الشهرة العالمية تحوّل مواقع سياحية إلى عبء دائم
جزيرة بالي
تحولت عدة وجهات سياحية عالمية مشهورة، خلال السنوات الأخيرة، من مناطق جذب واستجمام إلى مصدر قلق وتهديد للسكان المحليين والبيئة، نتيجة ما بات يُعرف بـ”السياحة المفرطة”.
وأدى هذا التدفق الهائل من الزوار إلى إرهاق البنية التحتية، وتلوث الموارد الطبيعية، وتآكل التراث الثقافي، في أماكن كانت حتى وقت قريب توصف بالجنة على الأرض، مثل جزيرة بالي ومدينة البندقية وجزر المالديف وشاطئ مايا باي ومدينة ماتشو بيتشو التاريخية في بيرو.
واكتسبت هذه الوجهات شهرة عالمية بسبب جمالها الطبيعي أو أهميتها التاريخية، ورافقتها حملات ترويجية ضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووفرت لها التكنولوجيا الحديثة قدرة انتشار لم تكن متاحة في السابق، وهو ما ساهم في ارتفاع عدد السياح بشكل غير مسبوق، ونتج عن ذلك ضغوط متزايدة لا تحتملها هذه البيئات الرقيقة، سواء من حيث البنية التحتية أو التوازن البيئي.
وتعاني جزيرة بالي الإندونيسية، التي اشتهرت بشواطئها وحقول الأرز المتدرجة، من أزمة نفايات حادة بسبب ارتفاع أعداد الزوار، ووجدت القمامة طريقها إلى المحيطات والشواطئ، مما أضر بالنظام البيئي البحري وأثر سلباً على صورة الجزيرة كوجهة سياحية نقية، ويطالب سكانها وحماة البيئة بتبني حلول مستدامة لإدارة النفايات، تشمل الحد من البلاستيك وتطوير نظم إعادة التدوير.
وفي أوروبا، تواجه مدينة البندقية الإيطالية تهديداً مباشراً من السياحة المفرطة التي تؤدي إلى تآكل مبانيها التاريخية، وارتفاع مستويات المياه، وتلوث القنوات، في وقت تستمر فيه المدينة في استقبال أعداد تفوق طاقتها الاستيعابية بكثير، ما يستدعي فرض قيود حازمة وتنظيمات ذكية للحفاظ على هذا التراث الإنساني الفريد.
وتعيش جزر المالديف تحت ضغط آخر نابع من التغيرات المناخية، حيث يشكل ارتفاع منسوب مياه البحر تهديداً وجودياً لهذه الجزر المنخفضة، بالتوازي مع الضغط السياحي، مما يجعلها ضحية مزدوجة لطبيعتها الجميلة.
ويرى خبراء البيئة أن التحرك الدولي يجب أن يكون عاجلاً للحد من الانبعاثات الكربونية، إلى جانب سن تشريعات محلية أكثر صرامة في إدارة السياحة البيئية.
أما شاطئ مايا باي في تايلاند، الذي اكتسب شهرته العالمية بعد ظهوره في أحد الأفلام السينمائية، فقد خضع لإغلاق طويل بغرض إعادة تأهيل بيئته البحرية المتضررة، وهي خطوة وُصفت بالضرورية والمتأخرة، وأظهرت أهمية المبادرات الوقائية قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة.
وتكمل مدينة ماتشو بيتشو هذه الصورة، فهي واحدة من أهم المواقع الأثرية في العالم، لكنها ترزح تحت وطأة الزحام السياحي اليومي الذي يهدد سلامتها البنيوية، ويقوض القيم الثقافية التي تمثلها، ما استدعى أصواتًا تطالب بتحديد سقف يومي للزوار وتطوير خيارات سياحية بديلة لتخفيف الضغط المباشر عليها.
ويجمع خبراء السياحة والبيئة على أن مستقبل هذه الوجهات، وغيرها، بات مرتبطًا بمفهوم السياحة المستدامة، الذي يتطلب توازناً دقيقاً بين دعم الاقتصاد المحلي وحماية البيئة والتراث.
ويقع على عاتق الحكومات والشركات السياحية والزوار أنفسهم مسؤولية ضمان ألا تتحول هذه الأماكن من كنوز عالمية إلى ضحايا للنجاح.