TODAY - September 22, 2010
مسؤول في الداخلية: مساعدة أمهات هؤلاء يشجع المتمردين .إحدى الأرامل: لن يعترف أحد بأني ضحية
الآلاف من اطفال مقاتلي القاعدة غير مسجلين رسميا وبلا مدارس ولا مستقبل وظيفي

في مدينة بعقوبة، كانت زهراء طفلة نشيطة. ولا تزال تلهو وامها تلبسها ملابس وردية. لكنها غير موجودة وفقا للحكومة.
وزهراء ابنة مقاتل في القاعدة أَجبر امها على الزواج به وعلى الانجاب ثم اختفى. وهي ليست الوحيدة في مثل هذه الحال فهناك المئات وربما الآلاف من الاطفال من الذين جاؤوا لهذه الدنيا وسط الفوضى واعمال العنف التي يقوم بها المتمردون من دون تسجيلهم قانونيا في السجلات الحكومية.
ومن دون تسجيلها كتابيا (في سجلات الدولة) للبرهنة على انها ابنة رجل عراقي، ومن دون قيد والديها بكونهما متزوجين شرعيا قبل ولادتها ، فان زهراء وآخرين مثلها ليس لهم حقوق كمواطنين عراقيين حسبما يقول خبراء قانونيون، وليست لديهم شهادات ولادة ولا جوازات سفر او بطاقات احوال شخصية، وبالتالي لن يكونوا قادرين على الذهاب الى المدارس او الالتحاق بالوظائف الحكومية. وهؤلاء الأطفال موروث ما يزيد على سبع سنوات من الحرب لم يتم الالتفات اليه الا قليلا. انهم يدفعون ثمن ذنوب آبائهم.
ويقول احمد جاسم مدير مؤسسة "نور" وهي مؤسسة غير حكومية تُعنى بذرية المقاتلين في المحافظة الشمالية الشرقية ديالى "انه لأمر خطر لأنهم في المستقبل قد يلحقون الاذى بالمجتمع". وهؤلاء الاطفال نتاج زمن كانت "القاعدة في العراق" فيه قد سيطرت على مناطق كبيرة من البلد بعد الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة. وفي حينها توقف النظام القانوني وتوقفت المؤسسات عن العمل واندلعت اعمال التمرد. ووفر بعض السنة العرب ملجأً لرجال عرب وعراقيين وأجانب، معتقدين انهم سيساعدونهم في تخليصهم من الجيوش الاجنبية. لكن "القاعدة في العراق" سرعان ماقويَّ نفوذها واتخذ شكلا وحشيا فاعلنت عن قيام دولة اسلامية وفرضت شكلا قاسيا من القوانين الاسلامية. لكن التجمعات السنية انقلبت مع الوقت على القاعدة. وتعرض رجال القاعدة للقتل أو السجن او بقوا يترصدون في الظل، وترك البعض منهم اطفالا لم توثق ولاداتهم رسميا واعمارهم الان مابين 1-4 اعوام. وحدد احمد جاسم 125 عائلة على الاقل في محافظة ديالى لوحدها، فيها اطفال من زواج بالاكراه بمقاتلين في القاعدة. والعديد من الزوجات لايعرفن هوية ازواجهن الغائبين الحقيقية، ويتخوفن من السعي لنيل حقوق اطفالهن اذ سيتعرضن وعوائلهن الى الاحتقار أو السجن بسبب اتصالهم بمنظمة غير شرعية. والفراغ السياسي في البلاد لايساعد، فبعد اكثر من ستة شهور على الانتخابات لم تُشكل ْ حكومة. والكثير من هؤلاء النسوة من السُنة ويتخوفن من ان حكومة بقيادة شيعية لن تتعاطف معهن وسيعتبرن مشاركات في جرائم ازواجهن المفقودين. ويقول المسؤولون في وزارة الداخلية من الذين كُلِفوا بمهمة بمساعدة ضحايا حرب العراق انه لايمكن اعتبار هؤلاء النسوة ضحايا عمليات اغتصاب، وبالتالي لايمكنهم القيام بشيئ على الرغم من ان الحالة تدعو للأسف.
ويقول فاضل الشويلي المسؤول في الوزارة عن التعامل مع ضحايا الحرب "ان مساعدة هؤلاء النسوة يمكن ان يشجع القاعدة في العراق".
ويرى الخبراء القانونيون ان الحل الاسهل سيكون باعتبار الاطفال ايتاما ونقلهم الى ملاجئ الايتام او اصدار شهادات ولادة لهم وتكون اسماء ابائهم مزيفة. وتقول النائبة ناهدة زيد منهل من كتلة العراقية بانها ستواصل الكفاح نيابة عن هؤلاء الاطفال عندما تتشكل الحكومة. وتضيف "هؤلاء الاطفال مذنبون للاشيء".
وهذه الحصيلة عن ولادة زهراء وحياتها استندت الى مقابلات مع امها التي باتت تُعرَفْ باسم أم زهراء ومع جدتها واقربائها الاخرين. لكن لم يتم التحقق من جهة مستقلة عما قيل ولم تسمح العائلة باعطاء اسماء كاملة خوفا من النتائج. وبالاضافة للمشاكل القانونية فان الامهات مثل ام زهراء يقلن انهن يشعرن بانهن منبوذات في ثقافة ترى ان الانجاب من خارج زواج امر محرم.
وفي ليلة من صيف عام 2008، اندفع ستة مقاتلين من "القاعدة في العراق" الى بيت ام زهراء في بهرز خارج بعقوبة. وكان الشيعة قد أُجبروا على ترك بيوتهم في المنطقة أو التعرض للقتل من قبل القاعدة اثناء الحرب الاهلية 2005-2007. وكان السكان خائفين جدا من الانقلاب على القاعدة، على الرغم من ان تأثيرها كان يتضاءل في مناطق أخرى. وعَرَّفَ احد الرجال نفسه بانه ابو زهراء فقط، اما مرافقوه الاخرون فقد خيروا شقيق ام زهراء بين الالتحاق بهم او قتله او تسليمهم امه، ام حسن، وشقيقته الشابة التي كانت وقتها جميلة في الثامنة عشرة من عمرها وعيونها غامقة. ولانت النسوة واقيمت مراسم الزواج على يد الرجال المسلحين، ولكن لم يكن هناك عقد زواج موقع. وارغم ابو زهراء الشابة المراهقة على مواقعته. وطوال الشهور الثلاثة اللاحقة كان المقاتلون يقدمون في وقت متأخر من الليل - حسبما تقول النسوة- ويغادرون قبل شروق الشمس. وتقول العائلة ان الزوج لم ينبئ زوجته ام زهراء باسمه الحقيقي، اما هي فتقول انها لم تر وجه الرجل الذي انهى عذريتها. وتضيف "انا اكرهه فقد اخذ اغلى شيء عند المرأة".
وبعد ان أصبحت حاملا، فكرت الشابة بالإجهاض أَو قتل نفسها. لَكنها لم تقم بشيء لانها تؤمن بالله، كما تقول، ولأن الاسلام لا يقر الاثنين. وعندما ولدت طفلتها كان الاب قد اختفى منذ شهور من دون ان يترك اثرا. لكنها اختارت ان يكون اسم ابنتها زهراء في حال عودته. وتعيش عائلة ام زهراء في بعقوبة مركز محافظة ديالى في الوقت الحاضر. واخبرت العائلة جيرانها الجدد بان الطفلة يتيمة وانهم اخذوها الى بيتهم. لكن ام زهراء تدرك ما يتهامس به الجيران حولها ويتعجبون حول سبب مناداة زهراء لها "ماما".
وليس في نية ام زهراء الذهاب الى المحكمة لاقرار حقوق طفلتها التي بلغت الآن ما يقارب الثلاث سنوات من العمر، بسبب قلقها من ان تتعرض لانتقادات الناس حول طريقة زواجها وانجابها. والعائلة لا تستطيع انفاق مبلغ يتراوح بين 100 و300 دولار لاصدار شهادة ميلاد مع تزييف اسم الاب. ومع مقتل زوج ام حسن جدة زهراء ، فانها راحت تعمل تطوعيا في المستشفى المحلي وتعيش على ما تحصل عليه من "بخشيش". وعندما تحصل على "البخشيش" فان العائلة تجد ما تأكله والا فلا اكل. وما يحيطها دليل على الفاقة فهناك حيطان وردية مهدمة، وليس هناك من أثاث، وابن في السجن بتهمة الاختطاف. ومع قلة مدخولها، فان ام حسن تأمل ان تجمع ما يكفي لرشوة القابلة وعقد صفقة لاصدار شهادة ميلاد لزهراء.
وفي الوقت الحاضر لاتغادر ام زهراء البيت. وهي في عمرها العشرين تتحمل اعباء لايتحملها الا الكبار. وقد غام وجهها بالحزن وتتصارع مشاعرها حول ماضيها فقد تعرضت للانتهاك من والد طفلتها وتشعر بالذنب لانها لم توقفه عن القيام بالامر.
وفي كل يوم تحدق ام زهراء بوجه طفلتها فلعلها اكتسبت ملامح ابيها. وتتساءل ان كانت هناك اية فرصة لطفلتها لكي تعيش هنا.
وتقول "لا احد سيفهم انني ضحية، ولن يقول احد انني ضحية".
عن
صحيفة واشنطن بوست