقام بالبصرة أصيب بمرض، فأدخل في مستشفى البعثة التبشيرية الأميركية.

    الانضام الى الثورة العربية

    وبعد اندلاع الحرب احتل البريطانيون البصرة فنقلوه إلى دار نقاهة في الهند بجوار بومبي، حيث بقي مدة تزيد على السنة كأسير حرب تركي، ولكن مع بعض الامتيازات. وقد تمتع كما يبدو بكل تلك الامتيازات ما عدا حرية تنقله بعيداً عن السقيفة التي كان مسجوناً فيها، ولم يكن يشكو إلا من الملل.
    وقرابة نهاية سنة 1915 فرح كثيراً عندما نقل من الهند إلى مصر، وهناك اشترك بحماسة مع العرب والبريطانيين الذين كانوا يضعون الخطط للثورة العربية. وكان ت. أ. لورنس أحد أعضاء هذه الجماعة.
    وفي 5 حزيران (يونيو) سنة 1916 أعلن استقلال العرب باسم الشريف حسين أمير مكة، وفي تموز (يوليو)، واستجابة للدعوة التي تلقاها من الملك حسين ترك نوري القاهرة إلى جدة، ومن هناك التحق بالثورة.
    وان الحملات الصحراوية التي أثبت نوري سمعته الطيبة كقائد عسكري استمرت سنة ونصف سنة. فبعد انهيار دول الحلف المركزي، ومعها الحكم التركي على العرب، استمر نوري على شهرته بين الناس. وفي سنتي 1918 – 1919 راح نوري كرئيس أركان الأمير فيصل بن الحسين يتنقل بين لندن وباريس، يراقب عن كثب المناقشات المتعلقة بمستقبل العرب، وبعد هذه المحادثات بقي مع فيصل بضعة اشهر معظمها في سوريا.
    وفي خريف 1920، وبطلب من عديله جعفر باشا العسكري، الذي عين وزيراً للدفاع في العراق، عاد نوري إلى بغداد ليكون رئيساً لأركان جعفر. وعند وصوله إلى بغداد التقى بالمس بل التي رأته أول مرة، وسجلت عنه انطباعاتها التي كثيراً ما يتناقلها الناس. قالت: "في اللحظة التي رأيته أدركت بأن أمامنا قوة متينة مرنة، فأما أن نستعملها أو نشغل نفسنا بخصومات صعبة معها" وفي السنوات التي تلت ثبت بان تقديرها كان صحيحاً وبأن مشورتها كانت صائبة.

    الباشا والعراق الحديث

    وكان يوم 23 آب (أغسطس) 1921 يوماً سعيداً في حياة نوري، ذلك اليوم الذي تحققت فيه آمالة بتتويج فيصل ملكاً على العراق، وقد شعر الآن أنه اصبح حراً ليقف كل جهوده على بناء بلاده الفتية على أسس رصينة، وفي سنتي 1921 – 22 أخذ إجازة من الجيش ليقضيها في تنظيم الشرطة، وبعد ذلك قضى شطراً كبيراً من التسع سنوات التالية مركزاً جهوده على إنشاء الجيش وتأمين وسائل التدريب للضباط وتنظيم وزارة الدفاع، وكان خلال بعض هذه السنوات يشغل منصب وزير الدفاع.
    وفي 23 أيار (مايو) 1930 صار نوري رئيسا للوزراء في العراق للمرة الأولى. ثم تولى هذا المنصب ثلاث عشرة مرة قبل أن يكون رئيس وزراء الاتحاد العربي في آذار (مارس) 1955 وذلك قبل وفاته بشهرين.
    وفي أثناء خدمة نوري الطويلة في الحياة العامة مرت على العراق أوقات عصيبة وغير مستقرة، بل كان بعضها عنيفاً. وفي الفترات التي لم يكن نوري فيها رئيسا لوزارة تسلم بعض المسؤوليات بالإضافة إلى وظيفته في مجلس الأمة. وقد كان وزيراً للدفاع عدة مرات، ووزيراً للخارجية بضعة مرات أيضاً، ولكن لم يكن هنالك بد من أن نجده في رئاسة الحكومة في الفترات الصعيبة بصورة خاصة، حين كان يستدعيه الملك أو الوصي أو ولي العهد على عجل لتسلم الحكم.
    إن قائمة الأعمال التي حققها نوري في الحياة العامة طويلة ورائعة. وليس هذا هو المجال لتعداد تلك الأعمال أو وزنها بالتفصيل، وإنما ألفت إليها الانتباه ليكون واضحاً بأني عندما بدأت أعرف هذا الرجل كان قد سبق له أن مارس الكثير وعمل الكثير لبلاده وشعبه، واني حين عرفته كان قد ركز نفسه كشخصية قوية في العالم العربي. وسنبين بعض المراحل في حياته لنؤكد سعة خبرته واهتمامه. فإليه يرجع الفضل في تأسيس كلية الأركان سنة 1921. وكان رئيساً للوزارة سنة 1931 حين أعلنت خطة الأعمال الرئيسية للإعمار التي سبقت منهاج الإعمار الذي صار يديره بعدئذ مجلس الإعمار.
    مثل نوري دوره في المباحثات التي أدت إلى إنهاء الانتداب البريطاني وإلى دخول العراق عصبة الأمم ، وكان هو المسؤول بصورة خاصة أكثر من اي شخص آخر عن إنهاء المعاهدة العراقية البريطانية سنة 1930، ونظم علاقات البلدين في اتفاقية خاصة في 4 نيسان (أبريل) 1955 على أسس أكثر واقعية وتوافقاً. وكان يطالب مراراً في اجتماعات اللجنة الاستشارية في الجامعة العربية بوطنية عربية صميمة بناءة. وقد كان ينادي باسم العالم الحر منذ سنوات سبقت تنظيم الدفاع عن النطاق الشمالي بواسطة ميثاق بغداد وذلك ضد الأصوات التي كانت تسيطر عليها موسكو.

    لقائي الأول مع السعيد

    بعد وصولي بغداد ببضعة أيام، سافر نوري إلى الشمال ليقضي اسبوعين يراقب فيها قطعات الجيش في مناوراتها السنوية، ولم اجتمع به إلا بعد عودته. وحين قمت بزيارتي الأولى لوزارة الخارجية لترتيب التفاصيل لقبولي وتقديم أوراق اعتمادي، شعرت حينذاك بمحضر هذا الرجل. وجدت وزير الخارجية موسى الشابندر يحادثه بالتلفون، وكان موضوع الحديث مساعداتنا بالأسلحة للعراق.
    والصدفة في إجراء هذا الحديث خلال زيارتي للوزير، تكشف أساليب نوري المباشرة والنموذجية، كما تكشف عن انهماك هذا الرجل بموضوع كان يتكرر في كافة مكالماتي معه للسنوات الأربع التالية.
    من حديثي مع الوزير الشابندر علمت باتفاقية الأسلحة وإن كانت قد بدات منذ ستة اشهر، اي في الأيام الأخيرة لحكومة الجمالي، فإن نوري ملح على سرعة تسليم الأسلحة، وأنه ينتقد نوع التجهيزات التي كان العراق يحصل عليها. وكان يعتقد بان الاتفاقية حيوية إذا كانت غايتها مساعدة العراق.
    وكان يصر، ولاسيما في البداية، على تسليم الشحنات بسرعة، وأن تكون فيها أشياء مغرية أكثر من مجرد عجلات النقل. وكان يحتاج احتياجاً فورياً لبعض التجهيزات المهمة ليقوي مركزه بالنسبة للرأي العراقي العام. وحتى ذلك التاريخ لم يكن وصل إلا القليل إذا استثنينا بعض العجلات الآلية التي كانت تصل ببطء، وكان نوري يريد أن يعرف فيما إذا كان بالإمكان أن نفعل شيئاً لتحسين هذه الحال.
    وحينما كنت لا أزال في واشنطن استعد لرحيلي إلى بغداد، علمت أن اللجنة العسكرية الاستشارية الأميركية في بغداد كانت تلح على واشنطن بالإسراع بتسليم الأسلحة، وذلك للقضاء على الانتقادات التي كانت تتكاثر بين القادة العسكريين العراقيين. وقد دعيت للحضور إلى مؤتمر عقد في وزارة الدفاع (البنتاغون) حيث دار بحث في هذه التوصية، وجرى توضيح أسلوب تقديم الطلبات للمعونة العسكرية. وهذه الأساليب كانت تستغرق وقتاً ولا يمكن اختصارها. وقد قيل لي بأن طلبات العراق ستلاقي كل الاهتمام، ولكن ضمن هذه التحديدات. وبعد هذا المؤتمر مباشرة اشترك معنا أثناء الغداء في "البنتاغون" موسى الشابندر الذي كان حينئذ سفيراً للعراق في واشنطن، وخلال الغداء بينت له القرارات التي اتخذت في الصباح مؤكداً على الضمانات التي أعطيت لي بهذا الشأن.
    وبينما كنت أصغي إلى الشابندر في وزارة الخارجية العراقية، وهو يذكر شكاوى نوري، ذكرته بذلك اليوم في البنتاغون. وكان يصغي لي بانتباه عميق، إلا أنه أشار الى أنه لم يجد تلك الضمانات كافية، وبالرغم من كل ذلك فقد سألني وعلائم الشك على وجهه "أيمكن أن يكون هذا التأخير ناتجاً عن الاحتجاجات اليهودية؟".
    بينت له بأن القضية ليست كذلك، وقلت له إن لا أساس لشكوكه وهكذا انتهت زيارتي الأولى لوزير الخارجية.

    يتبـــــع الحلقة الرابعة 4

  4. #4
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc

    «عراق نوري السعيد كان يصعب تحديد موعد مع السعيد لأنه كثير التنقل بين وزاراته

    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي
    كان يصعب تحديد موعد مع السعيد لأنه كثير التنقل بين وزاراته
    الحلقة الرابعة 4
    ولدمار جـ. غلمن waldemar J. Gallman هو آخر سفير أميركي في العراق الملكي عاصر وسجل مذكرات عن الأعوام الأربعة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي المخضرم نوري السعيد، وكان شاهدا على الإطاحة بالنظام الملكي، يراقب لحظاته الأخيرة عام 1958.
    صدر كتاب غلمن بالانجليزية عام 1964 عن جامعة جون هوبكنز تحت عنوان "العراق تحت حكم الجنرال نوري". وهو يقدم صورة عن طريقة أميركا في التعامل مع عراق نوري السعيد "وديمقراطيته" التي لم يكتب لها النضج. وحرصنا على إعادة نشره خلال سنة حاسمة يفترض ان تشهد انسحاب أميركا العسكري من عراق يحاول ثانية بناء "ديمقراطية ناشئة".
    السفير المتوفى عام 1980، كتب انطباعات تجاوزت البروتوكول الدبلوماسي لتعرض صورا عن الحياة السياسية التي رآها في بغداد، فيما سجل الكثير من خصوصيات نوري السعيد وطريقة حياته وحتى ولعه بتربية الطيور في حديقة مطلة على دجلة.
    وهو يقدر كثيرا "لباقة" نوري ومزجه للسياسة بالظرف. وكان السفير يدعو لرئيس الحكومة يوما بالشفاء من زكام، لكن نوري قال له: اخلط دعاءك بقليل من المدفعية الأميركية التي يحتاجها جيشنا.
    ولا يخفي السفير موقفه "العدائي" لثورة 1958، بل إنه يصفها بلغة لا تخلو من قسوة. لكنه كان قاسيا ايضا على العهد الملكي خاصة خلال وصفه لكيفية تنظيم الانتخابات المتتالية بسرعة أحيانا و"مؤامرات" القصر وموقف نوري من معارضيه.
    وهو يبرع كذلك في وصف ظروف الحرب الباردة بين الشرق والغرب وكيف كان العراق يحاول ان يجد طريقه وسط الحالة الشائكة. ويصف صراعا أميركيا بريطانيا داخل بغداد، كما يتساءل: هل خذلنا نوري حليفنا القوي في المنطقة؟
    وفي الكتاب وصف للعراق ربما كان صالحا للاستخدام حتى هذه اللحظة. ويقول السفير ان وزارة خارجيته كانت تقول ان العراق مؤثر جدا في المنطقة، لكن علاقات الحكومة مع شعبها ومع جيرانها تنطوي على مشاكل كبيرة!
    لدى تقديمي أوراق اعتمادي في 23 تشرين الأول (أكتوبر) حسب المنهاج المقرر كنت أنتظر من رئيس البروتوكول أن يرتب زيارتي الأولى لنوري، إلا أن نوري لم ينتظر لهذه المراسيم، فقد طلب أن يراني فور عودته من الشمال على أن أكون بمفردي، وقد أكد كثيراً على أن نتحدث نحن الاثنين دون سوانا وكان علي ان ألقاه في داره.

    في دار الباشا

    في بداية اجتماعاتنا علمت أن نوري كان يفضل القيام بأعماله في داره، حيث يتسنى له العمل بمفرده دون تدخل، وكان نوري في سنيه الأخيرة كثيراً ما يشتغل بمفرده، فقد وضع ثقته في بضعة أشخاص، كما كان يستشير بضعة أشخاص فقط. وكان كتوماً ولا يحب أن يراقبه أحد عن كثب، وهو لا يستعمل الوثائق في محادثاته، كما أنه لا يسجل محادثاته على ما يبدو، ولم تكن له هيئة تعمل معه سوى بضعة أفراد يلتفون حوله، ولم يكن ليحتاج إلى سجلات أو سكرتارية لينجز ما يريده، فكان يلقى ذلك كله معتمداً على ذاكرته الخارقة.
    وقد وجدت المعاملة مع نوري في بيته معاملة مريضة جداً، ولم يكن يتصرف كرئيس وزراء إلا نادراً، وفي أغلب الأحيان كان يمثل وزير دفاع أو وزير خارجية. وإذا حدث أن عبر دجلة ودخل في قلب بغداد، فإنه يضطر حينئذ الى أن يتنقل بين الوزارات المختلفة، ويصبح من الصعب جداً تثبيت موعد للقائه، لذلك كنت أحاول أن أراه في الصباح في داره.
    وهنالك تجده حتماً وهو على وشك استقباله للزائرين. لقد كان دقيقاً في مواعيده، ويتوقع من الآخرين أن يكونوا كذلك. وقد كان قليل الصبر أيضاً، فحين يحدد موعداً لملاقاة أحد ما فإنه يستعد قبل ذلك الموعد بدقائق وهو متأهب يقف مملوءاً بالنشاط، وكان كذلك حين لاقيته لأول مرة حين كان ينتظرني على باب داره.

    السعيد كما رأيته

    وكان نوري صغير البنية إلا أنه أكبر من الصور التي رأيتها له في عهد حياته العسكرية. وكانت ملامح وجهه أخاذة وصميمية، وكان كثير الابتسام، وكانت عيناه تشعان بالذكاء واليقظة بصورة مستمرة، تحيط بها خطوط ثقيلة تشير إلى حياته المليئة بالمتاعب، وكان ودياً في حديثه يرفق كلامه بطقطقة مستمرة من مسبحة الكهرب، تلك المسبحة التي يستعملها المسلمون المتدينون والتي كثيراً ما يستعملها العرب أثناء الحديث.
    وفي أثناء حديثه واستعماله مسبحته كان لا ينسى أن يقدم بين حين وآخر بعض الحلويات الملونة من علبة معدنية كنت أجدها دائماً على مائدته، وعلى النقيض من تلك المسبحة والحلويات الملونة كنت تجد دائماً مسدساً في غلاف جلدي يحتفظ به قريباً منه. يذكره بالخطر الذي يهدد حياته بصورة دائمة.
    وهنالك عامل اخر يستحق الذكر في شخصيته، وهو الصمم المصاب به. فحين واجهته لأول مرة لم يكن ذلك الصمم ملحوظاً، إذ لم يظهر أنه كان يجد صعوبة في تتبع ما كان يقال. ولكن في السنوات الأخيرة، وفي اجتماعاتنا كان يلبس آلة يستعين بها على السمع في بعض الأحيان. وفي ذلك الوقت بالذات انتجت شركة أميركية آلة تساعد على السمع من أصغر الأنواع وأحسنها، وقد قرر أصدقاء نوري في السفارة أن يقدموا له واحدة منها. وتوليت بنفسي تقديمها إليه. وقد تحفظت بادئ ذي بدء من هذه الفكرة، إذ تصورت أن نوري قد يشمئز من هذه الهدية التي قد تشير إلى أنه لا يستوعب بعض النقاط الحسنة التي كنت أنقلها إليه في أحاديثي معه. إلا اني لم أتردد، لأن نوري كان يفهم الأمور. وأقنعت نفسي بأنه سيتسلم الهدية بنفس الروح التي أقدمها بها كهدية. وفعلاً تصرف نوري كما توقعت، وكان شاكراً التفاتة أصدقائه وتسلم الهدية بحماسة كحماسة الأطفال حين تقدم لهم لعبة جديدة، وأخذ فوراً وبحضوري يجرب هذه الآلة الصغيرة اللطيفة.

    السعيد يطلب العون

    لم يكن من السهل بتاتاً أن أقدر مدى صممه، إذ كان يستعمل هذه الآلة في بعض الأوقات، حينما يحلو له ذلك. وكان في بعض الأحيان يسمع كل شيء بوضوح، وفي بعض الأحيان لا يسمع إلا بعضاً من الحديث. وكانت هناك أوقات لا تلتقي أفكارنا بتاتاً. وفي ذلك اللقاء الأول لم يضع نوري وقتاً، فقد رحب بي بحرارة وباختصار، وأخذني بسرعة إلى غرفة عمله ودخل في الموضوع فوراً ليبدي ما كان يجول بخاطره، فذكر أنه راقب تمارين القطعات العسكرية لمدة أسبوعين ولمس حاجتها الطارئة إلى بعض الدبابات لإتمام التمارين. وقال لي إن الحد الأدنى الذي يطلبه هو ست دبابات وإذا زادت عن ذلك فإنها ستساعد بصورة أفضل. ولكن المهم هو إرسالها حالاً.
    وبعد أن أبدى حاجته الملحة والتي كانت حاجة معقولة استمر في حديثه في تقدير طاقة العراق على مساعدة نفسه. وقد تبين بأن هذا الموضوع موضوع جدي، فإن ما كان يصرفه العراق من منابعه الخاصة على الأسلحة يمثل أقصى ما يستطيع تأمينه. وإذا شعرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بان على العراق أن يصرف أكثر من هذا فعليهما أن تؤمنا المال اللازم منهما أو من أحدهما. فالعراق إذا أراد أن يصرف مبالغ إضافية على الأسلحة مضطر على أخذه من المبالغ المخصصة للنواحي الحيوية والصحية العامة والمعارف، وهذا ما لا يستطيع عمله بتاتاً.
    وإذا دعي الجيش العراقي لكي يقاتل بما لديه من سلاح، فإنه سيفعل ذلك بجدارة، ولكن لا بد أن تسليحه الضعيف سيؤثر في قابليته على القتال، فإذا أرادوا أن يلعب العراق دوره في الدفاع عن المنطقة، فلا بد من تجهيز قواته بالمعدات الحديثة.
    وقد قدر نوري المبلغ اللازم بخمسين مليون جنيه استرليني، ولا فرق لديه فيما إذا أمنت تلك الاحتياجات البعيدة المدى منا نحن الأميركان أو من الإنكليز.

    تسليح الجيش العراقي

    على أي حال كان نوري يشعر بأن الدفاع الفعال عن الشرق الأوسط يتطلب أن يجهز الجيش العراقي بنفس الأسلحة التي جهزت بها تركيا والباكستان (وفي هذه الإشارة العابرة من نوري عن الأسلحة التركية والباكستانية كان واضحاً أنه يعرف بعض الشيء عن مساعدات الولايات المتحدة لكل من تركيا والباكستان).
    في اليوم التالي مباشرة، وبطلب من نوري زرته، مع العقيد فان أومر رئيس بعثة المساعدات الأميركية. وكان نوري رشيقاً في تلاعبه بالأسئلة مع العقيد، فقد أراد أن يعرف التوصيات التي أرسلها إلى واشنطن عن حاجات العراق وما هو نوع التجهيزات التي ستشتمل عليها الشحنات الأولى، وكيف يجري العمل بأسلوب الحصول على الأسلحة من خارج الولايات المتحدة (والتي بموجبها اشترينا أسلحة من الإنكليز لنعطيها للعراق) وماذا كانت تحصل عليها الباكستان من معدات وأسلحة. وبدا أنه كان مقتنعاً بالأجوبة التي كانت تعطى له.
    ثم أراد أن يبحث في موضوع الدفاع عن المنطقة بصورة عامة. وكان يرى بأن الأمور الأساسية اللازمة لأمن الشرق الأوسط ضد الاعتداء السوفياتي تتم بتأمين سيل منتظم من الأسلحة الحديثة مع دوامها وتأمين احتياطاتها، وذلك في المنطقة الممتدة من القفقاس إلى خليج فارس. وهذا التحديد مع أنه بدا مقتضباً، فقد شمل كل شيء. ومن ضمن ذلك المساواة في المعاملة، فقد كان التأكيد من أن العراق سيعامل على قدم المساواة مع تركيا والباكستان.
    وبعد أن انتهى البحث في هذا الموضوع كان نوري مستعداً للاسترخاء والانشغال بمحاورة خفيفة الظل. فسأل العقيد عما كان يفعله قبل قدومه إلى بغداد، وحين علم أنه كان في اليونان يعمل مع بعثة مساعدات عسكرية أيضاً سأله عن تجاربه هناك، وطلب رأيه بالجيش اليوناني. فامتدح العقيد الجندي اليوناني. وكان نوري يصغي بأدب مع بعض التفكه، وحين أنهى العقيد حديثه علق وهو يغمز تلك الغمزة المميزة المعروفة عنه حينما يكون منشرح النفس، وقال: إن هذا أمر مثير للاهتمام، فقد تبدل الزمان فعلاً، لأننا كنا في أيامنا السابقة في حرب البلقان نخشى البلغاريين ولم نكن نخشى اليونانيين بتاتاً.

    تمهيدات لحلف بغداد

    موضوع الدفاع عن الشرق الأوسط ضد العدوان الخارجي كان أمراً يشغل بال واشنطن لعدة سنوات قبل تعييني في العراق. وكان وزير الخارجية داليس يعطي هذا الموضوع حقه من التفكير، فقد تحرى مع قادة العالم الحر الآخرين مبدئياً إمكان تأسيس قيادة للشرق الأوسط مع منظمة للدفاع عنه. ومن بين البلاد العربية كان على مصر أن تلعب دوراً أساسياً في مثل هذه المنظمة. ففي آذار (مارس) 1953 قام الوزير فوستر داليس وهارولد ستاسن الذي كان مديراً للأمن المتبادل، بجولة استطلاعية شملت أحد عشر بلداً ومنطقة تمتد من منطقة البحر المتوسط الأوروبية إلى حدود الصين وآسيا. وحين بدآ بجولتهما ظهر سلفاً بأن مصر أو أي بلد عربي آخر ليس شديد الاهتمام بفكرة منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط، ومع ذلك فقد توقف الرجلان في سفرتهما في كل من مصر وسورية والأردن والعراق والعربية السعودية وليبيا وإسرائيل واليونان وتركيا والباكستان والهند.

    يتبــــع الحلقة الخامسة 5

  5. #5
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc

    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي

    TODAY - March 13, 2011
    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي
    السعيد يفشل مع عبد الناصر ويحصل على تطمينات تركية
    الحلقة الخامسة 5

    ولدمار جـ. غلمن waldemar J. Gallman هو آخر سفير أميركي في العراق الملكي عاصر وسجل مذكرات عن الأعوام الأربعة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي المخضرم نوري السعيد، وكان شاهدا على الإطاحة بالنظام الملكي، يراقب لحظاته الأخيرة عام 1958.
    صدر كتاب غلمن بالانجليزية عام 1964 عن جامعة جون هوبكنز تحت عنوان "العراق تحت حكم الجنرال نوري". وهو يقدم صورة عن طريقة أميركا في التعامل مع عراق نوري السعيد "وديمقراطيته" التي لم يكتب لها النضج. وحرصنا على إعادة نشره خلال سنة حاسمة يفترض ان تشهد انسحاب أميركا العسكري من عراق يحاول ثانية بناء "ديمقراطية ناشئة".
    السفير المتوفى عام 1980، كتب انطباعات تجاوزت البروتوكول الدبلوماسي لتعرض صورا عن الحياة السياسية التي رآها في بغداد، فيما سجل الكثير من خصوصيات نوري السعيد وطريقة حياته وحتى ولعه بتربية الطيور في حديقة مطلة على دجلة.
    وهو يقدر كثيرا "لباقة" نوري ومزجه للسياسة بالظرف. وكان السفير يدعو لرئيس الحكومة يوما بالشفاء من زكام، لكن نوري قال له: اخلط دعاءك بقليل من المدفعية الأميركية التي يحتاجها جيشنا.
    ولا يخفي السفير موقفه "العدائي" لثورة 1958، بل إنه يصفها بلغة لا تخلو من قسوة. لكنه كان قاسيا ايضا على العهد الملكي خاصة خلال وصفه لكيفية تنظيم الانتخابات المتتالية بسرعة أحيانا و"مؤامرات" القصر وموقف نوري من معارضيه.
    وهو يبرع كذلك في وصف ظروف الحرب الباردة بين الشرق والغرب وكيف كان العراق يحاول ان يجد طريقه وسط الحالة الشائكة. ويصف صراعا أميركيا بريطانيا داخل بغداد، كما يتساءل: هل خذلنا نوري حليفنا القوي في المنطقة؟
    وفي الكتاب وصف للعراق ربما كان صالحا للاستخدام حتى هذه اللحظة. ويقول السفير ان وزارة خارجيته كانت تقول ان العراق مؤثر جدا في المنطقة، لكن علاقات الحكومة مع شعبها ومع جيرانها تنطوي على مشاكل كبيرة!
    في 1 حزيران (يونيو) سنة 1953، أي بعد عودة داليس بمدة قصيرة، شرح الوزير انطباعاته في خطاب بالتلفزيون للأمة الأميركية بالاستنتاجات التالية:
    ان منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط هي فكرة للمستقبل أكثر منها فكرة ممكنة التحقيق فوراً، فإن الكثير من بلدان الجامعة العربية مشتبكة في نزاعاتها مع إسرائيل أو مع بريطانيا العظمى أو فرنسا، ولذلك لا تبدي اهتماماً بخطر الشيوعية السوفياتية، وعلى اي حال فهناك اهتمام أكثر في البلدان القريبة من الاتحاد السوفياتي وبصورة عامة نجد أن بلدان النطاق الشمالي تدرك هذا الخطر.
    وتوجد رغبة غامضة في قيام منظمة للأمن الجماعي، ولكن ينبغي أن لا تفرض مثل هذه المنظمة من الخارج، بل ينبغي لها أن تنمو وتزداد الرغبة لها من الداخل بدافع المصير المشترك والخطر العام.
    وبينما تنتظر الحكومة الأميركية تأسيس منظمة الأمن لهذه المنطقة فإنها تستطيع أثناء ذلك أن تساعد في تقوية الدفاع المشترك لتلك البلدان التي ترغب بتقوية نفسها، لا أحدها ضد الآخر أو ضد الغرب، ولكن لتقاوم التهديد المشترك لكافة الشعوب الحرة.
    هكذا انتهى حلم منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط واستعيض عنها بفكرة النطاق الشمالي، الذي عرف فيما بعد "بميثاق بغداد".

    محادثات سرسنك

    كان للشؤون الخارجية القسط الأوفر في المنهاج الذي أعلنه نوري يوم 4 آب (أغسطس) 1954 يوم عودته لتسلم الحكم. فقد كان يتابع عن كثب الاتفاقية التركية الباكستانية المعقودة يوم 2 نيسان (أبريل) 1954، والاتفاق التمهيدي الذي عقد بين بريطانيا ومصر في ما يتعلق بقاعدة قناة السويس بتاريخ 27 تموز (يوليو) 1954. كما تطلع إلى استبدال المعاهدة البريطانية العراقية المعقودة بتاريخ 30 حزيران (يونيو) 1930 بتسوية عريضة بين الدول المهتمة بالدفاع عن المنطقة. وهنالك دلائل أخرى كانت تشير إلى أن جزءاً كبيراً من تفكير نوري وجهوده أثناء رئاسته الثالثة عشرة للوزارة كانت ستبذل لموضوع علاقات العراق مع جاراته ومع الغرب.
    وبعد استلام نوري الحكم ببضعة أيام أعلنت وزارة الخارجية بأن الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومي المصري سيصل إلى بغداد يوم 13 آب (أغسطس) بزيارة لمدة خمسة أيام. وستكون معه جماعة من عشرين شخصاً، وبان الجماعة سيزورون الملك فيصل وولي العهد الأمير عبد الإله في بيتهما الصيفي في "سرسنك" في شمال العراق. وانهم يعودون إلى بغداد بعد يومين أو ثلاثة.
    وكان قد تم التوقيع على المعاهدة البريطانية المصرية في ما يتعلق بالسويس يوم 27 تموز (يوليو)، وربما كان هذا هو الدافع الذي دفع مصر لأن تقترح عقد الاجتماع لبحث العلاقات العربية. أما كيف عرض المصريون موضوع الزيارة للعراقيين فذلك أمر غير واضح. ولكن وزارة الخارجية العراقية أعلنت وقت وصول صلاح سالم بأن نوري سيستغل هذه المناسبة ليستعرض السياسة الخارجية للعراق "وليس السياسة العربية".
    وقد حضر نوري المباحثات في سرسنك كما اتصل بجماعة سالم في بغداد بعدها. وقد كان البيان المشترك يشير إلى أن المباحثات اتسمت "بالصراحة" و"الروح الأخوية"، وتم التوصل إلى "التعاون العربي" وأوضاع العرب في "القضايا الدولية". ولم يتطرق أحد إلى تفاصيل أكثر من هذا، كما أن صلاح سالم في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد صدور البيان المشترك لم يوضح أكثر من ذلك. فقد سأله الصحفيون عن نوع المباحثات التي جرى البحث فيها مع نوري إلا انه اعتذر عن الإجابة، وقال: إنه لا يمكن إضافة شيء إلا بعد إجراء مباحثات أخرى مع زعماء عرب آخرين، ولكن خلاصة المباحثات كما أوضحتها وزارة الخارجية كشفت بأن المصريين يناوئون الاتفاقية التركية الباكستانية الإيرانية، أو أية اتفاقيات مشتركة تستند على الباكستان كأساس.
    وكانت وجهة نظر المصريين هي أن الباكستان لا توجد لها رابطة عامة تربطها بأية دولة عربية عسكرياً أو جغرافياً. وسأل المصريون نوري إذا كان لديه اقتراح آخر حول الموضوع، اقترح اعتماد ميثاق الضمان الجماعي العربي على أساس المادة 51 من ميثاق هيئة الأمم، فيستعمل هذا الميثاق كقاعدة لميثاق دفاعي تكون العضوية فيه مفتوحة للدول غير العربية: كتركيا، وإيران، والباكستان، وبريطانيا، والولايات المتحدة. وذكر نوري بأن المصريين رحبوا بهذا الاقتراح.
    والقى نوري ضوءاً آخر على محادثات سرسنك في خطاب ألقاه في مجلس النواب يو 6 شباط (فبراير) من السنة التالية حين استعرض الرسائل المتبادلة التي سبقت إعلان دخول تركيا والعراق في ميثاق أمن متبادل، وبين في ذلك الخطاب أن الاتفاق قد تم على النقاط التالية:
    1 - يفكر كلا الفريقين في تقوية ميثاق الضمان الجماعي.
    2 - يتعاون الفريقان في مكافحة المبادئ الهدامة، وأن على مصر أن تقوم بإرسال بعثة إلى بغداد لتبادل المعلومات مع الخبراء العراقيين حول الموضوع.
    3 - وكذلك تم الاتفاق على التفكير بإعادة تنظيم السكرتارية العامة للجامعة العربية.
    4 - وأن يتبادل رئيسا أركان الجيش في البلدين الزيارات.
    5 - وبقصد رفع مستوى المعيشة يجري تبادل المعلومات في الشؤون الاقتصادي والثقافية والاجتماعية.
    ولا يعرف فيما إذا كان سالم وجماعته متحسمين حقاً لخطة نوري في توسيع ميثاق الضمان الجماعي، أم ان نوري لشدة حماسته في الموضوع استنتج أكثر مما يلزم من تقبلهم آراءه بأدب، ولكن اتضح لنوري عند عودة سالم للقاهرة بأن ناصر لن يفعل شيئاً من هذا القبيل.
    في أيلول (سبتمبر) سافر نوري ثانية إلى لندن لأسباب صحية، وربما لجس النبض حول إمكان إنهاء معاهدة سنة 1930 البريطانية، وقرر أن يتوقف في القاهرة ليرى عبد الناصر، وان يتوقف عند عودته إلى بغداد في استانبول ليرى رئيس الوزراء مندريس ويبحث معه في دفاع المنطقة. وفي مباحثاته مع عبد الناصر ظن نوري بأن عبد الناصر سيسنده، واعتقد بأن قرب العراق من حدود الاتحاد السوفياتي يجعل ناصر موافقاً على إجراءات العراق حول تدابير أمنه المتبادل، ولو خارج النطاق العربي إذا اقتضت الضرورة، ليشمل تركيا وإيران وبريطانيا والولايات المتحدة. وقد اعتبر نوري بأن اتفاقاً كهذا يمكن مقارنته بالاتفاق المصري – البريطاني حول قاعدة السويس، ذلك الاتفاق الذي خول بريطانيا إعادة احتلالها قاعدة القناة في حال وقوع هجوم سوفياتي على تركيا. ولكن اتضح في النهاية أنه لم يكن يوجد توافق في الرأي حتى على هذا الأساس. أما محادثات نوري مع مندريس فقد اتجهت اتجاهاً أفضل وأسعد.

    محادثات نوري – مندريس

    في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954 وبعد عودة نوري ببضعة أيام من استانبول، قابله مراسل "الصندي تايمس". وفي يوم 2 تشرين الثاني (نوفمبر) نقلت الصحف العراقية على لسان نوري بأنه قال لذلك المراسل:
    "إننا لسنا أقوياء بدرجة نستطيع معها مساعدة الآخرين، ولكننا نحاول أن نجد الوسائل لنوفق سياستنا الخارجية مع بنود الميثاق التركي الباكستاني. وكل ما نستطيع عمله في الوقت الحاضر هو تنظيم الدفاع عن العراق بالتعاون مع الدول المجاورة".
    ولحسن الحظ استطاعت سفارتنا في بغداد أن تحصل على تفاصيل محادثات استانبول بنفس الوقت الذي ادلى به نوري السعيد بحديثه الآنف الذكر. كما أن نوري السعيد نفسه تكرم فزود السفارة بموجز لتلك المحادثات، وخلاصتها أنها تبدأ بملاحظة وضع العراق في نطاق أمن الشرق الأوسط، وتقول إن أمن العراق يرتبط بأمن كل من تركيا وإيران، وان الاتفاقية المصرية مع المملكة المتحدة المتعلقة بقاعدة السويس التي تستهدف صد العدوان على الدول العربية أو تركيا تعني بأن مصر هي أيضاً في طريقها للتعاون مع تركيا. والواقع أن نوري ألح مراراً على دول الجامعة العربية بضرورة تعاونها مع تركيا.
    وفي أثناء زيارته للقاهرة أكد على الموضوع نفسه مع الحكومة المصرية. وكان مسروراً أن مصر تقبلت هذا الاقتراح، وأنه أوضح لها أن أضراراً كثيرة قد تحدث للعراق إذا تأخر في تحقيق التعاون مع تركيا. وجلب الانتباه إلى المنافع التي ستنتج عند اشتراك إيران وسوريا في هذا التعاون، وبأن اشتراك سوريا بحد ذاته سيشجع الدول العربية الأخرى على التعاون مع تركيا.
    وكان مندريس مرتاحاً لسماع هذه الآراء من نوري، وقال بان تركيا تريد أن تبرهن على إخلاصها للدول العربية، وأن تركيا لم تقم بذلك من قبل، لأنها لم تكن تستطيع أن تدرك رد الفعل. وكان من رأي مندريس بان التعاون بين أقطار المنطقة إذا أمكن تحقيقه، فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ستزدادان ميلاً إلى توسيعه. وسره أن يحمل نوري نفس الفكرة


    يتبع الحلقة السادسة 6

  6. #6
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc
    TODAY - March 14, 2011
    «عراق نوري السعيد»: انطباعات «ولدمار غلمن» آخر سفير أميركي في العهد الملكي
    السعيد كان قلقا من نجاح «الشيوعية» و «الصهيونية» في منع تقارب العرب وتركيا
    الحلقة السادسة 6
    ولدمار جـ. غلمن waldemar J. Gallman هو آخر سفير أميركي في العراق الملكي عاصر وسجل مذكرات عن الأعوام الأربعة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي المخضرم نوري السعيد، وكان شاهدا على الإطاحة بالنظام الملكي، يراقب لحظاته الأخيرة عام 1958.
    صدر كتاب غلمن بالانجليزية عام 1964 عن جامعة جون هوبكنز تحت عنوان "العراق تحت حكم الجنرال نوري". وهو يقدم صورة عن طريقة أميركا في التعامل مع عراق نوري السعيد "وديمقراطيته" التي لم يكتب لها النضج. وحرصنا على إعادة نشره خلال سنة حاسمة يفترض ان تشهد انسحاب أميركا العسكري من عراق يحاول ثانية بناء "ديمقراطية ناشئة".
    السفير المتوفى عام 1980، كتب انطباعات تجاوزت البروتوكول الدبلوماسي لتعرض صورا عن الحياة السياسية التي رآها في بغداد، فيما سجل الكثير من خصوصيات نوري السعيد وطريقة حياته وحتى ولعه بتربية الطيور في حديقة مطلة على دجلة.
    وهو يقدر كثيرا "لباقة" نوري ومزجه للسياسة بالظرف. وكان السفير يدعو لرئيس الحكومة يوما بالشفاء من زكام، لكن نوري قال له: اخلط دعاءك بقليل من المدفعية الأميركية التي يحتاجها جيشنا.
    ولا يخفي السفير موقفه "العدائي" لثورة 1958، بل إنه يصفها بلغة لا تخلو من قسوة. لكنه كان قاسيا ايضا على العهد الملكي خاصة خلال وصفه لكيفية تنظيم الانتخابات المتتالية بسرعة أحيانا و"مؤامرات" القصر وموقف نوري من معارضيه.
    وهو يبرع كذلك في وصف ظروف الحرب الباردة بين الشرق والغرب وكيف كان العراق يحاول ان يجد طريقه وسط الحالة الشائكة. ويصف صراعا أميركيا بريطانيا داخل بغداد، كما يتساءل: هل خذلنا نوري حليفنا القوي في المنطقة؟
    وفي الكتاب وصف للعراق ربما كان صالحا للاستخدام حتى هذه اللحظة. ويقول السفير ان وزارة خارجيته كانت تقول ان العراق مؤثر جدا في المنطقة، لكن علاقات الحكومة مع شعبها ومع جيرانها تنطوي على مشاكل كبيرة!
    والنقاط التي اتفق عليها كل من نوري ومندريس دونت كما يلي:
    1- ان سلامة تركيا والعراق تتطلبان إنشاء تعاون مع جيرانهما: وأن أحسن حل لذلك يتم باشتراك جميع الدول العربية مع إيران والباكستان.
    2- وأن المحاولات ستبذل أثناء المحادثات التي كانت كل من تركيا والعراق مصرة على إجرائها مع مصر، وأن تسعى الدولتان لإشراك مصر بهذه المجموعة.
    3- يستمر الاتصال بين تركيا والعراق على أمل ترتيب محادثات مع سوريا وإيران والباكستان.
    4- أوضح نوري بأن دور العراق في الخطة الدفاعية سيكون:
    (أ) حماية الممرات الشرقية ضد الهجمات البرية المعادية.
    (ب) حماية آبار النفط ضد الغارات الجوية والذرية.
    (جـ) تسهيل وتأمين وصول المساعدات المتجهة لتركيا عن طريق العراق.
    5- كما أوضح نوري لمندريس بأنه يجب اتخاذ التدابير ضد الدعايات الشيوعية والصهيونية التي تستهدف منع التقارب بين البلاد العربية وتركيا. فوافق مندريس على هذا، واضاف بأن التدابير التي سبق أن اتخذت، ولاسيما في العراق ومصر، قد سببت ارتياحاً عظيماً في تركيا.
    6- واخيراً تم الاتفاق على ضرورة المساعدات المتبادلة في الحقل الاقتصادي بصورة أكثر فاعلية مما جاء بالاتفاقية السابقة حول التعاون الاقتصادي والثقافي المعقودة سنة 1946.
    ومن الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من محادثات تشرين الأول (أكتوبر) مع مندريس كما رواها نوري، تبديد مخاوفه السابقة من وجود نوايا غير ملائمة من جانب تركيا. ومع أن خطته للعمل في المستقبل لم تكمل بتفاصيلها، فإن الاتفاق مع تركيا كان في دور الإعداد.
    ومع ان نوري كان يذكر الصهيونية والشيوعية معاً، إلا أنه كان يعتبر أن التهديد السوفياتي أعظم خطراً واقرب وقوعاً. وقد سمع عنه انه قال ان خمساً وتسعين بالمئة من الرأي العراقي العام يعتبر خطر إسرائيل أعظم من خطر الاتحاد السوفياتي، ومع ذلك وقف هو مع الأقلية التي لا ترى ذلك، وفي هذا كما في شؤون أخرى كانت لنوري الشجاعة للتمسك برأيه.
    وفي بيانه الذي نشره في 4 آب (أغسطس)، ذكر نوري الميثاق التركي الباكستاني والاتفاق التمهيدي البريطاني المصري والمعاهدة البريطانية العراقية لسنة 1930 حسب الترتيب السابق. فالاتفاق التركي الباكستاني شجع نوري ليتبادل الرأي مع مندريس، واعتبر ان الاتفاق الإنكليزي المصري كما ظهر من خلاصة محادثاته مع مندريس كان عاملاً مشجعاً على اتصاله بتركيا لصالح الدفاع عن المنطقة. ولما كانت مصر في طريقها لرسم علاقاتها مع بريطانيا على أسس واقعية، فقد شعر نوري أن الوقت قد حان للعراق أن يقوم بالعمل نفسه، فأعلن في 15 أيلول (سبتمبر) أمام مجلس الأمة بأن حكومته ستنهي المعاهدة مع بريطانيا تمهيداً لانتهاء مفعولها في سنة 1957. وقد وعد بأن يخبر مجلس الأمة في شباط (فبراير) أو في آذار (مارس) على الأكثر كيفية إنجاز ذلك وعن كيفية رسم العلاقات المستقبلة مع المملكة المتحدة.
    وبعد هذا الخطاب بمدة قصيرة أدلى نوري بأقوال أكثر تفصيلاً أمام لجنة الشؤون المالية في مجلس الأمة، فقال ان المملكة البريطانية أحيطت علماً بأن العراق لا ينوي تجديد معاهدة 1930، وأن العراق لا ينوي استبدالها بمعاهدة مشتركة، كما جرت العادة قبل الحرب العالمية الأولى، كما أن العراق سيسترشد بالمادتين 51، 52 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة في أية مفاوضات يجريها، لما تشتملان عليه من مبادئ الدفاع وإدامة السلام، وكما تقوم به الدول المستقلة في انحاء العالم. وبنفس الوقت سيهتم العراق بسلامة الأقطار المجاورة كتركيا وإيران، لأن سلامتهما تنطوي على سلامة العراق والعكس بالعكس. وكذلك على العراق أن يأخذ بنظر الاعتبار ميثاق الضمان الجماعي العربي بسبب تهديد إسرائيل للبلدان العربية. ولكن على اي حال لن يلتزم العراق بالتزامات أو مسؤوليات خارج حدوده إلا لمقتضيات ميثاق الضمان العربي.
    المعاهدة موضوع البحث هذا كانت تعرف بمعاهدة "التحالف والصداقة". وقد وقع عليها في سنة 1930 واشترط فيها ان تنفذ اعتباراً من تاريخ دخول العراق عصبة الأمم، وأن تبقى نافذة المفعول لمدة خمس وعشرين سنة. وقد صار العراق عضواً في العصبة بتاريخ 3 تشرين الأول (أكتوبر) 1932، ولذلك فإن مفعول المعاهدة ينتهي في خريف 1957. ومع أن هذه المعاهدة اشترطت دخول العراق عصبة الأمم وإنهاء الانتداب البريطاني، فإن الرأي العراقي العام لم يكن راضياً عنها. والعراقيون كانوا يستنكرون احتفاظ بريطانيا بقاعدتين جويتين في الحبانية والشعيبة، وحق استعمال المواصلات العراقية لنقل قطعاتها وأسلحتها عبر أراضي العراق. وكانوا يعتبرون هذه الشروط ماسة بلسطانهم. ونوري الذي يتحسس معنى ذلك، اعتبر عند عودته في آب (أغسطس) 1954 بأن الوقت حان لتبديل الوضع. وكان يشعر بأن المعاهدتين الموقعتين بين تركيا والباكستان وبين مصر وبريطانيا في أوائل تلك السنة، قد مهدتا الطريق لذلك.
    هذه التطورات في ميدان الأمن الجماعي تلاها في اوائل كانون الأول (ديسمبر) تصريح بان مندريس سيزور بغداد في كانون الثاني (يناير) 1955، للاستمرار بالمحادثات التي بدأت مع نوري في استانبول خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر). وبين سماعي بذلك ووصول مندريس يوم 6 كانون الثاني (يناير) أجريت ثلاث مقابلات مع نوري، انحصرت كلها تقريباً في موضوع الأمن. وقد أردت أن أحصل منه على فكرة واضحة وتامة على قدر الإمكان عن آرائه، قبل وصول مندريس.
    في المحادثة الأولى أكد نوري أنه وجد أن العمل مع الباكستانيين مرضياً كالعمل مع الأتراك، الذين خبرهم نوري لمدة طويلة. وواضح ان الاتراك والباكستانيين كانا على قدم المساواة في التخطيط. وأكد نوري أن مندريس سيصل إلى بغداد في الأسبوع الأول من كانون الثاني (يناير)، وبعد زيارته لبغداد سيذهب إلى القاهرة، وهذه خطوة معقولة لأن مندريس سيكون الرجل المناسب الذي يعطي عبد الناصر "الدفعة" الضرورية نحو التعاون في التصميم. وكان نوري يأمل أن يقوم الملك فيصل بزيارة مصر بعد مندريس، ويقوم بإعطاء عبد الناصر الدفعة الثانية في ذلك الاتجاه.
    ولدى سؤاله عما يرى من تأثير على العلاقات بين العراق والدول العربية في حالة توقيع العراق على الميثاق مع دول غير عربية، أجاب نوري أنه لن يتردد في عقد مثل ذلك الاتفاق، لأن عدة دول عربية سبق لها أن صارت طرفاً في مثل تلك الاتفاقية. وضرب مثلاً بالأردن والعربية السعودية. وفيما يتعلق بالأردن كان يقصد معاهدة التحالف المعقودة بين بريطانيا والأردن في 15 آذار (مارس) 1948، وفيما يتعلق بالعربية السعودية كان يقصد اتفاق 18 حزيران (يونيو) 1951 والاتفاقيات التي تلتها مع الولايات المتحدة. حول استخدام مطار الظهران والمساعدات العسكرية.
    وفي محادثتي الثانية مع نوري حول موضوع زيارة مندريس لم أجده متفائلاً باتفاقية كانون الثاني (يناير). فهناك الكثير من الأسئلة التي تتطلب إيضاحاً. وبالاختصار كان نوري راغباً في عقد ميثاق للمنطقة يستند على المادتين 51، 52 من ميثاق هيئة الأمم، ولكن كان عليه قبل ذلك أن يعرف مدى استعداد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتوسيع التزاماتهما بميثاق شمال الأطلسي، التي كانت تشمل تركيا، ولكن ماذا سيكون شأن العراق؟
    وفي محادثتي هذه معه، عبر عن قلقه العميق بشأن الفراغ الموجود في الشمال بين تركيا والباكستان. وكان يتمنى أن يكون حراً ليفعل شيئاً بشأنه. وكان متردداً بالدخول باتفاق مع تركيا ما لم تكن كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة طرفين فيه. وكان يخشى من رد فعل مصري فيما إذا اقدم العراق وحده على توقيع اتفاق مع تركيا. وكان منزعجاً للوضع السياسي في سوريا بسبب الدعايات اليسارية والاستفزازات، وكان يقول إنه يحتاج لمزيد من الوقت ليفكر ويصمم.
    وفي محادثتي الثالثة مع نوري في الاستعداد لزيارة مندريس بحثنا في احتياجات الجيش العراقي. وقد قلت لنوري بأنا نشعر بان العراق يستطيع الاحتفاظ بجيش بحجمه الحالي، وربما بحجم أكبر، ويغذيه من منابعه الخاصة. وقد اتفقنا بأن النفقات الإضافية اللازمة لأي توسع كبير في الجيش لابد أن تؤمن من المبالغ المرصدة لمنهاج الإعمار. ومثل هذا التدبير يعطل ذلك المنهاج، وهو أمر نأسف له بقدر ما يأسف له نوري. ولذلك فقد كنا نستعرض الاحتياجات الآتية للجيش العراقي مع البريطانيين، لنعرف ما نستطيع تأمينه له بواسطة مشترياتنا الخارجية من المملكة المتحدة. وقلت له أنني آمل أن استطيع إعطاءه صورة عن الموقف قبل مرور وقت طويل، وأن اي قرار حول مبلغ المعونة سيتأثر بما سينجز من الأعمال في الترتيبات الدفاعية عن المنطقة، وبقدر المدى الذي يستطاع فيه جعل المواصلات المحلية مفيدة لدفاع العالم الحر بصورة عامة.
    ولم يناقش نوري قولي، فقد كان يعرف القواعد التي وضعناها، وكان يحملها في فكره. أما اعتقاد نوري بأننا كنا نشاركه في عقيدته، فهذا ما سنراه ونناقشه في فصل قادم.
    يتبــــــــــــــــــع الحلقة السابعة 7

  7. #7
    صديق جديد
    تاريخ التسجيل: September-2011
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 1 المواضيع: 0
    التقييم: 1
    آخر نشاط: 10/July/2012
    الله بالخير اذا متصير زحمه الكتاب الي ماخذين منه المقال اني لكيت باللغه الانكليزيه وكطعت الانترنيت ردت احصله وما كدرت النسخ الي موجوده كلها hardcopyاي كتب مو كتاب الكتروني واتسال اذا عدكم نسخه من الكتاب او اي شي ترسلوها لي من اجل ان اطلع عليها ومع تحياتي وشكري لكم

  8. #8
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة elaph مشاهدة المشاركة
    الله بالخير اذا متصير زحمه الكتاب الي ماخذين منه المقال اني لكيت باللغه الانكليزيه وكطعت الانترنيت ردت احصله وما كدرت النسخ الي موجوده كلها hardcopyاي كتب مو كتاب الكتروني واتسال اذا عدكم نسخه من الكتاب او اي شي ترسلوها لي من اجل ان اطلع عليها ومع تحياتي وشكري لكم
    اهلا ايلاف.. عزيزتي لا نملك الكتاب ولكن هذه المقالات مأخوذة من احدى الصحف العراقية "العالم" واذا تحبين نستمر بتنزيلها على شكل حلقات حتى تستفادين منها! تدللين.. نورتِ :)

  9. #9
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 2,139 المواضيع: 145
    صوتيات: 12 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1476
    ساااااالي ليش قطعتي سلسلة الحلقات....
    يلا كمليها حبابة وعاشت ايدج وياها تقيم

  10. #10
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Salyut مشاهدة المشاركة
    ساااااالي ليش قطعتي سلسلة الحلقات....
    يلا كمليها حبابة وعاشت ايدج وياها تقيم
    اكيد لانشغالي! اسفة جدا ساليوت لان قطعت تنزيلها وان شاء الله ارجع اكملها :))

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال