TODAY - 03 September, 2010
غموض يكتنف تمويل المهمة الأميركية الجديدة في العراق

مظاهر التغيير بادية في كل مكان.. والقادة العسكريون يستخدمون مفردات جديدة
بغداد: غريغ جافي وليلى فاضل*
انتهت الحرب الأميركية في العراق رسميا، رغم أن الغموض لا يزال يكتنف مستقبل هذا البلد. وبدت مظاهر نهاية الوجود الأميركي واضحة في مختلف أرجاء العراق أول من أمس رغم استمرار بقاء قرابة 49 ألف جندي أميركي سيظلون منعزلين داخل قواعد أميركية ضخمة.

من جهته، زار وزير الدفاع روبرت غيتس صباح الأربعاء قاعدة الأسد الجوية، التي ضمت ذات يوم 22 ألف جندي من مشاة البحرية الأميركية، وتعمل الآن بمثابة نقطة انطلاق للطائرات المحملة بالجنود المتجهة إلى أميركا. وتلقى غيتس تساؤلات من الجنود الذين ركزوا في الأسئلة المطروحة على قضايا تقاعده عن العمل والامتيازات الصحية، ولم يتطرقوا للحرب إلا نادرا. وبحلول فترة بعد الظهيرة، كان غيتس وبايدن، نائب الرئيس، يترأسان ما يحتمل أن يمثل آخر تغيير للقيادة في هذه الحرب.

ونجحت الأحداث في تعزيز الرسالة التي وجهها الرئيس أوباما، الثلاثاء، ومفادها أنه حان الوقت للولايات المتحدة كي «تطوي الصفحة» في العراق. والمعروف أن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 أعقبته سلسلة من الإخفاقات الأميركية، مثل الفشل في التخطيط للاحتلال فيما بعد الحرب وفضيحة سجن أبو غريب والاستخدام الشديد للقوة في أغلب الأحيان، الأمر الذي عزز حالة الفوضى والاضطراب التي ألمت بالعراق في أعقاب الإطاحة بصدام حسين.

أثنى غيتس على القوات الأميركية التي حاربت في العراق، لكنه رفض القول ما إذا كان يعتقد أن النتيجة المبهمة التي ترتبت على الحرب كانت تستحق التكاليف التي تكبدتها واشنطن من حيث المال والأرواح. واكتفى غيتس بالقول «أعتقد أن الأمر يستلزم النظر إلى الأمر من وجهة نظر مؤرخ فيما يخص ماذا يحدث هنا على المدى البعيد».

وعكست تعليقات غيتس الحيرة الأميركية بشأن حرب جرى شنها بناء على معلومات استخباراتية معيبة أفادت بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل. وأكد غيتس أن الحرب «ستظل تخيم عليها دوما الكيفية التي بدأت بها».

كما أن نتائج الحرب لم تتضح بصورة قاطعة بعد، فبعد مرور قرابة ستة أشهر على أحدث انتخابات وطنية يشهدها العراق، لا تزال الأحزاب العراقية عاجزة عن تشكيل حكومة ائتلافية. ولا تزال بقايا من حركة التمرد قادرة على شن هجمات مروعة. علاوة على ذلك، يبقى نزاع قائم لم يحسم بعد بين العرب والأكراد حول مدينة كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق، الأمر الذي قد يثير مزيدا من القلاقل.

من ناحيته، قال غيتس: «رجالنا ونساؤنا الذين يرتدون الزي العسكري الرسمي... أنجزوا أمرا فريدا. لكن لم يتضح بعد ثقله الحقيقي خلال الفترة المقبلة».

من ناحية أخرى، بعث مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى برسالة قوية إلى العراقيين، الأربعاء، مفادها أنه سيتعين عليهم الاعتماد على أنفسهم في تسوية مشكلاتهم الداخلية. في هذا السياق، قال الجنرال راي أوديرنو، القائد الأميركي المنتهية ولايته في العراق، خلال احتفال تغيير القيادة في معسكر «كامب فيكتوري»، الذي شكل ذات يوم محورا يعج بالحركة للوجود العسكري الأميركي في العراق: «حان الوقت كي يمضي العراق قدما».

وفي مؤشر على التغييرات القادمة، استغل بايدن احتفال تغيير القيادة للضغط على القيادات العراقية لتسوية حالة التأزم السياسي التي أصابت البلاد بالشلل. وقال: «لقد صوت الشعب العراقي بأعداد غفيرة ويتوقع وجود حكومة تعكس أصواته».

حتى في الوقت الذي ينحسر الوجود العسكري الأميركي في العراق، لا تزال واشنطن مشاركة فيما يعد مجهودا لبناء الدولة هناك، وهو مجهود قال بايدن إن وزارة الخارجية ستتولى قيادته على نحو متزايد، بدلا من المؤسسة العسكرية التي لا تزال تمنى بخسائر في صفوف جنودها. ففي المتوسط، يصاب ما بين 12 و15 جنديا شهريا.

ويتضح تغيير مهمة المؤسسة العسكرية في ألفاظ ونبرة جديدة مرتبكة إلى حد ما بات يستخدمها القادة العسكريون الأميركيون في وصف دورهم الجديد. ففي البيانات الموجزة، مثلا، تخلى القادة عن لفظ «مقاتل» وأصبحوا يشيرون إلى نشاطات قواتهم باعتبارها عمليات «شراكة».

ومن بين أكبر التساؤلات التي تجابه الولايات المتحدة تساؤل حول ما إذا كان الكونغرس سيوقع مشروع قانون يقر جهود إعادة بناء الدولة في العراق بقيادة مدنية. ورغم أن المشرعين اتسموا بالتردد حيال تقليص التمويل الموجه إلى القوات الأميركية المقاتلة، فإنهم يبدون استعدادا أكبر بكثير لقطع المساعدات عن العراقيين. وقد خفض مجلس الشيوخ الميزانية التي طلبتها إدارة أوباما لتدريب وتجهيز الجيش والشرطة العراقيين بقيمة ملياري دولار، إلى النصف.

ومن بين التساؤلات الكبرى الأخرى نمط الوجود الأميركي في العراق بعد نهاية عام 2011، عندما يفترض أن تنسحب جميع القوات الأميركية من البلاد. فمن المحتمل أن تطلب الحكومة العراقية الجديدة من القوات الأميركية البقاء للمعاونة في حماية العراق من جيرانه.

وفي بغداد، أثار تعهد أوباما بـ«طي الصفحة القديمة» ردود فعل مختلطة من العراقيين. مثلا، قال حسين علي من سكان الأعظمية: «ماذا يخلفون وراءهم بخلاف الأرامل واليتامى والفقر والبنية التحتية المدمرة والشهداء وحالة من غياب الحكومة؟». لكن آخرين رحبوا بقرار الانسحاب، ومنهم الطالب عمر أحمد (30 عاما) الذي قال: «يمكننا التعامل مع مشكلاتنا أفضل منهم».
«الشرق الأوسط»