تكوينات جيولوجية فريدة تسكن جبال عسير
الأعمدة البازلتية
تربض الأعمدة البازلتية في أعماق جبال وسهول عسير شامخة كشواهد جيولوجية نادرة، تسرد قصة نشاط بركاني امتد لملايين السنين وشكل أحد أبرز معالم الطبيعة في المملكة، تكوّنت هذه التشكيلات الصخرية الهندسية بفعل تبريد الحمم البركانية وانكماشها التدريجي لتُنتج أعمدة متعددة الأضلاع بأشكال سداسية ورباعية وخماسية تتوزع بدقة مدهشة وكأن الطبيعة نحتتها على مهل لتعرض إبداعها في قالب علمي وجمالي يستقطب علماء الجيولوجيا ومحبي الظواهر الطبيعية من مختلف أنحاء العالم.
تنتشر هذه الأعمدة المدهشة في مواقع متعددة داخل منطقة عسير منها محافظة محايل ووادي يعوض وقرن مُجعل وجبل مشرف وصولًا إلى المناطق الساحلية بين القحمة والبرك وهي المنطقة التي تقع ضمن سلسلة الجبل الأسود.
وأكد الدكتور عبدالله العمري رئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض أن هذه التكوينات تعكس تنوعًا جيولوجيًا فريدًا يجعل من عسير خريطة مصغرة لنشاط الأرض البركاني وقد أشار إلى أن ظاهرة الأعمدة البازلتية كانت معروفة منذ قرون وذكرها الرحالة والمؤرخ العربي الهمداني في مؤلفه “صفة جزيرة العرب”، حين وصف سلسلة سراة جَنْب التي تشكل جزءًا مما يعرف اليوم بحرة السراة.
وتغطي هذه الحرة مساحة واسعة تقارب 700 كيلومتر مربع، وتضم قممًا شاهقة مثل جبل فرواع، الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من ثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر، إضافة إلى جبل ظلم.
وتبرز الأعمدة البازلتية بين هذه الجبال كأعمدة صخرية متينة، تشكلت منذ ما يقارب الثلاثين مليون سنة، وهو ما أكد عليه طارق أبا الخيل، المتحدث الرسمي باسم هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، مبينًا أن هذه الظاهرة تحدث عندما تبرد الحمم البركانية ببطء، فتنكمش وتتصلب مكوّنة تشققات بزوايا قائمة تُشبه إلى حد كبير تشققات الطين عند الجفاف، لكن في صورة صخرية صلبة.
وتكمن جمالية هذه الأعمدة في تنوعها واختلاف ألوانها حسب مكوناتها المعدنية، مما يجعل كل موقع منها يحمل طابعه الجيولوجي الخاص.
وتتشابه هذه الظاهرة مع مواقع عالمية شهيرة مثل بوابة العمالقة في أيرلندا ومنتزه يلوستون في الولايات المتحدة، ما يضع الأعمدة البازلتية السعودية في مصاف التكوينات الجيولوجية العالمية من حيث الأهمية والدقة التكوينية.
ويرى الدكتور عبدالله بن علي آل موسى، الباحث في السياحة الجيولوجية، أن الأعمدة البازلتية ليست مجرد مظهر طبيعي بل تمثل تراثًا جيولوجيًا نادرًا يعكس عمق النشاط البركاني الذي شهده جنوب الجزيرة العربية، مشيرًا إلى أن بعض هذه الأعمدة يحمل نقوشًا قديمة يُعتقد أنها ترجع لحضارات بشرية سكنت المنطقة، مما يفتح المجال أمام أبحاث تاريخية وجيولوجية متقاطعة.
وفي ظل سعي المملكة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، تتعزز الدعوات لإدراج هذه التكوينات ضمن خارطة السياحة الجيولوجية، نظرًا لقيمتها العلمية والسياحية في آن، حيث يمكن أن تسهم في جذب الزوار والباحثين، وتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة من خلال الحفاظ على هذه الظواهر الطبيعية النادرة واستثمارها علميًا وسياحيًا.