مبدأ التعايُش السلميّ‏ في الفقه الإسلاميّ‏
بقلم‏ سماحة المرجع الديني الكبير آية اللَّه العظمى الدكتور الشيخ فاضل المالكيّ‏( دام ظلّه)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى‏ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏) الممتحنة: 8 و9
المقدّمة
بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة على سيّدنا ونبيّنا محمّدٍ وآله الطاهرين، وصحبه الصالحين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ؛ فهذه رسالة مختصرة في تقرير «مبدأ التعايش السلميّ ؛ في الفقه الإسلاميّ» كتبناها تنويهاً بالروح الإنسانيّة الأصيلة في الإسلام، وتنزيهاً له ممّا نُسب إليه من إلغاء حياة الغير.
وقد جعلناها تقدمةً لبحثٍ أوسع في «القانون الدوليّ الإسلاميّ» المُزمع إصداره لاحقاً - بعونه تعالى - داعين العليّ القدير أن يُعيننا على الدفاع عن دينه الحنيف، والذبّ عن حياض شرعه الشريف، وأن يُوفّقنا لعرض الإسلام العظيم بصورته الغرّاء ؛ النافذة في النفوس، والمالكة للقلوب، وقد جاء في الأثر الشريف:( يسّروا ولا تُعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا) واللَّه المسدّد، وبه الاعتصام.
فاضل المالكيّ 12 ربيع المولد 1424 هـ
تقسيمات المجتمع الإنسانيّ‏
على‏ أساس عقائديّ‏
ينقسم المجتمع البشريّ في نظر الإسلام إلى‏ قسمين:
( 1) المسلم.
( 2) الكافر.
وهذا ينقسم إلى‏ عدّة تقسيمات:
أوّلاً: ينقسم على‏ أساس الكتابيّة وعدمها إلى‏:
1 - الكافر الكتابيّ( وهم اليهود والنصارى‏، وفي حكمهما المجوس، بل والصابئة - على رأي - ولو في الجملة).
2 - الكافر غير الكتابيّ.
ثانياً: ينقسم كلٌّ منهما على‏ أساس الحربيّة وعدمها إلى‏:
1 - الكافر الحربيّ.
2 - الكافر غير الحربيّ.
ثالثاً: ينقسم خصوص الكافر غير الحربيّ من ناحيةٍ حكميّة إلى‏:
1 - الذمّيّ: وهو من ارتبط بالدولة الإسلاميّة برابطة( عقد الذمّة) المنظّم بأحكام فقهيّة مقرّرة في محلّها من كتب الفقه(1).
ويختصّ بالكافر الكتابيّ الّذي يكون بمقتضى‏ الذمّة آمناً في الذات والمتعلّقات ولا يحلّ قتاله، بل ولا إيذاؤه، بل ويكون الذمّيّ بمقتضى‏( عقد الذمّة) مواطناً - بالمصطلح الحديث - يتمتّع بكافّة امتيازات المواطنة الصالحة الّتي يقرّرها التشريع الإسلاميّ لمواطني الدولة الإسلاميّة، وعليه مثلها من الواجبات. وللتفصيل محلٌّ آخر، وسيأتي في أحكام البرّ والقسط في اُخريات بحثنا هذا ما يتّصل بهذا الموضوع.
نعم، لو قام الذمّيّ بخرق شروط عقد الذمّة، فلا ذمّة له.
2 - المعاهد: وهو كلّ من ارتبط بالدولة الإسلاميّة أو المجتمع الإسلاميّ بمعاهدةٍ تقرّر السلام بين الطرفين. ولا يجوز بموجبها خرق ما نصّت عليه المعاهدة من أمن الكافر سواء كان كتابيّاً أم غيره.
وقد عظّم اللَّه تعالى أمر العهد ولزوم الوفاء به في عدّة مواضع من كتابه المبين؛ فقد قال تعالى‏
{ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولاً} (2) ونصّت السنّة النبويّة المطهّرة على‏ وجوب الوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، والمسلم والكافر(
1).
يقول ابن القيّم: ثبت عنه
| أنّه قال لأبي رافع وقد أرسلته إليه قريش، فأراد المقام عنده، وأنّه لا يرجع إليهم، فقال:( إنّي لا أخِيس بالعهد، ولا أحبس البُرُد(2)، ولكن ارجع إلى قومك، فإن كان في نفسك الّذي فيها الآن فارجع). وثبت عنه أنّه ردّ إليهم أبا جندل للعهد الّذي كان بينه وبينهم أن يردّ إليهم من جاءه منهم مسلماً، ولم يردّ النساء، وجاءت سُبيعة الأسلميّة مسلمة، فخرج زوجها في طلبها، فأنزل اللَّه عزّوجلّ:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ }(3) فاستحلفها رسول اللَّه | أنّه لم يُخرجها إلّا الرغبة في الإسلام، وأنّها لم تخرج لحدثٍ أحدثته في قومها، ولا بغضاً لزوجها، فحلفت، فأعطى رسول اللَّه |زوجها مهرها، ولم يردّها عليه. وقال
|:( من كان بينه وبين قومٍ عهد فلا يحلّنّ عقداً، ولا يشدّنّه حتّى يمضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء). قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
ولمّا أسرت قريش حذيفة بن اليمان وأباه أطلقوهما، وعاهدوهما أن لا يقاتلاهم مع رسول اللَّه
|، وكانوا خارجين إلى بدر، فقال رسول اللَّه |:( انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين باللَّه عليهم)(1) وأمر تعالى بالتحلّي بضبط النفس في مواقع القوّة، وكفّها عن نقض العهد المبرم في عهد الضعف أو القوّة الأدون، ونهاهم عن ارتكاب ذلك اغتراراً بتعاظم قوّتهم، قال تعالى:
{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى‏ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}(1). وقال تعالى - مستثنياً من براءة –
{ إلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى‏ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (2). وقال عزّ من قائل: « كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِ
لَا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ » (3). فإذا عمد الطرف المُعاهد إلى نقض عهدهِ ساغ حينئذٍ نبذ عهده إليه ؛ قال تعالى: « وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى‏ سَوَاءٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ »(
4). والخوف هنا بمعنى اليقين بالنبذ من خلال ظهور أماراتهِ الكاشفة عنهُ ؛ نظير قوله تعالى: « وَال
لَاتِيْ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ »(1). ومن الجدير بالذكر ؛ أنّ العُرف الدوليّ قاضٍ بأنّ توقيع الدولة الإسلاميّة على عضويّتها في المؤسّسات والهيئات الدوليّة إمضاءٌ ضمنيّ منها لما تفرضه هذه العضويّة من شروط منها:
الالتزام بأحكام القانون الدوليّ، والعمل بمقرّرات المجامع الدوليّة، والتقيّد بالمعاهدات، وتنفيذ القرارات الجماعيّة الصادرة عن أعضاءالمجتمع الدوليّ في المجالات المختلفة، والّتي تدخل الدولة الإسلاميّة طرفاً فيها.
ذلك أنّ العضويّة الدوليّة نوع تعاهد بين الدول الأعضاء.
نعم، لو لم تستلزم العضويّة ذلك، أو نُصّ على خلافه، فالدولة الإسلاميّة في حِلٍّ منه.
نعم، هنالك أحكام شرعيّة إسلاميّة للقانون الدوليّ الإسلاميّ يجب الاستناد إليها والعمل بموجبها، سواء اصطبغت بصبغة المعاهدة الدوليّة أم لا، كالقسم الإلزاميّ من أحكام البرّ والقسط الآتية في آخر البحث.
وأمّا ما عدا ذلك من القوانين والمقرّرات الدوليّة، فلا مُلزم يُلزم الدولة الإسلاميّة بمقتضاها سوى‏ التعاهد، وبخاصّة تلك القوانين والمقرّرات الّتي وُضعت لصالح القوى الاستكباريّة - كحقّ الفيتو - على حساب مصالح المستضعفين في العالم، ونخصّ بالذكر ما يصادر سيادة أو كرامة أو استقلال الدول المستضعفة، وقد قال تعالى:
{ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }(1). 3 - المستأمِن: وهو كلّ من يتمتّع بأمان المسلمين دولة أو اُمّة، جماعات أو أفراداً، وذلك طبقاً للقاعدة القانونيّة الإسلاميّة القاضية بأنّ المسلمين( يسعى‏ بذمّتهم أدناهم)(
2). بتعبير الحديث الشريف عن الرسول الأعظم
|. يقول ابن القيّم: ثبت عنه
| أنّه قال:( ذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً). وقال
|:( المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يَدٌ على من سواهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، لا يُقتل مؤمنٌ بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ). وثبت عنه
| أنّه قال:( من كان بينه وبين قومٍ عهد فلا يحلّنّ عقدةً ولا يشدّها حتّى يمضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء). وقال:
( من أمّن رجلاً على نفسه فقتله فأنا بري‏ء من القاتل). وفي لفظ:( اُعطي لواء غدر).
وقال:
( لكلّ غادرٍ لواءٌ عند استه يوم القيامة يُعرف به، يُقال: هذه غدرة فلان بن فلان)(1). ثمّ إنّ إبرام الأمان إنشاء قانونيّ عقديّ ثنائيّ( أي ذو طرفين ) أحدهما مسلم والآخر كافر.
وينقسم إلى قسمين:
الأوّل: طويل الأجل شبيه بعقد الإقامة في لغة القانون الدوليّ الخاصّ الحديث كأمان أعضاء السلك الرسوليّ، أو الهيئات الدبلوماسيّة رؤساء وأعضاء وسفراء وغيرهم. فقد رُوي عن النبيّ
| قوله:( إنّ الرُسل لا تُقتل)(1). الثاني: قصير الأجل.
وهو شبيه بتصريح الدخول المؤقّت( الفيزا) أو الإقامة المؤقّتة. وله أمثلة عديدة منها:
الحصانة الدبلوماسيّة
أ: أمان المبعوث الرسوليّ، أو المندوب الدبلوماسيّ، أو الوفد الدوليّ لمهمّة مؤقّتة.
قال ابن هشام(
1): قد كان مسيلمة( الكذّاب) بن حبيب كتب إلى رسول اللَّه|: من مسيلمة رسول اللَّه إلى‏ محمّد رسول اللَّه، سلامٌ عليك، أمّا بعد فإنّي اُشركت في الأمر معك، وإنّ لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكنّ قريشاً قومٌ يعتدون. فقدم رسولان لمسيلمة الكذّاب بهذا الكتاب على رسول اللَّه محمّد
|، فقال | لهما: فما تقولان أنتما ؟ قالا: نقول كما قال. فقال
|: أما واللَّه ! لو لا أنّ الرُسُل لا تُقتل لضربت أعناقكما ! ثمّ كتب
| إلى مسيلمة:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
من محمّد رسول اللَّه إلى مسيلمة الكذّاب: السلام على من اتّبع الهدى.
أمّا بعد ؛ فإنّ الأرض للَّه يُورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين.
وذلك في آخر سنة عشر للهجرة، وكان أبو سفيان ممّن جرى عليه حكم انتقاض العهد ولم يقتله رسول اللَّه
| إذ كان رسول قومه إليه(2). ومن صور هذا الأمان القصير أمان الوفود الّذين تواتروا على رسول اللَّه
| عام تسعة هجريّة(1). ب: أمان المستجير ؛ قال تعالى
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى‏ يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ}(2) ويدخل في جملته اللاجئ السياسيّ وشبهه. يقول ابن القيّم: وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه أجار رجلين ؛ أجارتهما اُمّ هانئ ابنة عمّه، وأجار أبا العاص ابن الربيع لمّا أجارته ابنته زينب، ثمّ قال:( يجير على المسلمين أدناهم)(
3). وبذلك يكون المشرّع الإسلاميّ قد سبق القانون الدستوريّ والقانون الدوليّ الخاصّ الحديثين إلى تقرير مبدأ( تسليم اللاجئين السياسيّين محظور) نعم، لو انقضى أمانه سُلّم إلى مأمنه لا إلى من يُخاف منه عليه، بل إنّ ظاهر قوله تعالى « ثُمَّ أَبْلغه مَأْمَنَه » عدم كفاية الإذن للمستجير في بلوغ مأمنه، بل يلزم إبلاغه مأمنه بتيسير ذلك له وتمكينه منه، فما أعظم الإسلام !
ج: أمان الزائر لأيّ غرضٍ غير ممنوع أو مشروع( تجاريّاً كان، أم اجتماعيّاً، أم سياحيّاً، أم غيره) فإنّه يدخل بجوار وحماية المسلمين، فيكون مشمولاً لما تقدّم من قوله تعالى
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى‏ يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ }. فالظاهر منه أنّ سماع كلام اللَّه تعالى غاية للإجارة لا للاستجارة، ومن صور ذلك بعض وفود القبائل الّذين عقدت لهم كتب التاريخ والسير فصولاً مستقلّة، فقد كان فيهم المسلم والكافر، فانظر ذلك في المصادر أدناه(1).
د: المُؤمَّنْ - بتشديد الميم المفتوحة - وهو من كان أمانه بتعهّدٍ إيقاعيّ لا عقديّ ولو من أدنى‏ المسلمين، وبلا فرق بين وقوعه بإنشاء عهدٍ شرعيّ أو عادي، بل وتكفي شبهة الأمان ؛ كما هو مبسوط في مصادر الفقه الإسلاميّ.
وفرقه عن سابقه أنّه( تعهّد) أي من طرفٍ واحدٍ، وأنّه ابتدائيّ دائماً، بينما كان الاستئمان( تعاهداً) من طرفين، وربّما كان ابتدائيّاً أو تلبيةً لطلب.
وفي صحيحة جميل عن الصادق
× قال: كان رسول اللَّه | إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم |بين يديه، ثمّ يقول:... وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحدٍ من المشركين فهو جارٍ حتّى يسمع كلام اللَّه، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا باللَّه(1). وجاء في طيّ هذه الصحيحة ما يفيد عدم جواز الغلول من الكفّار بعد الأمان، فإنّه خيانة.
ه: المسالم: وهو وإن تناول الأقسام الأربعة المتقدّمة إ
لا أنّنا جعلناه اصطلاحاً مختصّاً بغيرها ممّن لا يقاتل المسلمين ولا يقاتلونه دون أن تنطبق عليه إحدى‏ البنود الشرعيّة والموادّ القانونيّة المتقدّمة، والأصل في القانون الدوليّ الإسلاميّ في الموقف الشرعيّ من هؤلاء أن يتّبع في حقّهم ما تقتضيه المصلحة الإسلاميّة العليا ؛ ولا يخفى‏ على الخبير بالساحة الدوليّة عادةً أنّ المصلحة الإسلاميّة العليا تقتضي مسالمة من سالم. ولنتوفّر على بعض النصوص القرآنيّة الشريفة الّتي عالجت هذا الموضوع البالغ الأهمّيّة ؛ قال تعالى:
{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى‏ يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم وَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى‏ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَسَلَّطَهمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِن لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً }(1). وقد ذكر المفسّرون(
2) في سبب نزول الآية الاُولى أنّها نزلت في قومٍ أسلموا، ثمّ رجعوا إلى مكّة وأظهروا فيها الشرك، فاختلف المسلمون في حكم قتالهم(1) من جهة أنّهم فتنوا أنفسهم برجوعهم، ثمّ لا يُدرى أنّهم أظهروا الشرك تقيّةً - كعمّار بن ياسر رضى الله عنه(2) - أم حقيقةً بعد أن كانوا منافقين فنزلت الآيتان الاُوليان تُخبران عن أنّهم أظهروا الكفر حقيقةً بعد أن كانوا مُنافقين، فيكون حالهم حال المشركين الحربيّين، وحسابهم حسابهم، وحكم مقاتلتهم واحد {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم}(3) ثمّ
استثنت الآيتان الاُخريان منهم طوائف ثلاث على نحو الاستثناء المنقطع. 1 - « الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى‏ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ » وهُم حُلفاء المعاهدين للمسلمين، والمراد بالحليف - هنا - هلال بن عويمر الأسلميّ ؛ كما عن أبي جعفر الباقر
×(1). وفي تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ الميثاق كان لبني ضمرة، والحلف لبني أشجع(
2). 2 – الّذين
{ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ }(3) وهم الّذين ضاقوا بقتال الفريقين وتاقوا إلى لزوم جانب الحياد، وجاؤوا طالبين الكفّ عنهُم.
وقد روى الشيخ الكلينيّ ق
+ عن عليّ بن إبراهيم( الثقة) عن أبيه إبراهيم( حسن الحال) عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر( الثقة) عن أبان بن عثمان( الثقة) عن الفضل بن عبدالملك البقباق أبي العبّاس ( الثقة) عن الصادق ×: إنّ الّذين حصرت صدورهم بنو مدلج(1).
3 –
{ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا }(2) وفرق هذه الطائفة عن سابقتها عدم رغبة الاُولى في القتال دون الثانية الّتي إنّما منعها عنه الخوف من إحدى القوّتين المتصارعتين، وذلك لركوسهم في الفتنة( أي الشرك كما يقول المُفسّرون)(3). ويبدو بقرينة المقارنة والمقابلة بينهما أنّ الاُولى تتردّد في شبك الشرك، والثانية راكسة في شرك الشرك، فلهذا غاير القرآن الكريم لحن خطابه في كلٍّ منهما بما ذكرنا. وتعبيره عن حكم الاُولى بقوله
{ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }(1) بينما عبّر عن حكم الثانية بقوله:{ فَإِن لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً}(2) حيث تجد التغيير في الاُسلوب والتعبير والتقديم والتأخير، وذلك ليكون المسلمون على حذرٍ منهم. وقد ذكر عليّ بن إبراهيم القمّيّ(3) أنّ المراد بهم عُيينة بن حصن الفزاريّ(
4) الأحمق المطاع في قومه بتعبير النبيّ |،
وروى ذلك الطبرسيّ
+ عن الصادق ×(1). وكيف كان لحن التعبيرين، وعلى كلا التقديرين، فإنّ شروط الكفّ عنهم ثلاثة هي:
1 - اعتزال القتال فعلاً.
2 - ظهور حالهم في الكفّ عن القتال مستقبلاً، أو عن نصرة العدوّ.
3 - إلقاء السلم للمسلمين بعرض الصلح عليهم ولو بدون الدخول في معاهدة، وإنّما يكفي محض العرض.
فتلخّص ممّا تقدّم من بحث الآيات الشريفة أن لا قتال مع الكافر المسالم مطلقاً( كتابيّاً كان أو غيره، وذمّيّاً كان أم معاهداً، أو مستأمناً أو مؤمَّناً) وأمّا ما جاء في حسنة أبي العبّاس المتقدّمة عن روضة الكافي المؤيّدة بمرسلة العيّاشيّ عن سيف بن عميرة عن الصادق عن أبيه عليهما السلام(2) أنّ النبيّ
|وادعهم إلى أن يفرغ(1) من العرب، ثمّ نبذ إليهم على سواء(2) فمحمول على ما لو شكّلوا خطراً على الإسلام والمسلمين أو دولتهم، وذلك بقرينة مفاد الآية السابقة والرواية اللاحقة، حيث جاء في تفسير القمّيّ(3) عليّ بن إبراهيم+عن أبيه عن محمّد بن الفضيل(4) عن أبي الصباح الكنانيّ إبراهيم بن نعيم العبديّ( الثقة) عن الصادق × أنّ النبيّ |كانت سيرته مسالمة من سالم، ومحاربة من حارب، ثمّ استشهد × بالآيات( 89 - 91) المتقدّمة من سورة النساء حتّى نزلت عليه( براءة). فكأنّ ظاهر الحديث يروي نسخ حكم آية الكفّ عن الكافر المسالم غير المعاهد وشبهه بسورة( براءة) المقيّد مضمونها بالقرائن السياقيّة والمقاميّة والمقاليّة بما لو شكّلوا الخطر المذكور آنفاً، واستدلّ بها بعضهم(1) على تقرير القانون الدوليّ الإسلاميّ العامّ ل «مبدأ الحِياد» المُعبّر عنه في بعض كتب الفقهاء ب
ـ«مبدأ الكافّين» أي التاركين للقتال أو «المُحاجزين» في قبال «المناجزين» بتعبير القطب الراونديّ +(2). هذا لو فسّر «السلم» في الآيتين الكريمتين بـ«السلام» وأمّا لو فُسّر بـ«الإسلام» - كما فهمه سيّدنا الاُستاذ+(3) مستشهداً عليه بقوله تعالى: « وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى‏ إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً »(1) مستفيداً منها قبول توبة المرتدّ الملّيّ - فعندئذٍ تكون الآية أجنبيّة عمّا نحن فيه من الكافر المسالم الباقي على كفره. لكن لا دليل على التفسير المزبور، فإنّ لفظ «السلم» ظاهر في السلام.
وأمّا تفسير السلام في الآية الاُخرى بالإسلام فإنّما هو لدليلٍ خارجيّ ثابت في محلّه(2).
وأمّا قوله تعالى: « وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ »(3) فقد حمل الموصول فيها وصلته على نحو الشأنيّة لا الفعليّة، أي مَن مِن شأنه أن يقاتل ولو لم يقاتل بالفعل، وقوله( ولا تعتدوا) أي بمخالفة الواجب مِن بنود البرّ والقسط الآتية.
وهذا هو مذهب الأكثر الذاهبين إلى عدم القول بالنسخ بآيات السيف(1)، لكنّه خلاف ظهور القتال للمقاتلين بالفعل.
وأمّا القائلون بالنسخ، فقد حملوا الموصول وصلته على نحو الفعليّة، فيخرج الكافر المسالم، وأيّدوا ذلك بسيرته
|في محاربة من حارب، ومسالمة من سالم، حتّى نسخ ذلك بآيات السيف. ولكن مع إمكان الجمع بين الآيتين فلا موجب للقول بالنسخ لنظر آيات السيف - كما أسلفنا - إلى أصل مقاتلة الكافر الذي أخلّ بأمن الإسلام وأهله، ونظر آية القتال إلى اختصاصه بالمقاتلين ومن بحكمهم دون غيرهم كالمدنيّين والمستضعفين، لا من باب أنّ إثبات اختصاص القتال بالمقاتلين موقوف على مفهوم الوصف، إذ لا حجّيّة له - على التحقيق - كما هو مقرّر في علم الاُصول.
وأمّا قوله تعالى: « وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا »(1) فإنّه ناظر إلى ترجيح السلم على القتال لو رجع العدوّ عنه ولم يكن ذلك كيداً منه ولم يلزم خطر على الإسلام وأهله وإ
لا ّفمع المكنة ينفذ تعالى: « فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ »(2). ثمّ إنّ آية السيف مختصّة بالمشركين غير الطوائف الخمسة المتقدّمة( الذمّيّ، المعاهد، المستأمِن، المؤمّن - بتشديد الميم المفتوحة -، المسالم).
ومن هنا صالح النبيّ
| نصارى نجران في السنة العاشرة من الهجرة رغم نزول سورة براءة عام تسعة هجريّة، وهذا فضلاً عن وقوع الأمر عقيب توهّم الحظر، وهو قرينة على عدم كونه للوجوب كما في قوله تعالى: « وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا »(3) فانظر ذلك في محلّه من علم الاُصول. وعليه فإنّ كلّاً من آيتي السلم والسيف محكمتان لا تناسخ بينهما، وأمّا المرويّ من ذلك ببعض الأخبار فلا ينهض - كسابقه - بتخصيص الكتاب فضلاً عن نسخه، فراجعها في تفسير ابن كثير(1).
وأمّا قوله تعالى « لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ »(2) فقد يُقال إنّه ليس نفياً للإكراه المقابل للرضا، وإلا لقال(لا إكراه على الدين)، وإنّما هو نفي للإكراه المقابل للاختيار وهو «الجبر الكلاميّ» المنفيّ بقولهم
^ «لا جبر ولا تفويض ولكن أمرٌ بين أمرين». ويؤيّده قرينة قوله تعالى: « قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ »(
3) ولكن يرد عليه أنه خلاف الظهور المتبادر من الآية الشريفة، وإنما تعدّى الإكراه ب
ـ( في) لا(على) ليكون ابلغ في بيان خلوّ الدين من أيّ إكراه وعدم تضمّنه للقسر على اعتناقه، ثم بيّن بقوله تعالى « قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ » أن الدين غنىّ بسطوع بيّنته وقوّة حجّته عن الإكراه على عقيدته. ثمّ إنّه حيث يسوغ قتال الكافرين يلزم ملاحظة ما يلي:
1 - إنّ هذا الحكم مقيّد بالمكنة وعدم التقيّة ؛ قال تعالى: « لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْ‏ءٍ إِ
لاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ »(1) بل ومقيَّد الانسجام مع مصلحة الإسلام والمسلمين ؛ إذ ربّما اقتضت مصلحة الإسلام عكس ذلك لهداية العدوّ الكافر بسلام الإسلام، أو قلع شبهة قيام الإسلام بالسيف والإكراه من ذهنه ليسلم، أو لاستدراج العدوّ، أو رجاء معطيات أعظم للبلدان الإسلاميّة، أو ما شاكل ذلك ممّا يكون فيه للإمام × أو نائبه الخاصّ سلطة تقديريّة في حدود المصالح الإسلاميّة العامّة. 2 - إنّ هذا الحكم مشروط بإذن الإمام أو نائبه الخاصّ.
3 - إنّه عامّ مخصّص بأمان الطوائف الأربع المتقدّمة( الذمّيّ والمعاهد والمستأمن والمؤمَّن).
4 - وجوب دعوة الكافر إلى الإسلام قبل القتال، فإن كان كتابيّاً خُيِّرَ بين الإسلام أو الجزية أو القتال، وإ
لاّ خُيّر بين الإسلام أو القتال فقط. 5 - إنّه حكم نادر الوقوع، إذ نادراً ما يوجد كافر مسالم تهاجمه الدولة الإسلاميّة ابتداءاً دون أن يبدأ هو بالعدوان، بل لم يعهد عن النبيّ
| أنّه حارب أحداً دون أن يتجاوز ذلك الغير على الإسلام بمنع انتشار رسالته أو على‏ المسلمين بقتالهم. وسبر كتب السِيَر بيننا وبين الباحثين، بل نصّ المؤرّخون على العلاقات السلميّة الحسنة بين دولة النبيّ | ودولة النجاشيّ في الحبشه. مضافاً إلى أنّ كثيراً من الكيانات الكافرة سارعت للصلح أو المعاهدة حين رأت قوّة شوكة الإسلام وشكيمة المسلمين وما حقّقوه من انتصارات عظيمة، فإنّها اُسلوب من أساليب فرض السلام في العالم. وكذلك إعداد القوّة، فإنّه الآخر اُسلوب من أساليب السلام حين يكون للدولة الإسلاميّة جيش منظّم مهيب، وقوّات عسكريّة مسلّحة، فإنّ هذا الإعداد كفيل بكفّ من تُسوّل له نفسه العدوان، ودفعه إلى الاستسلام لإبرام السلام أو إعلان الإسلام الّذي جحدوه بعد أن استيقنته أنفسهم، وكانت كلمة اللَّه هي العليا وكلمة الّذين كفروا هي السفلى ؛ قال تعالى: « وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ »(1).
6 - إنّ هذا الحكم المذكور لا يمنع رغم ذلك من معاملة الكافر بالبرّ والقسط ؛ قال تعالى: «
لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى‏ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ »(2) فإنّ المنهيّ عنه في الآية الثانية هو تولّي الكافر المحارب، مضافاً إلى حرمة تولّي الكافر المسالم أيضاً، لكن ذكرت أبرز ما يُنهى عنه بالنسبة للمحاربين، كما ذكرت سابقتها أبرز ما لا يُنهى‏ عنه في معاملة المسالمين، وهو البرّ والقسط الشامل للمحاربين أيضاً في الحدود المبيّنة - بعد قليل - بعونه تعالى. فكما أنّ الآية الاُولى لم تَنْهَ عن تولّي المسالمين اعتماداً على عموم قوله تعالى: « وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً »(1) وعموم قوله تعالى: « لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ »(2) فإنّ الآية الثانية لم تنه عن البرّ والقسط في معاملة المحاربين كما سيأتي شرحها قريباً إن شاء اللَّه تعالى.
وليست الآية الاُولى ناظرةً إلى مسالمة الكافر حتّى تنسخ بآية السيف كما ادّعاه بعضهم ؛ يقول الطبريّ: ولا معنى لقول من قال ذلك منسوخ(
3)، لأنّ برّ المؤمن من أهل الحرب ممّن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممّن لا قرابة بينه ولا نسب غير محرّم ولا منهيّ عنه اذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، او تقوية لهم بكراع او سلاح(4)
وقال الشيخ الطوسيّ
+: والإجماع والمفسّرون على أنّ برّ الرجل المؤمن من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أم غيره ليس بمحرّم(1). وقال الطبرسيّ
+: والإجماع على أنّ برّ الرجل المؤمن من يشاء من أهل الحرب... إلى آخره، مثله(2). ولا يخفى أنّ مرادهم من البرّ هنا المعنى الأعمّ الشامل للقسط، أو أنّه إذا ثبت ذلك بالبرّ ثبت بالقسط بطريقٍ أولى.
ولنشرع ببيان جملة من أحكام العدل مع‏المحاربين؛ وهي:
الوفاء بالمواثيق‏
1 - الوفاء بالعهود والمواثيق المبرمة بين الدولة الإسلاميّة وبين المحاربين، والمنصوص على نفاذها حالَيْ السلم والحرب؛ كالاتّفاقيّات الدبلوماسيّة والاقتصاديّة «كالتجاريّة» والسياسيّة وغيرها. وكذا وجوب الوفاء بعقودهم لعموم
{ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(3). وقد عامل رسول اللَّه
| اليهود على أرض خيبر ونخيلها، وأبقاهم فيها على جزء من الثمرة كاُجراء يعملون لحسابهِ وحساب المسلمين، فلم يتّخذهم عبيداً يسخّرهم فيها، وبقيت معاملتهم بالقسط كما جاء في قصّة ابن رواحة رضى الله عنه لمّا ذهب يخرّص عليهم وعرضوا عليه ما عرضوا من الرشوة ليخفّف عنهم، فقال لهم كلمته المشهورة: واللَّه لأنتم أبغض الخلق إليَّ، وجئتكم من عند أحبّ الخلق إليّ، ولن يحملني بغضي لكم، ولا حبّي له أن أحيف عليكم، فإمّا أن تأخذوا بنصف ما قدرت، وإمّا أن تكفّوا أيديكم ولكم نصف ما قدرت. فقالوا له: بهذا قامت السماوات والأرض ! أي بالعدالة والقسط.
وقد بقوا على ذلك نهاية زمنه
|، وخلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر ؛ حتّى أجلاهم عنها(1). وكذا يظهر من بعض الفتاوى لزوم الوفاء بشروطهم ؛ قال المحقّق الحلّي
+ه: فرعان:
الأوّل: المشرك إذا طلب المبارزة ولم يشترط جاز معونة قرنه، فإن شرط أن لا يقاتله غيره وجب الوفاء له، فإن فرَّ فطلبه الحربيّ جاز دفعه، ولو لم يطلبه لم يجز محاربته.
وقيل: يجوز، ما لم يشترط الأمان حتّى يعود إلى فئتِه.
الثاني: لو اشترط أ
لا يقاتله غير قرينه، فاستنجد أصحابه، فقد نقضَ أمانه، فإن تبرّعوا فمنعهم فهو في عهدة شرطه، وإن لم يمنعهم جاز قتاله معهم(1). موقف الإسلام من الاغتيال‏
2 - عدم الغدر بالمستأمِنين والمؤمَّنين - بتشديد الميم المفتوحة – ف
ـ( إنّ الإيمان قيّد(2) الفتك، فلا يفتك مؤمن)(3) كما يقول الحديث الشريف. والظاهر من كتب اللغة أنّ الفتك هو قتل الغار، أي الغافل مغافصة(1)، أو على حين غرّة.
وقيّده بعضهم كأبي عبيد(2) بالمجاهرة تمييزاً له عن الغيلة، أو الاغتيال الّذي هو قتل الغار سرّاً.
وكيف كان، فإنّ الفتك المنهيّ عنه مختصّ بمن يتمتّع بسببٍ من أسباب الأمان الشرعيّ من إسلامٍ أو ذمّةٍ أو عهدٍ أو إجارةٍ أو أمانٍ بأيّ نحوٍ كان ؛ قولاً أم فعلاً، ويعمّ الأمان - عُرفاً - استضافة شخص لآخر.
وإنّما يُسمّى قتل «المطمئنّ إلى أمان» فتكاً على نحو المجاز بجامع الغرور بين المغترّ بغرّة والمغرور بأمان.
وروى الحاكم بسندٍ عن عمرو بن الحمق الخزاعيّ عن النبيّ
| أنّه قال:( إذا اطمأنّ الرجل إلى الرجل ثمّ قتله نُصب له لواء غدر). قال: صحيح ولم يخرّجاه(1). كما ويظهر من الرواية الآتية أنّ الأمان بالجوار كالأمان بالإجارة، فقد روى ابن شهرآشوب رحمه الله عن أبي الصباح الكنانيّ قال: قلت لأبي عبداللَّه: إنّ لنا جاراً من همدان يقال له «الجعد بن عبداللَّه» يسبّ أمير المؤمنين عليه السلام، أفتأذن لي أن أقتله ؟ قال لي: إنّ الإسلام قيّد الفتك، ولكن دعه فستُكفى بغيرك.
قال: فانصرفت إلى الكوفة، وإذا أنا بقائل يقول: وُجد الجعد بن عبداللَّه على فراشه مثل الزقّ المنفوخ ميّتاً، فذهبوا يحملونه إذا لحمه سقط عن عظمه، فجمعوه على نطعٍ وإذا تحته أسود فدفنوه(2).
وهكذا دأب أئمة أهل البيت
^ على النهي عن الفتك بالغير فقد أسند الصفّار رحمه الله عن أحمد بن عمر الحلال قال: سمعت الأخرس بمكّة يذكر الرضا × فنال منه، قال: فدخلت مكّة فاشتريت سكّيناً فرأيته فقلت: واللَّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد، فأقمت على ذلك، فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن ×: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، بحقّي عليك لمّا كففت عن الأخرس، فإنّ اللَّه ثقتي وهو حسبي»(1).
وروى الصدوق رحمه الله: إنّه قصد الفضل بن سهل مع هشام بن إبراهيم الرضا عليه السلام فقال له: يا ابن رسول اللَّه، جئتك في سرٍّ، فأخلِ لي المجلس، فأخرج الفضل يميناً مكتوبة بالعتق والطلاق، وما لا كفّارة له، وقالا له: إنّا جئناك لنقول كلمة حقٍّ وصدق، وقد علمنا أنّ الإمرة إمرتكم، والحقّ حقّكم يا ابن رسول اللَّه، والّذي نقوله بألسنتنا عليه ضمائرنا، وإ
لا نعتق ما نملك والنساء طوالق وعليّ ثلاثون حجّة راجلاً أنا، على أن نقتل المأمون، ونُخلّص لك الأمر حتّى يرجع الحقّ إليك. فلم يسمع منهما وشتمهما ولعنهما وقال لهما: كفرتما النعمة، فلا تكون لكما سلامة ولا لي إن رضيتُ بما قلتما.
فلمّا سمع الفضل ذلك منه مع هشام علما أنّهما أخطئا فقصدا المأمون بعد أن قالا للرضا
×: أردنا بما فعلنا أن نجرّبك ! فقال لهما الرضا ×: كذبتما، فإنّ قلوبكما على ما أخبرتماني به، إلاّ أنّكما لم تجداني نحو ما أردتما. فلمّا دخلا على المأمون قالا: يا أمير المؤمنين، إنّا قصدنا الرضا وجرّبناه وأردنا أن نقف على ما يُضمره لك، فقلنا وقال، فقال المأمون: وُفّقتما.
فلمّا خرجا من عند المأمون قصده الرضا
×، وأخليا المجلس وأعلمه ما قالا، وأمره أن يحفظ نفسه منهما، فلمّا سمع ذلك من الرضا × علم أنّ الرضا ع× هو الصادق(1). وما رواه الحميريّ رحمه الله عن الريّان قال: دخلت على العبّاسيّ يوماً، فطلب دواة وقرطاساً بالعجلة، فقلت: ما لك ؟ فقال: سمعت من الرضا
× أشياء أحتاج أن أكتبها كي لا أنساها فكتبتها، فما كان بين هذا وبين أن جاءني بعد جمعةٍ في وقت الحرّ وذلك بمرو، فقلت: من أين جئت ؟ فقال: من عند هذا، قلت: من عند المأمون ؟ قال: لا، قلت: من عند الفضل بن سهل ؟ قال: لا، من عند هذا، فقلت: من تعني ؟ قال: من عند عليّ بن موسى. فقلت: ويلك خُذلت، أيش قصّتك ؟ فقال: من هذا ؟! كان آباؤه يجلسون على الكراسي حتّى يُبايع لهم بولاية العهد كما فعل هذا، فقلت: ويلك استغفر ربّك ! فقال: جاريتي فلانة أعلم منه، ثمّ قال: لو قلت برأسي هكذا لقالت الشيعة برأسها. فقلت: أنت رجل ملبوس عليك، إنّ من عقيدة الشيعة أن لو رأوه
× وعليه أزار مصبوغ وفي عنقه كَبَر(1) يضرب في هذا العسكر لقالوا ما كان في وقتٍ من الأوقات أطوع للَّه عزّوجلّ من هذا الوقت، وما وسعه غير ذلك، فسكت. ثمّ كان يذكره عندي وقتاً بعد وقت، فدخلت على الرضا عليه السلام فقلت له: إنّ العبّاسيّ يُسمعني فيك. ويذكرك وهو كثيراً ما ينام عندي ويقيل، فترى أنّي آخذ بحلقه وأعصره حتّى يموت ثمّ أقول مات ميتة فجاءة ؟ فقام ونفض يديه ثلاث مرّات فقال: لا يا ريّان، لا يا ريّان.
فقلت له: إنّ الفضل بن سهل هو ذا يُوجّهني إلى العراق في اُمورٍ والعبّاسيّ خارج بعدي بأيّام إلى العراق، فترى أن أقول لمواليك القمّيّين أن يخرج منهم عشرون أو ثلاثون رجلاً كأنّهم قاطعو طريق أو صعاليك، فإذا اجتاز بهم قتلوه، فيقال: قتله الصعاليك ؟ فسكت فلم يقل لي نعم ولا، لا.
فلمّا صرت إلى الحوّان بعثت فارساً إلى زكريّا بن آدم وكتبت إليه أنّ هاهنا اُموراً لا يحتملها الكتاب، فإن رأيت أن تصير إلى مشكورة في يوم كذا وكذا لاُوافيك بها إن شاء اللَّه، فوافيت وقد سبقني إلى مشكورة فأعلمته الخبر وقصصت عليه القصّة وأنّه يُوافي هذا الموضع يوم كذا وكذا.
فقال: دعني والرجل، فودّعته وخرجت، ورجع الرجل إلى قمّ وقد وافاها معمّر فاستشاره فيما قلت له فقال معمّر: لا ندري سكوته أمر أو نهي ولن يأمرك بشي‏ء فليس الصواب أن تتعرّض له، فأمسك عن التوجّه إليه زكريّا واجتاز العبّاسيّ بالجادّة وسلم منه(1).
والحاصل، فقد تبيّن ممّا تقدّم اختصاص حرمة الفتك باُولي الأمان بأيّ نحوٍ كان، ولعلّ لهذا الغرض أعلن النبيّ
| البراءة من المشركين بعد أمانهم المؤقّت بقوله | في فتح مكّة( أنتم الطلقاء، من أغلق بابه فهو آمن... إلى آخره) كما سطرته كتب السير والتأريخ. كما أمهلهم النبيّ
| استناداً إلى أمر اللَّه تعالى في سورة براءة - مدّة أربعة أشهر - كما سيأتينا في مبحثٍ لاحق. وممّا يشهد لاجتناب الفتك في الشرع الإسلاميّ ما سيأتينا من ذهاب بعض الفقهاء إلى حرمة قتل الذمّيّ المخلّ بشروط الذمّة حتّى يردّ إلى مأمنه.
بل ويظهر من قصّة غدر المغيرة برفاقه المشركين في العهد الجاهليّ وتنديد النبيّ
| بذلك مدى نبل التشريع الإسلاميّ وسموّ أخلاقه. قال أبو الفرج الأصفهانيّ: كان المغيرة يحدّث حديث إسلامه، فيقول: خرجتُ مع قومٍ من بني مالك ونحن على دين الجاهليّة إلى المُقوْقس - مَلِك مصر - فدخلنا الإسكندريّة، وأهدَيْنا للمَلِك هدايا كانت معنا، فكنتُ أهوَن أصحابي عليه، قبَضَ هدايا القوم، وأمر لهم بجوائز، وفضّل بعضهم على بعض، وقصّر بي فأعطاني شيئاً قليلاً لا ذِكر له، وخرجْنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم وهم مسرورون، ولم يعرض أحدٌ منهم عليَّ مواساةً.
فلمّا خرجوا حملوا معهم خمراً، فكانوا يشربون منها، فأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعَني معهم، وقلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا، وما حباهم به الملك، ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إيّاي ! فأجمعتُ على قتلهم، فقلت: إنّي أجد صُداعاً، فوضعوا شرابهم ودعَوني، فقلت: رأسي يُصدّع، ولكن اجلسوا فأسقيكم، فلم يُنكِروا من أمري شيئاً، فجلست أسقيهم وأشرَب القدَح بعد القَدَح، فلمّا دبّت الكأس فيهم اشتهَوا الشراب، فجعلتُ اُصرِّف لهم وأترع الكأس، فيشربون ولا يدرون، فأهمدتهم الخمر حتّى ناموا، ما يعقلون، فوثبتُ إليهم فقتلتهم جميعاً، وأخذت جميع ما كان معهم.
وقَدِمتُ المدينة فوجدتُ النبيّ
| بالمسجد وعنده أبوبكر - وكان بي عارفاً - فلمّا رآني قال: ابن أخي عُرْوة ؟ قلت: نعم، قد جئتُ أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنَّ محمّداً | رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه |: الحمد للَّه، فقال أبوبكر: مِن مصرَ أقبلتَ ؟ قلت: نعم ؟ قال: فما فعل المالكيّون الّذين كانوا معك ؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب، ونحن على دين الشرك فقتلتهم، وأخذت أسلابهم، وجئتُ بها إلى رسول اللَّه
| ليُخمّسها ويرى فيها رأيه فإنّها غنيمة من المشركين. فقال رسول اللَّه: أمّا إسلامُك فقد قبلتُه، ولا نأخذ من أموالهم شيئاً ولا نُخمّسها، لأنّ هذا غدر، والغدر لا خير فيه، فأخَذَني ما قرُب وما بعُد.
فقلتُ: يا رسول اللَّه، إنّما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثمّ أسلمتُ حين دخلتُ إليك الساعة، فقال
|: الإسلام يجبُّ ما قبله. قال: وكان قتلَ منهم ثلاثة عشر إنساناً، واحتوى‏ على ما معهم، فبلغ ذلك ثقيفاً بالطائف، فتداعَوْا للقتال، ثمّ اصطلحوا على أنّ حمالة عمّي عُروة بن مسعود ثلاث عشرة دِية(1).
قال ابن أبي‏الحديد: فذلك معنى قولِ عُروة يوم الحُديبيّة: «يا غُدَر، أنا إلى الأمس أغسل سوءَتَك، فلا أستطيع أن أغسلها»(2)
.
ومما يناسب مقام الإغتيال تحقيق عدم إقدام مسلم ابن عقيل‏
× سفير الإمام الحسين‏× إلى أهل العراق على الفتك بالطاغية عبيد اللَّه ابن زياد حين أمكنته الفرصة من قتله في الكوفة ؟ وإليك الحادث والحديث: فقد روى المؤرّخون أنّه لمّا دخل ابن زياد الكوفة تحوّل مسلم بن عقيل
× من دار المختار الثقفيّ إلى دار هانئ بن عروة المراديّ واتّخذها مقرّاً لإقامته، وكان شريك ابن الأعور الحارثيّ البصريّ قد أقام فيها أيضاً، وكان شريك من الشخصيّات الموالية لأمير المؤمنين ×، غير أنّه كانت له علاقات تقيّة مع الطاغية عبيداللَّه بن زياد، وكان شريك مريضاً ثقيل العلّة، فأرسل إليه ابن زياد رسولاً يخبره أنّه آتٍ لعيادته، فقال شريك لمسلم: إنّما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية، وقد أمكنك اللَّه منه، وهو صائر إليّ ليعودني، فقم فادخل الخزانة حتّى إذا اطمأنّ عندي فاخرج إليه فاقتله، ثمّ صر إلى قصر الإمارة فاجلس فيه فإنّه لا ينازعك فيه أحد من الناس، وإن رزقني اللَّه العافية صرتُ إلى البصرة فكفيتك أمرها وبايع لك أهلها(1). وروى ابن قتيبة الدينوريّ(2) : أنّ الّذي دعا مسلماً لاغتيال ابن زياد
هو هانئ بن عروة خلافاً لما رواه أبو حنيفة الدينوريّ من كراهية هانئ قتل ابن زياد في داره، وأنّ مسلماً برّر عدم قتله له بذلك، بل روى(
3) أنّه كان قد ثقل على هانئ نزول مسلم في داره. وهو غير صحيح، ولا متّسق مع المعروف من نجدة هانئ ورسوخه في ولاء آل عليّ ×، وتفانيه من أجلهم حتّى استُشهد رضى الله عنه في ذلك. كما لا ينسجم ذلك أيضاً مع ما هو المعهود من إباء مسلم
× وشَمَمه وأخلاقه العالية، فكيف ينزل ثقيلاً على أحدٍ يا ترى ؟! على أنّ الدينوريّ تفرّد بذلك، وهو بالتحليل الشخصيّ أشبه منه بالرواية. ومهما يكن الأمر، فقد قال شريك لمسلم: لا تقصّر في ذلك - أي قتل ابن زياد - فواللَّه إنّ قتله لقربان إلى اللَّه.
ولم ينصّ أحد من المؤرّخين على موافقة مسلم في ذلك، وبينما هم في الحديث إذ قيل: الأمير على الباب ! وإذا بالضجّة وقد أقبل ابن مرجانة مع حاشيته، فدخل مسلم الخزانة ودخل ابن زياد، فجعل يسأل شريكاً عن مرضه وهو يُجيبه، ولمّا استبطأ شريك خروج مسلم أخذ عمامته من على رأسه ووضعها على الأرض، ثمّ وضعها على رأسه، فعل ذلك مراراً ونادى بصوتٍ عالٍ يُسمع مسلماً:
ما الانتظارُ بسلمى لا تُحيّوها
هل شربةٌ عذبةٌ اُسقى على ظمأٍ وإن تخشّيت من سلمى مراقبةً

حيّوا سُليمى وحيّوا من يُحيّيها
ولو تلفتُ وكانت ميتتي فيها
فلست تأمن يوماً من دواهيها
وما زال يُكرّره وعينه رامقة إلى الخزانة، ثمّ صاح بصوتٍ رفيع: اسقونيها ولو كان فيها حتفي ! فالتفت عبيداللَّه إلى هانئ وقال: إنّ ابن عمّك يخلط في علّته، فقال هانئ: إنّ شريكاً يهجر منذ وقع في علّته، وإنّه ليتكلّم بما لا يعلم.
وفي لفظٍ آخر قال: نعم أصلح اللَّه الأمير، لم يزل هكذا منذ أصبح.
وفطن مهران مولى ابن زياد، وكان ذكيّاً إلى ما دبّر لسيّده، فغمزه ونهض به سريعاً فقال له شريك: أيّها الأمير، إنّي اُريد أن اُوصي إليك، فقال له ابن زياد: إنّي أعود إليك، والتفت مهران وهو مذعور إلى ابن زياد، فقال له: إنّه أراد قتلك، فبهر ابن زياد، وقال: كيف مع إكرامي له ؟!! وفي بيت هانئ ويد أبي عنده !
فلمّا ذهب ابن زياد وخرج مسلم قال له شريك: ما منعك منه ؟
قال
×: منعني خلّتان: الاُولى: حديث عليّ
× عن رسول اللَّه |: إنّ الإيمان قيّد الفتك، فلا يفتك مؤمن. والثانية: امرأة هانئ، فإنّها تعلّقت بي وأقسمت عليّ باللَّه أن لا أفعل هذا في دارها، وبكت في وجهي.
فقال هانئ: يا ويلها، قتلتني وقتلت نفسها، والّذي فرّت منه وقعت فيه.
ثمّ قال لمسلم: لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً غادراً، وقال له شريك: أما واللَّه، لو قتلته لاستقام لك أمرك، واستوسق لك سلطانك.
ولبث شريك بعد ذلك ثلاثة أيّام ومات، فصلّى عليه ابن زياد ودُفن بالثويّة، ولمّا وضح لابن زياد أنّ شريكاً يُحرّض على قتله قال: واللَّه لا اُصلّي على جنازة عراقيّ أبداً، ولو لا أنّ قبر زياد فيهم لنبشت شريكاً.
هذا هو ملخّص الحادثة، وأمّا الحديث في تحليلها وتوجيه موقف مسلم
× فيها، فنقول وباللَّه نستعين: لا ريب أنّ أقلّ موجبٍ لقتل ابن زياد آنذاك هو كونه من القتلة المحاربين المفسدين في الأرض، كما يشهد به تأريخه الإجراميّ الفاضح.
كما لا ريب في أنّه حتّى لو قيل بدخوله - ضمناً - في أمان هانئ حين استضافه في بيته لعيادة شريك إ
لا أنّ مفسدة بقائه حيّاً أعظم من غائلة الفتك به. وهو واضح. يضاف إلى ذلك عدم ظهور الحال في تعذّر اغتيال ابن زياد لحراسته المشدّدة، وإ
لاّ لاعتذر به مسلم ×، كيف وهو البطل الشجاع الّذي شهدت له صناديد الكوفة بهزيمتها أمامه لو لا فتكهم به(1). إ
لاّ أنّ الّذي منع مسلماً × من الفتك بابن زياد هو ملاحظة الاعتبارات التالية:
1 - إنّ العرف الاجتماعيّ آنذاك يعدّ الفتك عموماً، وبالضيف خصوصاً أمراً معيباً، لا سيّما على الشخصيّات السامية، ويعتبره لوناً من ألوان الضعف والخور لغير المضطرّ إلى ذلك.
ومن الواضح أنّه لم يكن ترجيح الفتك بابن مرجانة على بقائه واضحاً عند جمهور الناس الّذين ستكرّس السلطة الطاغية وزبانيتها هذه الدعاية السلبيّة في نفوسهم ضدّ شخصيّة مسلم
× ومشروعه السياسيّ الإسلاميّ الكبير، سعياً منهم لإضعاف موقفه بذلك، ورميه بالجبن ومخالفة العُرف الشرعيّ والاجتماعيّ - بزعمهم - ولا شكّ أنّ مثل هذه الإشاعات المغرضة مخلّة بالأهداف السياسيّة الدينيّة الكبرى لمسلم×، ولا أقلّ من أنّ ممارسة الفتك آنذاك لا تليق بمثل مسلم× القائد السياسيّ المحنّك، ولا تنسجم مع سفارته المقدّسة عن الإمام الحسين× ومهمّته القياديّة الخطيرة. نعم، إنّ عمليّة الفتك - في مثل هذا الموقف - كانت وظيفة الجند والأعوان والخدم والأتباع، ولو كان شريك جادّاً في رغبته بالفتك بابن مرجانة بالاُسلوب السياسيّ الناجح لكلّف بذلك بعض غلمانه أو أعوانه أو أفراد عشيرته، غير أنّ الظاهر تنصّله عن تحمّل تبعة ذلك شخصيّاً وبشكلٍ مباشر، وإنّما كانت الرغبة ولو غفلة في قتل ابن مرجانة بنحوٍ تقع تبعته على غيره، الأمر الّذي شخّصه مسلم
× فترفّع عن ممارسته. قال ابن أبي الحديد في عدم احتراز أمير المؤمنين
× مع أنّه كان يعلم كثرة أعدائه: لم تكن العرب في ذلك الزمان تحترس ولا تعرف الغيلة والفتك، وكان ذلك عندهم قبيحاً يُعيّر به فاعله، لأنّ الشجاعة غير ذلك، والغيلة فعل العجزة من الرجال(1). 2 - الاعتبار الثاني يتألّف من مقدّمتين:
الاُولى: إنّ دراسة مسلم
× للوضع السياسيّ يومذاك أقنعته بعدم استتباب الأمر له، وأنّه صائرٌ إلى الشهادة لا محالة، ولو بقرينة ما سيأتي من أنباء. الثانية: إنّ تحليل مسلم
× للظرف اللا أمنيّ المتوتّر آنذاك ولطبيعة تشكيلات حرس الطاغية أنّهم سيثبون عليه وثبةً تجرّ إلى وقعة تُودي بحياته، فيقتل قتلةً باردة، بينما كان الأحرى به عسكريّاً والأنجح سياسيّاً أن لا يُقتل كذلك، بل يُقتل في ساحة حربٍ ذات مداليل عسكريّة، أو معطيات سياسيّة أعظم وأهمّ كما يُقتل الشجعان البواسل، ويستشهد الأبطال الشرفاء. 3 - إنّ مسلماً
× جاء لمهمّةٍ أكبر من مجرّد قتل ابن زياد، تلك هي إعداد الساحة السياسيّة والعسكريّة في المنطقة، وضبط إدارتها ريثما يصل الإمام الحسين×، أو أن يُقتل في ميدان حربٍ قتلةً عزيزةً مكرّمة. 4 - لو قام مسلم
× بالفتك بابن زياد آنذاك لكان قد فتح على نفسه حرباً لم يحن حينها، وذلك: أ - أنّ ابن زياد لم يكن وحده، بل كانت وراءه قوّات جميع المنحرفين عن أهل البيت
^ كالحزب الاُمويّ الكوفيّ، وجموع المرتزقة من عبيد الدنيا والمنافقين، هذه القوّات الّتي سوف لا تقف مكتوفة الأيدي أزاء قتل ابن زياد، بل ستدخل مع مسلم×حرباً مصيريّة. ب - والحال أنّ الظروف السياسيّة والعسكريّة آنذاك لم تكن معدّة إعداداً كاملاً للانتقال إلى مرحلة المواجهة العسكريّة المسلّحة، لعدم اكتمال بقيّة حلقات السلسلة السياسيّة، وعدم استتمام سائر مفردات الخطّة العسكريّة اللازمة.
وبالتالي يكون مسلم
× قد سجّل على نفسه أنّه استعجل حرباً يُقدّر أنّه الخاسر الملوم، بل المقتول فيها قتلةً عقيمة، وإذا انضمّ هذا إلى ما تقدّم من إشاعة الخدش في شخصيّته × بممارسة الفتك، فيكون× قد عرّض نفسه للاغتيال شخصاً وشخصيّة دون مردودٍ إيجابيٍّ ذي بالٍ، بل وارتكب ما هو خلاف الحزم والحنكة السياسيّة، والفذلكة العسكريّة. فلاحظ جيّداً ! ولنشفع هذه الاعتبارات الأربعة ببيان سيّدنا الاُستاذ الشهيد السعيد الإمام السيّد محمّد باقر الصدر رضى الله عنه جواباً عن سؤال - في هذا الصدد - وجّهناه إلى سماحته قدس سره في جمادى الاُولى من سنة 1399 هجريّة، فأفاد
& تعالى ما حاصله: إنّه لا دليل على حرمة الفتك بمثل هؤلاء المحاربين، ولكنّ مسلماً عليه السلام قدّر أنّ محاولة القيام بعمليّة اغتيال ابن زياد آنذاك محاولة فاشلة سياسيّاً، لأنّها لا تخلو من أحد أمرين:
الأوّل: أن يصيب ابن زياد في مقتله، وحينئذٍ فإنّه قدّر أنّه مقتول لذلك مواجهة أو غيلة من قبل حرس الطاغية أو قوّاته آنذاك قتلةً باردةً، لا سيّما مع الاستهجان العُرفيّ لمحاولة الاغتيال ؛ خصوصاً من القادة كمسلم
×. الثاني: أن لا يصيب منه مقتلاً، وعندئذٍ فالأمر أشدّ من سابقه، وسيتولّى ابن زياد بنفسه الدعاية السلبيّة ضدّ مسلم
× واتّهامه بالضعف أو الجبن، وتعييره بالفتك المُستقبح عُرفاً. وبالجملة ؛ فإنّ محاولة الاغتيال لم تكن اُسلوباً سياسيّاً ناجحاً، وبما أنّ القوم لم يُدركوا هذا التحليل السياسيّ الدقيق للموقف، وحتّى لو أدركوه فقد يُفسّر بالضعف، وعدم الحزم.
ولهذا رأى مسلم
× أن يعتذر بأنّ الإيمان قيّد الفتك، لأنّه يُمثّل النُبل والشموخ الأخلاقيّ(1). أقول: وممّا تقدّم يظهر - بوضوح - حكمة وحنكة مسلم
× في اجتنابه عمليّة محاولة الاغتيال، وأنّه لو اغتال لاغتيل شخصاً، أو شخصيّة، أو هما معاً ؛ في قتلةٍ عقيمةٍ عديمة النتائج المرجوّة، وأنّ هذا هو السرّ في تفسير موقفه×، مضافاً إلى الإعتبار الأخلاقي المتمثّل في إباء النفوس الكبيرة أن تُلحق الأذى - مادّيّاً كان أو معنوياً - بمن استضافها ولو بالفتك بمن نزل عندها مطمئنّاً إليها، وقد حفظ التأريخ عن مسلم× أنّه لما عرضوا عليه الأمان كيداً له في ميدان القتال أنشأ يقول: آليت لا
أُقتل إلا حرا وإن رأيت الموت شيئاً نُكرا هيهات أن أَغدر أو أُغرّا
وعلى أيّ حال، فقد استمسك مسلم
× بفضائل دينه وشرفه وترفّع عن اغتيال ابن زياد، وكان تحت قبضته، وإنّ من أهزل الأقوال وأوهنها القول بأنّ عدم فتكه به ناشئ عن ضعفه وخوره، فإنّ هذا أمرٌ، لا يُمكن أن يُصغى إليه، فقد أثبت في مواقفه البطوليّة في الكوفة حينما غدر به أهلها ما لم يُشاهد التأريخ له نظيراً في جميع مراحله، فقد صمد أمام ذلك الزحف الهائل من الجيوش، فقابلها وحده ولم تظهر عليه أيّ بادرة من الخوف والوهن، فقد قام بعزمٍ ثابتٍ يحصد الرؤوس، ويحطم الجيوش، وهو يقول:
هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع وصبراً لحكم اللَّه جلّ جلاله‏

فأنت بكأس الموت لا شك جارع فحكم قضاء اللَّه في الخلق ذائع‏

حتّى ضجّت الكوفة من كثرة من قتل منها، فكيف يُتّهم بطل هاشم، وفخر عدنان، بالوهن والضعف ؟(1)
وختاماً فما أروع وأصدق الكلام المأثور عن الإمام
امير المؤمنين×
حيث يقول:(لو لا كراهية الغدر لكنتُ من أدهى الناس)،(ولقد أصبحنا في زمانٍ قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كَيْساً، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم ! قاتلهم اللَّه ! قد يرى الحوّل القُلَّبُ وجه الحيلة ودونها مانعٌ من أمر اللَّه ونهيه، فيدعها رأي عينٍ بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين).(1)
حرمة القتال في الأشهر الحُرم‏
3 - حرمة قتالهم في الأشهر الحرم، إ
لاّ أن يُبدؤا فيها، قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى‏ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ »(2). وقال تعالى: « فَإِذَا انسَلَخَ ا
لأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الْصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »(1). وقال تعالى: « الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى‏ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ »(
2)أو كانوا ممّن لا يرى لها حرمة. 4 - حرمة قتالهم في المسجد الحرام إلى أن يُبدؤا فيه، قال تعالى
{ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى‏ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ }(3). 5 - حرمة قتالهم قبل دعوتهم إلى الإسلام أو قبول الجزية وشروط الذمّة إن كانوا كتابيّين، وإن كانوا غيرهم خُيِّروا بين الخصلتين الاُوليين فقط «الإسلام أو القتال».
6 - حرمة خيانة أماناتهم، فقد اتّفق المسلمون على حرمة خيانة أمانة البرّ والفاجر، والمسلم والكافر ؛ الشامل بإطلاقه للحربيّ، رغم إطلاق عدم حرمته، لكنّ عمومات الأمانة صالحة لتقييده ؛ فتأمّل جيّداً.
وفي معتبرة مسعدة بن صدقة نهى النبيّ
|عن الغلول(1). وسأل أحدهم الصادق عليه السلام عن حكم اغتيال الناصبيّ - بعد أن منعه عن اغتيال غيره في معيشته - فقال
×: أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، وأراد منك النصيحة، ولو إلى قاتل الحسين ×(2). وعنه
× قوله: لو أنّ قاتل عليّ × ائتمنني على أمانة لأدّيتها إليه. وعن السجّاد
×: لو أنّ قاتل أبي الحسين × ائتمنني على السيف الّذي قتله به لأدّيته إليه(1). كما لا تجوز السرقة من الغنيمة على أساس أنّها مِلْكٌ عامّ لجميع المقاتلين.
7 - عدم جواز قتل النساء والصبيان والشيوخ - وزاد بعضهم - المجانين والخُناثى‏ والزمنى‏ كالمقعد والأعمى‏ ممّن لا رأي لهم ولا قتال(2)، إ
لاّ أن يتوقّف الفتح عليه اضطراراً كجواز قتل أسرى‏ المسلمين إذا تدرّع بهم العدوّ، وجعلهم له تِرساً، وتوقّف الفتح عليه، وإلاّ فلا. وحُكي عن صحيح البخاريّ قصّة الظعينة صاحبة المزادتين لم يقاتلوها أو يأسروها أو يستبيحوا ماءها، بل استاقوها بمائها لرسول اللَّه
|، فأخذ من مزادتيها قليلاً ودعا فيه وردّه ثمّ استقوا. وقال لها: اعلمي أنّ اللَّه هو الّذي سقانا ولم ننقص من مزادتيك
شيئاً، وأكرموها وأحسنوا إليها وجمعوا لها طعاماً وأرسلوها في سبيلها
فكانت تذكر ذلك وتدعو قومها للإسلام(1).
8 - حرمة استخدام الوسائل غير المشروعة دينيّاً ؛ ففي معتبرة السكوني عن عليّ
× قال: نهى رسول اللَّه| عن إلقاء السموم في بلاد المشركين(2). نعم، يجوز لقتل المحاربين فقط، بل وغيرهم إذا توقّف عليه الفتح ؛ كما جاز قتل أسرى‏ المسلمين إذا توقّف عليه الفتح أيضاً. 9 - عدم جواز قتل أسراهم الذكور البالغين بعد الإثخان والغلبة، وإنّما يُخيّرون بين الخصال الثلاث «المنّ، أو الفداء، أو الاسترقاق»(
3). ولا تسقط هذه الخصال عنهم باختيارهم الإسلام.
وأمّا لو اُسروا أثناء الحرب، فيتعيّن إسلامهم أو قتلهم - باستثناء الشيوخ.
وجاء في قصّة ثمامة بن آثال لمّا جي‏ء به أسيراً ورُبط في سارية
وجاء في قصّة ثمامة بن آثال لمّا جي‏ء به أسيراً ورُبط في سارية المسجد - وكان معروفاً بعداوته - وبعد أن أصبح عاجزاً عن القتال لم يمنعهم من الإحسان إليه، فكان يُراح عليه كلّ يوم بحليب سبع نياق حتّى فُكّ أسره، فأسلم طواعيةً.
وفادى النبيّ
| بعض أسارى بدر، ومنَّ على أبي عزّة الجمحيّ(1) الشاعر الّذي كان معروفاً بعداوته والتأليب على النبيّ | بنفسه ولسانه، ثمّ خرج يوم اُحد فاُسر، فطلب المنّ من النبيّ |. فقال: إنّ المؤمن لا يُلدغ من جُحرٍ مرّتين ! لا ترجع إلى مكّة تمسح عارضيك. فتقول: سخرتُ بمحمّد مرّتين.
ثمّ أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه(2).
10 - عدم جواز تدمير المواقع الاقتصاديّة - صناعيّة، أو زراعيّة، أو حيوانيّة، أو تجاريّة، أو سكنيّة - وشبه ذلك من ضروب التخريب لغير ضرورة كضرورة النبيّ
| في غزوتي «الطائف» و«بني النضير»(1). وإن اكتفى بعضهم بكراهة ذلك، لكنّ الظاهر من عموم قوله تعالى: { وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا }(2) حرمته، لشموله لكلّ إتلافٍ من هذا القبيل، فإنّه إفسادٌ في الأرض، وهدر لطاقات وثروات يُمكن استثمارها من قبل المسلمين. وشرط الشهيد الثاني
+ في «الروضة» لجواز التخريب توقّف الفتح عليه(3). 11 - الوفاء بأحكام الذمّة للكافر الذمّيّ ؛ كما تقدّم.
12 - حرمة التمثيل بهم، لقول النبيّ
|:( إيّاكم والمُثلة، ولو بالكلب العقور)(1). 13 - وجوب العدل فيما بينهم في القضاء، وبينهم وبين غيرهم ؛ تمسّكاً بعمومات الأمر بالعدل.
14 - وجوب برّ الوالدين الكافرين ؛ قال تعالى:
{ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى‏ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً }(2). ونقل القرطبيّ(3) أنّ قوله تعالى:
{ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(4) نزلت في اُمّ أسماء بنت أبي بكر ؛ جاءت إليها قبل أن تسلم - وكان بعد الهجرة - ومعها هدايا لابنتها، فأبت أن تقبلها منها وأن تستقبلها حتّى تستأذن رسول اللَّه |، فأذن لها وأمر بصلتها. مضافاً إلى أنّ المرأة لا تُقتل مطلقاً - اُمّاً كانت أم لا - إ
لاّ اضطراراً ؛كما مرّ. بل ربّما يستفاد من عمومات الأمر بصلة الرحم شمولها للكافر مطلقاً.
وروى الرازيّ(
1) أنّ المسلمين استأمروا رسول اللَّه | في أقربائهم المشركين، فأمرهم بصلتهم. هذه جملة من أحكام القسط في معاملة الكافر مطلقاً، والتخلّف عنها عدوان، واللَّه تعالى يقول:
« وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ »(
2). وإليك جملة اُخرى من أحكام البرّ في معاملة الكافر مطلقاً أيضاً(
3). 1 - عدم المقاطعة الاقتصاديّة غير الضارّة بالمسلمين، فقد حبس
ثمامة الميرة عن أهل مكّة، فسألوا رسول اللَّه
| أن يأذن له أن يميرهم، فأذن له، فمارهم(1).
2 - الإحسان إلى اُسرائهم، وشأن نزول الآية الكريمة « وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً »(
2) أشهر من أن يذكر، من غير فرقٍ - في الآية - بين الأسير المسلم وغيره. 3 - كراهة تبييت العدوّ بالإغارة عليه ليلاً. وقد جاء في المرويّ عن الصادق
× قوله: ما بيَّت رسول اللَّه | عدوّاً قطّ ليلاً(3). إلاّ إذا لزم ذلك لضرورة. يقول ابن القيّم: قد كانت سرايا رسول اللَّه
| يُبيّتون الكفّار، ويغيرون عليهم بإذنه بعد أن بلغتهم دعوته(4). أقول: ولا يُنافي ذلك ما رواه البيهقيّ(1): إنّ رسول اللَّه
|كان إذا طرق العدوّ لم يغز حتّى يُصبح. لظهور ذلك في غزوات النبيّ |، وظهور سابقه فى سراياه |
4 - التعامل معهم من منطلق الإنسانيّة - إلّا ما أخرجه الدليل الشرعيّ - قال أمير المؤمنين
× في عهده للأشتر رضى الله عنه: وأشعر قلبك الرحمة للرعيّة، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً ؛ تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق(2). 5 - يكره عند المحقّق الحلّيّ
+ رمي النار وتسليط المياه على المحاربين إلا لضرورة(3). 6 - سقوط الجزية عن الصبيان والنساء والمجانين والمُقعد والأعمى
والشيخ الهِمِّ - على التحقيق.
7 - أخرج الشيخ
+ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن عائذ، عن محمّد ابن أبي حمزة، عن رجلٍ بلغ به أمير المؤمنين × قال: مرَّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال ×: ما هذا ؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، نصرانيّ، قال ×م: استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه ! أنفقوا عليه من بيت المال(1). 8 - ذهب بعضهم إلى ردّ الذمّيّ إلى مأمنه إذا خرق شروط الذمّة، بينما ذهب آخرون إلى جواز قتله حينئذ أو استرقاقه إذا أبا الإسلام(
2). استناداً إلى ذيل صحيحة زرارة(3) عن الصادق
× قال - بعد عدّ منافيات الذمّة : «فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللَّه وذمّة رسوله |» ممّا يعني عدم أمانهم، ومنه عدم ردّهم إلى مأمنهم. لكن قد يقال: إنّ براءة الذمّة أعمّ من عدم ردّهم إلى مأمنهم الثابت للمستجير المُخِلّ بشرط الجواز، فإنّ مقتضى الإطلاق وجوب ردّه إلى مأمنه مطلقاً، ولا يبعد أولويّة الذمّيّ منه بذلك - كما لا يخفى - فيكون ذلك تخصيصاً لعموم البراءة منهم الشامل لدار الإيمان ودار المأمن ؛ فتدبّر جيّداً.
9 - عدم أخذهم غرّة، وإنّما يُؤخذون بعد إعلان البراءة منهم.
10 - منحهم مهلة معيّنة بعد البراءة منهم ؛ قال تعالى:
{ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِين}(1) ولروعة هذه القصّة وبليغ سياسة رسول اللَّه | فيها رأيت إيرادها. روى الحديديّ(2) عن الواقديّ قال - بعد فتح مكّة -:
وأمّا صفوان بن اُميّة، فهرب حتّى أتى الشعبة( جدّه)، وجعل يقول
:
لغلامه يسار - وليس معه غيرُه -: ويحك ! انظر من تَرى‏ ! فقال: هذا عُمَير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعُمير ؟ واللَّه ما جاء إ
لّا يُريد قَتْلي، قد ظاهَرَ محمّداً عليَّ فلحقه، فقال صفوان: يا عُمَير، مالك ؟ ما كفاك ما صنعتَ، حمّلتني دينك وعيالك، ثمّ جئتَ تريد قَتلي؟! فقال: يا أبا وهب، جُعلتُ فِداك ! جئتُك من عند خير الناس، وأبرّ الناس، وأَوصل الناس، وقد كان عميرٌ قال لرسول اللَّه
|: يا رسول اللَّه، سيّد قومي صفوان بن اُميّة خرج هارباً ليقذف نفسه في البحر، خاف ألاّ تؤمِّنَه، فأمِّنه فداك أبي واُمّي ! فقال: قد أمّنتُه، فخرج في أثره، فقال: إنّ رسول اللَّه| قد أمّنك، قال صفوان: لا واللَّه حتّى تأتيني بعلامةٍ أعرفُها، فرَجَع إلى رسول اللَّه | فأخبره وقال: يا رسول اللَّه، جئته وهو يريدُ أن يَقتل نفسه، فقال: لا أرجع إلّا بعلامة أعرِفها، فقال: خذ عمامتي، فرجع عمير إليه بعمامة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم - وهي البُردُ الّذي دخل فيه رسول اللَّه | مكّة معتجراً به، برد حِبرة أحمر. فخرج عمير في طلبه ثانيةً حتّى جاءه بالبُرد، فقال: يا أبا وَهب، جئتك من عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبرِّ الناس، وأحلم الناس، مجدُه مجدُك، وعِزّه عِزّك، ومُلكه مُلكك، ابنُ أبيك واُمّك، اُذكِّرك اللَّه في نفسك، فقال: أخافُ أن اُقتل، قال: فإنّه دَعاك إلى الإسلام فإن رضيتَ وإلّا سيَّرك شهرين، فهو أوفى‏ الناس وأبرّهُم، وقد بعث إليك ببردِه الّذي دخل به معتجراً، أتعرِفه ؟
قال: نعم، فأخرجه.
فقال: نعم هو هو، فرجع صفوانٌ حتّى انتهى إلى رسول اللَّه
| فوجده يصلّي العصر بالناس. فقال: كم يصلّون ؟
قالوا: خمس صلوات في اليوم والليلة.
قال: أمحمّدٌ يصلّي بهم ؟
قالوا: نعم، فلمّا سلّم من صلاته صاح صَفْوان، يا محمّد، إنّ عميرَ بن وهب جاءني ببُردك، وزَعَم أنّك دعوتني إلى القدوم إليك، فإن رضيت أمراً، وإلّا سيّرتني شهرين.
فقال رسول اللَّه
|: انزل أبا وهب، فقال: لا واللَّه أو تبيّنَ لي. قال: بل سِر أربعة أشهر. فنزل صفوانُ وخرج معه إلى حُنين وهو كافر، وأرسل إليه يستعير أدْراعه - وكانت مائة دِرع.
فقال: أطوعاً أم كَرْهاً ؟
فقال
|: بل طَوعاً عاريةً مؤدّاة، فأعاره إيّاها، ثمّ أعادها إليه بعد انقضاء حُنين والطائف، فلمّا كان رسول اللَّه‏| بالجعرانة يسير في غنائم هوازن ينظر إليها، فنظر صفوان إلى شعبٍ هناك مملوء نَعَماً وشاءً ورعاءً، فأدَام النظر إليه ورسول اللَّه |يَرْمُقه. فقال: أبا وهب، يعجبك هذا الشِّعب !
قال: نعم، قال: هو لك وما فيه.
فقال صفوان: ما طابت نفسُ أحدٍ بمثل هذا إ
لا نفس نبيّ، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّك رسول اللَّه. وتوفّي صفوان بمكّة عند خروج الناس إلى البصرة يوم الجمل. 11 - تأليف قلوبهم رجاء أن يُسلموا ؛ كما صنع النبيّ‏
| مع وفود المشركين القادمين عليه عام تسعة للهجرة. 12 - عدم ابتدائهم بالقتال حتّى يبدؤا.
13 - عدم قطع الماء عنهم إ
ل
ا لضرورة رجاء إسلامهم. كلّ هذا فضلاً عن دخول صنوف العدل في جملة البرّ، فإنّه أعمّ من العدل كما لا يخفى.
كلمة الختام‏
هذه زبدة المخض في هذا البحث المختصر، آملين التوسّع فيه - تفصيلاً ودليلاً - في فرصة قادمة بعونه تعالى.
اللهمّ اجمع كلمة عبادك على الحقّ العدل، وألّف بين قلوبهم على الأمن والإيمان، وأعنهم على البرّ والتقوى، واصرفهم عن الإثم والعدوان.
اللهمّ أنت السلام، ومنك السلام، وإليك السلام، فأكرمنا في الدنيا بسلام الإسلام، وأسكنّا في الاُخرى دار السلام، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله خير الأنام.
فاضل المالكيّ‏
17 ربيع المولد 1424 هـ
فهرس موضوعات الكتاب‏
المقدّمة
5 تقسيمات المجتمع الإنسانيّ على‏ أساس عقائديّ
6 المسلم
6 الكافر وأقسامه
7 الذمّي
.7 المعاهد
8 المستأمن
13 نماذج من الإستئمان
14 الحصانة الدبلوماسيّة
15 أمان اللاجئين السياسيّين
16 أمان السيّاح الزائرين
18 المؤمَّن
19 المسالم
19 تحقيق قرآنيّ فقهيّ
20 حكم مسالمة الكافر المسالم
26 تحقيق قرآنى في آية السلم
27 تحقيق قرآنى في آية «لا إكراه في الدين»
30 تحقيق قرآنيّ في آية البرّ والقسط مع الكفّار
31 الوفاء بالمواثيق
33 موقف الإسلام من الاغتيال
35 حرمة القتال في الأشهر الحرم
55 صور البرّ مع الكفّار
65 كلمة الختام
75 فهرس الموضوعات
77

تنبيه هام لكل القراء ..الموضوع طويل جدا لأنه عبارة عن بحث متكامل و لمن يريد الأستفادة من البحث
لقد وضعت الكتاب بصيغة PDF لكي يسهل تحميله و قراءته

التحميل
من هنا