TODAY - August 17, 2010
إدارة المالكي المعصومة
احمد هاشم الحبوبي
في صحوة موت لمجلس النواب السابق، ونتيجة لضغط جماهيري (حسبما أعْلِنَ حينها)، باشر مجلس النواب باستجواب بعض الوزراء والمسؤولين الكبار للوقوف على أسباب تردي الخدمات التي تقدمها دوائرهم. وكان ابرز تلك الاستجوابات هو استجواب وزير التجارة السابق السيد عبد الفلاح السوداني القيادي في احد أجنحة حزب الدعوة التي لا استطيع التمييز بينها لأني اجهل الفرق بينها. وبسبب التردي الفعلي في أداء وزارة التجارة وتأثير ذلك على الحصة التموينية التي تشكل أساس لقمة عيش ذوي الدخل المنخفض، واستغلال عائلة الوزير وأقربائه وإثرائهم بسبب قرابتهم له، وعجز الوزير عن دفع أي من التهم التي وجهت إليه، لذا قرر مجلس النواب ان يُقيلَ الوزير من منصبه، وكان قاب قوسين أو أدنى ان ينفذ قراره لولا تدخل رئيس الوزراء السيد نوري المالكي ومطالبته الوزير بتقديم استقالته ليجنبه الإقالة.
وهذا أمر محير وعصي على الفهم، فحين كان يُسْأَلُ المالكي عن سبب تردي أداء وزارته، كان يرد انه لم يكن له حول في اختيار وزرائه ولا قوة، وانهم فرضوا عليه بموجب نظام المحاصصة (الذي أتقنه سياسيونا ولكنهم، للأسف، لم يتقنوا إدارة نظام الحصة التموينية إلى يومنا هذا). وحين اختار البرلمان الاستمرار باستجواب الوزراء، وُضِعَت العديد من العراقيل بوجهه، وواصل "اللوبي" المسيطر على مقادير السلطة الوقوف بالمرصاد لكل الاستجوابات ووصفوها بأنها مؤامرة غرضها الإساءة لطرف محدد في الحكومة ولرئيس الحكومة بالذات. ووصل الأمر بهم إلى حد الدفاع عن المفوضية العليا للانتخابات ممثلة برئيسها السيد فرج الحيدري، ليعود المالكي ويتهمها بالتزوير لصالح خصومه حين لم يحقق الأكثرية التي كان يطمح إليها. وقد كرر اتهامه هذا أكثر من مرة.
وعاد اللوبي ليكرر نفس التهمة حين تظاهر الناس في عدة محافظات احتجاجا على انقطاع التيار الكهربائي في حزيران الماضي، وصُنّفَت تلك المظاهرات على انها محاولة لإثارة الشغب والإساءة للحكومة، وان هناك جهة معينة [كان يقصد بها التيار الصدري] تريد إحراج المالكي وائتلاف دولة القانون والضغط عليهم. وخرج المالكي مطالبا الناس بترشيد استهلاك الكهرباء عبر عدم تشغيل المكيفات في بلد تراوح فيه الحرارة صيفا حول الخمسين درجة مئوية صعودا ونزولا. ولست ادري إذا كان هناك أحد من الطبقة السياسية يتبع هذا الترشيد.
وفي التاسع من هذا الشهر اعتصمت نحو مئة امرأة أمام مبنى مجلس النواب يمثلن منظمات المجتمع المدني، والحركات النسوية للمطالبة بالإسراع بتشكيل الحكومة ونقلت الوكالة الإخبارية للأنباء عن رئيسة رابطة المرأة العراقية سهيلة الاعسم قولها: ان عدداً من منظمات المجتمع المدني التي تهتم بشؤون النساء اعتصمن أمام مبنى مجلس النواب للمطالبة بالإسراع في تشكيل الحكومة. ورفع عدد من منظمات المجتمع المدني في بغداد دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية بسبب ما وصفوه بتقاعس البرلمان عن أداء مهامه الموكلة إليه حسب الدستور. وجاء رد "اللوبي" سريعا وجاهزا على لسان السيد عبد الهادي الحساني الذي صرح (للوكالة الإخبارية للأنباء) قائلا: ان جميع التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات التي تحصل في هذا الوقت هي مسيسة ومن ضمنها الاعتصام النسوي.
ان إدارة المالكي باتت مسكونة بهاجس المؤامرة منذ تفجيرات التاسع عشر من آب 2009 الإرهابية، وكأنها هي المستهدفة حصرا بتلك التفجيرات الآثمة. وصارت تحكم على أي استياء جماهيري من أدائها على انه مؤامرة تستهدف المالكي حصرا. وهذه أفضل طريقة للتنصل من المسؤولية القانونية والأخلاقية التي يتوجب على إدارة الحكومة ان تتحملها.
جمعني مجلس مع بضعة أناس (أكن لهم كل الاحترام) يؤيدون حزبا بعينه. وتجاذبنا أطراف الحديث في شؤون الوطن وشجونه ثم تساءلتُ؛ كيف وفّقَتْ إدارة النظام السابق في توزيع الحصة التموينية طوال ثلاثة عشر عاما دونما أي تأخير، وكان إذا ما حصل تأخير في فقرة من مكونات البطاقة، فيتم تعويضها في الشهر الذي يليه حتما. وأردفتُ ان النظام السابق نجح في ذلك بجهوده الذاتية رغم محدودية وارداته بسبب الحصار الاقتصادي ورخص أسعار النفط حينها إذا ما قورنت بأسعاره حاليا. بينما لم تنجح الحكومة الحالية في توزيع حصة تموينية متكاملة منذ سقوط النظام إلى يومنا هذا. فانبرى لي احدهم محتدا: "لقد كنتم لا تعرفون طعم الموز والبيبسي والثلاجة الجديدة أيام النظام السابق، ورغم ذلك أنت تجرؤ على انتقاد الحكومة الحالية وامتداح النظام السابق. وأردف قائلا: انني لا اسمح بذكر النظام السابق في هذا المجلس".
لم أجد فرقا بين ما قاله محدثي وبين ما ردده الرئيس السابق صدام حسين في أكثر من مناسبة، من ان العراقيين كانوا حفاة قبل ان يأتي هو ويعلّمهم لبس النعال والحذاء. يبدو اننا أمام تكرار ممل لجماعة تعتقد انها مقدّرَةٌ علينا وان المواطن ليس أكثر من صفر على الشمال ليس من حقه الاعتراض. وربما لهذا السبب لم أتجاسر ان اسأل محدثي عن جدوى اقتناء ثلاجة جديدة دون وجود التيار الكهربائي.
رد مع اقتباس
