TODAY - September 19, 2010
فايننشال تايمز: العراق عملاق اقتصادي يستيقظ تدريجيا لكنه بانتظار الحكومة الجديدة
بغداد- العالم
قال فاروق سوسه، كبير المحررين الاقتصاديين في قسم الشرق الاوسط بصحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، انه على الرغم من اعلان الرئيس الأميركي باراك اوباما انتهاء العمليات القتالية الاميركية في العراق في 31 آب (اغسطس) رسمياً، فان الأخبار الواردة من البلاد تشير الى استمرار الاضطراب والعنف السياسيِ.
وذكر سوسة في تقرير نشرته الصحيفة ان العراق يبقى بشكل واضح بلدا غير مستقر وهي حالة قد تدوم لسنوات قادمة، لكن رغم ذلك، فان الامر الذي بقي غير مرئي بصورة كافية هو ان هناك تحت السطح المضطرب ينام العراق العملاق الاقتصادي الذي بدأ بالاستيقاظ تدريجيا بعد سبات دام ثلاثين عاما.
وترى الصحيفة ان اول بوادر الاستيقاظ الاقتصادي بدأت في السنة الماضية، عندما وقع العراق 12 عقدا جديدا مع الشركات النفطية الدولية لزيادة انتاجية عشرة حقول عراقية نفطية لم تستثمر بصورة كافية.
وهذا الامر سيجعل العراق واحدا من اكبر مجهزي النفط في العالم، سوية مع العربية السعودية وروسيا وسيكون قادرا على انتاج المزيد. ووفقا لاسعار النفط الحالية فان ايرادات العراق النفطية سترتفع لتصل الى نحو 280 مليار دولار اميركي سنويا وستكون حصة كل فرد عراقي رجلا أو امرأة أو طفلا بحدود عشرة الاف دولار اميركي، مقارنة مع العائدات الحالية التي هي بحدود سبعين مليار دولار.
لكن- كما تقول الصحيفة - فان الثروة النفطية ليست في كل الاحوال نعمة تصيب أمة، وماضي العراق القريب يشهد على ذلك. لكن هذه الثروة المفاجئة القادمة ستكون لها الامكانية، اذا أحسِنَ ادارتها، لتحويل العراق الى احد اغنى البلدان في المنطقة وسيكون له وزن كبير في الساحة النفطية العالمية. وفي الحقيقة فالتخمينات تشير الى انه في نهاية عقد زمني فان الزيادة في انتاج النفط يمكن ان تزيد المردود المحلي الاجمالي لكل فرد اربعة اضعاف، ويكون العراق ذا احتياطات مالية تفوق 350 مليار دولار، وهو ما سيضعه بمصاف العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة في هذه الايام. والعراق الذي يستدين الآن من صندوق النقد الدولي لتدبير امور المعيشة، يمكنه ان يصبح احد اكبر مصدري رأس المال في العالم.
ولو وضعت المنافع الخاصة بالعراق جانبا، فان المردودات الايجابية لبقية العالم ستكون كبيرة، فان مصدرا جديدا للنفط موثوقا به سيتم الترحيب به من البلدان المستوردة للطاقة النفطية. وان اعادة البناء تقدم فرصا ضخمة لقطاعات البناء الاقليمية وما يرتبط بها من قطاعات أخرى.
وتقول الصحيفة ان اقتصادا عراقيا مزدهرا ومنفتحا بالاضافة الى سكان العراق البالغ عددهم ثلاثين مليونا، كلها ستشكل سوقا كبيرا للسلع والخدمات ستعرض فيه الشركات العالمية والاقليمية خدماتها.
وتضيف، انه وعلى اية حال، فهناك عدد من العقبات والتحديات الهائلة. اولها التحديات الامنية، ومن غير المحتمل ان تعيق مستويات العنف الحالية بشكل كبير خطط زيادة الانتاج النفطي لأن اغلب الحقول الكبيرة تقع في جنوب العراق الذي يسكنه الشيعة وهو مستقر نسبيا.
لكن الحصول على ارباح نفطية سريعا لافادة الاقتصاد العراقي بمجمله لاحقا يستوجب تحسين الامن على الصعيد الوطني ككل.
أما العقبةَ الثانيةَ فهي السياسات الداخلية. فان أي قانون نفطي جديد في طور الإعداد يزيد من الحيرة المتعلقة بالبيئةَ القانونيةَ والتنظيميةَ للصناعة. علاوة على ذلك، فان عدم الاستقرار السياسي والعجز والقصور الذاتي تشكل تهديدا ايضا لتوفير البنى الضرورية جدا للصناعات النفطية، مثل الطرق والماء والكهرباء، والتي من دونها لن تتمكن الشركات النفطية الدولية من تلبية خطط رفع الانتاج.
وفي النهاية فان هناك عقبة السياسة الاقتصادية والنظرة الحكومية. فلكي يستفيد الاقتصاد والاغلبية السكانية افضل استفادة من الثروة المتوقعة، يجب ان تهتم السياسة الاقتصادية بقضايا الفاقة والفقر الكبيرة خصوصاً في المناطق الريفية البعيدة. وان تُعنى بالصحة والتعليم بصورة اكبر. ويجب التخلص من الفساد. وقد جاهدت السلطات كثيرا في تثبيت اقتصاد أوهنته الحرب، وقامت بخطوات هامة لتحسين الشفافية والمحاسبة. لكن هذه الانجازات كلها تمت بتوجيه من صندوق النقد الدولي ومنظمات أخرى.
ومن غير الواضح الكيفية التي ستعمل بها الحكومة وطبيعة السياسة الاقتصادية عندما يُترك العراق لوحده.
وتتساءل الصحيفة: هل سيتغلب العراق على هذه العقبات ويحرر طاقته الاقتصاديةَ الكامنة كلها؟ وتقول إن الحيرة عظيمة. ولكن مرة اخرى فان الفرصة مؤاتية وسنبقى متفائلين بانه عندما تتسلم الحكومة الجديدة مهامها، فان العراق سيستأنف يقظته كعملاق اقتصادي.