المحامي سجاد خماس الساعدي
ميراث الزوجة من الارض في الفقه الجعفري
بواسطة المحامي سجاد خماس الساعدي, منذ 5 يوم عند 01:42 AM (399 المشاهدات)
مسألة عدم إرث الزوجة من عين الأرض والعقار، يرى جمهور فقهاء الإمامية أن الزوجة لا ترث من أرض الزوج المتوفى شيئًا، بل ترث من قيمة البناء والأشجار فقط، دون رقبة الأرض نفسها. ومع أن هذا الرأي هو المشهور، إلا أن النظر إليه من زاوية النص القرآني يفتح بابًا واسعًا للتساؤل. فالآية الكريمة في سورة النساء جاءت مطلقة في بيان حصة الزوجة من الميراث، حيث قال تعالى ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾ (النساء: 12). وهذه الآية، بعموم لفظها، تشمل جميع التركة، منقولًا كان أم غير منقول، أرضًا أو بناءً أو مالًا. فمن حيث النص القرآني، الزوجة مساوية للزوج في الحق بالإرث من حيث النوع لا المقدار، أي أن نوع التركة لا يُستثنى منه شيء إلا بدليلٍ قطعي. أصل الحكم عند الفقهاء الإمامية رغم وضوح إطلاق النص القرآني، إلا أن فقهاء الإمامية اعتمدوا على روايات وردت عن الأئمة من أهل البيت (ع)، نصّت صراحة على حرمان الزوجة من إرث عين الأرض.
فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئًا)
(وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 17، باب 6 من أبواب ميراث الأزواج، حديث 1). وفي رواية أخرى عنه (ع) (إنما يرثن من قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب) (المصدر نفسه، حديث 3). واستنادًا إلى هذه الروايات، قال المشهور من فقهاء المذهب، ومنهم الشيخ الطوسي في كتابه التهذيب والعلامة الحلي في قواعد الأحكام والشهيد الأول في اللمعة الدمشقية، بأن الزوجة لا ترث عين الأرض وإنما قيمتها، سواء كانت دارًا أو بستانًا أو مزرعة. التعارض بين إطلاق القرآن وتقييد الرواية ،يُلاحظ أن هذه الروايات تخصّص عموم القرآن، أي أنها تحدّ من إطلاق النص القرآني الذي لم يفرّق بين نوع التركة. وهنا يبرز الإشكال الأصولي الكبير ،هل يمكن لروايات آحاد أن تُقيّد أو تُخصّص نصًّا قرآنيًا قطعيًّا في دلالته؟
عدد من العلماء المعاصرين، ومنهم السيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد باقر الصدر في بعض دراساته الفقهية، يرون أن هذا التخصيص لا يستقيم مع ظاهر القرآن وروحه، لأن الأصل هو التساوي في أصل الاستحقاق ما لم يرد دليل قطعي يخالفه. بل إن البعض ذهب إلى أن هذه الروايات قد تكون ظرفية، صدرت في سياق اجتماعي خاص كانت فيه الأرض ذات رمزية عشائرية واقتصادية، فتمّ تقييد الإرث لحماية ملكية العائلة أو القبيلة، لا لتمييزٍ شرعي بين الرجل والمرأة.
المشهور من المراجع المعاصرين، مثل السيد علي السيستاني والإمام الخميني والسيد أبو القاسم الخوئي، ما زال على الالتزام بهذا الحكم، بقولهم “الزوجة لا ترث من عين الأرض شيئًا، وإنما ترث من قيمتها فقط.” بينما رأى آخرون أن الالتزام بظاهر الآيات أولى، لأن القرآن هو الحاكم الأعلى على الروايات، كما قال تعالى ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ (النساء: 13)،
وإطلاق “حدود الله” هنا يشمل أحكام الإرث كما وردت في القرآن دون تخصيص.
المسألة إذن ليست في أصل الميراث، بل في حدود تفسير النص القرآني عبر الرواية. فبينما يرى جمهور الفقهاء أن الروايات تخصّص الآية، يرى فريق من الباحثين أن القرآن الكريم قد ألغى كل تمييز نوعي في الميراث إلا في مقدار الفرض، لا في طبيعة المال الموروث. ولعل إعادة قراءة هذه المسألة بروح مقاصدية، تجعلنا أمام فرصة لفهمٍ أعمق لعدالة النص القرآني وموقع الرواية في تفسيره، لا في تقييده.
المحامي سجاد خماس الساعدي




