سجاد مطلك

الشعر كملاذ للروح العراقية

تقييم هذا المقال
بواسطة سجاد مطلك, منذ 5 يوم عند 04:36 PM (206 المشاهدات)
منذ فجر التاريخ والعراق مهدُ حضارةٍ وبوابةٌ للكلمة ظلَّ الشعر فيه ليس مجرّد إبداع لغوي بل هو مرآة الروح، وصوت الجماعة، وملاذ الفرد حين تضيق به الدروب. ليس غريبًا أن تكون أوائل المعلّقات الشعرية في التاريخ وُلدت على تخوم هذه الأرض وأن تكون الأساطير الرافدينية قد صيغت في أبياتٍ وأناشيدٍ كانت تحاكي الإنسان في قلقه الوجودي ومصيره الغامض.
إنَّ الشعر في العراق لا يُقرأ فقط كفنٍّ جمالي، بل كضرورة حياتية. في لحظات الحرب والدمار، لم يجد العراقي ملاذًا أكثر صدقًا من بيت شعرٍ يواسيه أو قصيدةٍ تُشعل فيه روح الصمود. وما أكثر ما شهدنا في المقاهي الشعبية أو في ساحات الجامعات أن شابًا يمسك دفتراً ويقرأ بصوتٍ عالٍ قصيدته كمن يتطهر من أوجاعه. الكلمة هنا تتحول إلى مأوى، يلوذ به الشاعر كي لا يُفتَك بروحه.

وحين نتأمل التجربة العراقية في الشعر، نجدها متشبعة بالحزن والمراثي، ولكنها أيضًا غنية بالأمل والتمرّد. فمن مظفر النواب الذي حوَّل الشعر إلى سيفٍ ثوريٍّ يجلد الطغاة، إلى الجواهري الذي جعل من العراق قصيدته الكبرى، إلى شعراء شعبيين استطاعوا أن يختصروا آلام الناس ببضع كلمات دارجة لكنها تفجّر الدموع، يتضح لنا أن الشعر لم يكن مجرّد هواية، بل مصيرًا جماعيًا.

ولعلّ سرّ هذا التعلّق بالشعر يعود إلى طبيعة الروح العراقية نفسها؛ فهي روح قلقة، عاشقة، مشتعلة بالأسئلة. العراقي حين يُحب يكتب شعرًا، وحين يُخذل يكتب شعرًا، وحين يُحاصر يصرخ بالشعر. الكلمة في وجدانه ليست زينةً لغوية، بل أداة بقاء، بل قل إنّها بيتٌ يسكنه حين تُهدم البيوت، وسماءٌ يلوذ بها حين تضيق الأرض.

ولذلك يمكن القول إن الشعر هو "المكان البديل" للعراقي. مكان لا يُقصف، لا يُسرق، لا يُباع في الأسواق. مكانٌ يبقى حرًا مهما اشتدت القيود. فالشاعر في العراق ليس فنانًا فقط، بل هو شاهد على التاريخ، وحاملٌ لوجع الجماعة، ومُترجمٌ لأحلامٍ مؤجّلة.

إنّ ملاذ الروح العراقية لم يكن يومًا قصراً ولا ثروةً، بل كان قصيدةً تُتداول سرًّا أو جهرًا، تُحفظ عن ظهر قلب، تُردَّد في المناسبات أو في لحظة خلوة مع الذات. وبذلك يظل الشعر ليس فقط فناً، بل ملاذًا وملجأً، وبيتًا سريًا للروح في مواجهة صخب العالم وعبثية الحياة.
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال