TODAY - September 22, 2010
"ماذا حدث؟": اسرار الحرب العراقية الإيرانية بلسان شهودها
في فيلم وثائقي يبثه تلفزيون بي بي سي بمناسبة مرور 30 عاما على الحرب العراقية ضمن سلسلة وثائقيات "ماذا حدث؟"، كشف مسؤول أمريكي سابق أن صدام حسين قد خطط لضربة جوية خاطفة ضد القواعد الايرانية تنطلق من بعض الدول الخليجية لتدمر القواعد الجوية الايرانية في الجنوب الايراني قبل بدء الحرب العرقية الايرانية عام 1980.

إن احتجاز الرهائن خطط له في الولايات المتحدة ونفذ في ايران من قبل الحزب الجمهوري وبعض قادته خاصة روكفلر وكسينجر
الرئيس الايراني السابق أبو الحسن بني صدر

وقال غاري سيك مساعد مستشار الأمن القومي الامريكي (بريجنسكي) لشؤون الخليج إبان إدراة كارتر أن صدام حسين "اتصل فعلا بالعمانيين والاماراتيين والسعوديين، وقال لهم انه بات جاهزا لشن حرب ايام ستة فاعلة. وستكون القاضية لاسقاط النظام الثوري في ايران. لكن عليه ان يستخدم قواعدهم لكي يقوم بذلك. وقد وافق العديد منهم ".
واضاف " نحن اكتشفنا ذلك قبل يوم واحد من التنفيذ، وفي الغالب عندما كانت الطائرات في الجو متجهة في هذا الاتجاه. واتذكر اننا اتصلنا بعمان وابلغناهم بأن عليهم ان ينتظروا ويفكروا".

الجمهوريون خططوا لأزمة الرهائن

بني صدر: كل شيء بدأ من أخذ الرهائن

أما ابو الحسن بني صدر أول رئيس جمهورية في ايران بعد الثورة الاسلامية، فقد اتهم الحزب الجمهوري الامريكي بالتخطيط لأزمة احتجاز الرهائن الامريكيين في ايران وما تلا ذلك من احداث وصولا إلى الحرب العراقية الايرانية.
وقال بني صدر: " كل شيء بدأ من اخذ الرهائن. الدراسات التي تمت منذ عام 1983 حتى الان، كلها تشير إلى ذلك. إن احتجاز الرهائن خطط له في الولايات المتحدة ونفذ في ايران من قبل الحزب الجمهوري وبعض قادته خاصة روكفلر وكسينجر. وتلى ذلك مباشرة فرض العقوبات الاقتصادية ثم الهجوم العراقي على ايران بالترتيب الذي قلته".
من جانبه، قال المسؤول الأمريكي السابق سيك إن "الايرانيين كانوا قد ارسلوا مبعوثا إلى المانيا في 12 سبتمبر/ ايلول 1980 قالوا عبره ولاول مرة رسميا أنهم راغبون في انهاء أزمة الرهائن وأنهم يرغبون في تجاوز العقبات والاستعداد لمناقشة ذلك معكم. والتقى الامريكيون معهم بشكل سري في بون في المانيا".
لكن الهجوم الذي شنه صدام بعد عشرة ايام "انهى كليا المباحثات التي كانت جارية اذ اعتقد الايرانيون ان الامريكيين هم المحرضون على هذه الحرب بسبب ازمة الرهائن".

الضوء الاخضر لبدء الحرب

سيك: من منظور ادارة كارتر هجوم صدام كان مفاجأة

ونفى سيك ان تكون الولايات المتحدة قد اعطت الضوء الاخضر للعراق لبدء الحرب، كما نفى وجود أي تنسيق مع الجانب العراقي، مضيفا "الواقع، اذا كنا قد فعلنا شيئا فهو العكس. لاننا كنا في تلك الايام نحاول ان نفتح علاقة مع الحكومة الجديدة، الحكومة الثورية، وفعلا قمنا بارسال مبعوثين اليهم لابلاغهم عن حقيقة أن صدام كان يحشد قواته".
ووصف الهجوم العراقي في 22 /9/ 1980 بأنه كان مفاجأة في منظور ادارة الرئيس الامريكي كارتر، واصفا لحظة معرفته ومستشار الامن القومي بريجنسكي بالهجوم بقوله: "كنت مع بريجنسكي في ذلك الصباح الذي حدث فيه الهجوم، وعندما سمعت به لأول مرة هرعت إلى مكتبه، وجدت في مكتبي خارطة تبين توزيع الحدود وأنابيب النفط، اخذتها معي الى مكتبه وجلسنا على الارض ونشرنا الخارطة وبدأنا في النظر اليها لتحديد الوضع الاستراتيجي".
ويرى بافل اكوبوف رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس والسفير السابق للاتحاد السوفياتي في الكويت أن " السبب الرئيسي، وإن ربط بشط العرب، هو النفط". فضلا عن التناقضات والخلافات الدينية "وما للطرفين من مخططات طموحة للسيطرة على الخليج وعلى منطقة الشرق الأوسط بأسرها".
وكشف آكوبوف عن أن الاتحاد السوفياتي حينذاك الذي كان قد قطع توريد الاسلحة إلى العراق (عاد لتقديمها له لاحقا بعد عام 1982)، قد عرض على القيادة الايرانية عبر سفيره فيها انذاك فلاديمير فينوغرادوف تزويدهم بـ " الدعم العسكري وتوريدات الاسلحة، لكن القيادة الايرانية رفضت هذا الاقتراح معلنة انها لا تستطيع القبول بهذه المساعدة لان الاتحاد السوفياتي يدعم العراق ولان الاتحاد السوفياتي قام بغزو افغانستان".

لم نعط ضوءا اخضر للعراق لشن الحرب والواقع، اذا كنا قد فعلنا شيئا فهو العكس، لاننا كنا في تلك الايام نحاول ان نفتح علاقة مع الحكومة الجديدة، الحكومة الثورية، وفعلا قمنا بارسال مبعوثين إليهم لإبلاغهم عن حقيقة أن صدام كان يحشد قواته
غاري سيك مساعد مستشار الامن القومي الامريكي لشؤون الخليج في ادارة كارتر

روايتان متناقضتان
ويقدم طرفا الحرب روايتين متناقضتين لبدء الحرب، ففي الوقت الذي يعتبر الايرانيون لحظة عبور القوات العراقية للحدود الدولية واندفاعها في عمق الاراضي الايرانية في 22 سبتمبر/ايلول عام 1980 فاتحة هذه الحرب، يعيد مسؤولون في النظام السابق في العراق تاريخ بدء الحرب الى فترة اسبق.
ويقول عبد الجبار محسن، الناطق باسم القيادة العامة القوات المسلحة العراقية حينذاك، ان التاريخ الرسمي للحرب نعتبره في أبريل/ نيسان لانه هناك بدأت عملية ضرب الحدود العراقية بالاسلحة الثقيلة، اما ما حدث في سبتمبر/ايلول، فهو رد فعل لسلسلة عمليات".


كانت الحرب العراقية الايرانية من اطول حروب القرن العشرين واكثرها دموية

ويقول الدبلوماسي الأيراني السابق رضا قاسمي إن العدوان كان متبادلا، بيد أنه يميز بين ما يسميه العدوان التحريضي والعدوان الفعلي. وإذ يتهم إيران بقيامها بعدوان تحريضي فأنه يتهم العراق بالقيام بالعدوان الفعلي، وبذلك ينبغي عليه، بنظره، دفع تعويضات الحرب.
ويرى قاسمي ان النظام العراقي استجاب للتحريض الذي ارتبط مع " شعارات تصدير الثورة وتصريحات مثل سنذهب الى القدس عبر كربلاء. واصبح شائعا ارسال العملاء للاختراق ودعم وتقوية حزب الدعوة الذي كان معارضا للنظام الحاكم في العراق".

ظهور العمليات الانتحارية
بينما يعيد وفيق السامرائي المدير السابق للاستخبارات العسكرية ومسؤول شعبة ايران فيها ابان الحرب، بدء الحرب إلى المناوشات التي وقعت بين الجانبين "منذ مطلع عام 1980 وتحديدا منذ ربيع ذلك العام، ثم تطورت في الرابع من سبتمبر/ ايلول ثم قام العراق بالهجمات الواسعة والاندفاع الواسع".
ويرجع السامرائي إلى فترة الحرب أول ظهور للعمليات الانتحارية في العراق قائلا "أول ما طبقت العمليات الانتحارية في العراق طبقت في تلك الفترة بتوجيه ايراني وتخطيط ايراني ومنفذين عراقيين".

أول ما طبقت العمليات الانتحارية في العراق طبقت في تلك الفترة بتوجيه إيراني وتخطيط إيراني ومنفذين عراقيين".
وفيق السامرائي مدير الاستخبارات العسكرية العراقية السابق

ويرى محمد علي الناصري عضو مجلس شورى حزب الدعوة أن القمة التي وصل اليها الصراع بين نظام البعث وحزب الدعوة في العراق جاءت مع اعدام المرجع الديني الشيعي محمد باقر الصدر، اذ لأول مرة في تاريخ العراق يجري إعدام مرجع ديني كبير.
ونفى أن يكون حزب الدعوة قد تلقى الدعم من ايران، قائلا إن "إيران كانت في حالة فوضى ولا يوجد فيها مركز قرار سياسي واستراتيجية سياسية بل العكس نحن في حزب الدعوة كنا أكثر تنظيما من الوضع في ايران. وبالتالي لا يمكن الاعتماد على القول بأن ايران قد ساعدت الدعوة".
كما كشف الناصري عن أن اعتماد الكفاح المسلح والعمليات المسلحة التي قام بها الحزب في تلك المرحلة ومنها محاولة اغتيال طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي جاءت من "مجموعات محلية في الداخل وليس بقرار سياسي مركزي. هناك ما يسمى قوات الشهيد الصدر، وهي موجودة عادة في الجنوب ولها فروع وتجمعات في مناطق اخرى".

دقة المسمار

قدرت خسائر الحرب بـ 400 مليار دولار

ويقول فالح عبد الجبار، رئيس "مركز دراسات عراقية" ومقره بيروت، إن قرار الحرب جاء "من العراق وليس من ايران"، لكنه يشير الى دعم ايران للحركات الاسلامية الشيعية في ذلك الوقت واحتضانها له، متحدثا عن الفرق بين النموذج الديني في البلدين بقوله: "زرت إيران في هذه الفترة والتقيت بهم كان اعتقادهم أن سيناريو الثورة الايرانية قابل للتكرار في العراق، بمعنى نزول الجماهير الى الشارع لتهتف الله اكبر ثم تحتل مخافر الشرطة والطرق والمباني الحكومية ، مثلما حصل في ايران دون أن يدركوا أن طريقة تنظيم الدين في ايران تختلف عنه في العراق اختلافا هائلا".
ويرى عبد الجبار ان الحرب العراقية الايرانية كانت اكبر كارثة في تاريخ العراق، بل هي بنظره اسوأ من غزو هولاكو لبغداد، ويصفها بأنها "دقة المسمار في نعش المجتمع والمدنية في العراق، التي انهت الدولة العراقية وحولتها إلى مزرعة شخصية، وحطمت 130 عاما من التراكم الحضاري في لحظة واحدة".
ثلاثة عقود الى الوراء ، يعود فيلم " العراق وايران: الطريق الى الحرب " ضمن سلسلة وثائقيات "ماذا حدث" التي ينتجها تلفزيون بي بي سي عربي ، ليناقش اسباب اندلاع الحرب العراقية الايرانية والظروف والملابسات التي سادت المرحلة التي سبقتها ومهدت اليها. مع عدد من شهود تلك المرحلة والفاعلين فيها من الجانب العراقي والايراني والدول الكبرى .

يعرض الفيلم الوثائقي على شاشة تلفزيون "بي بي سي" العربي يوم الخميس 23 /9 في الساعة التاسعة والنصف بتوقيت جرينتش مساء .
ويعاد عرضه في اليوم التالي الجمعة مرتين في الساعة الواحدة والنصف والخامسة والنصف بتوقيت جرينتش.