منذ سنوات، يتدفق الغاز الإيراني بصمت إلى العراق، وفي الاتجاه المعاكس تتدفق العملة الصعبة. لكن الغاز لا يوفر لإيران العملة، بطرق غير قانونية، فحسب، بل يعزز هيمنتها السياسية على بغداد.
مع ذلك قلما يتحدث العراقيون عن هذه المعادلة غير العادلة، إلا حين تتعثر الإمدادات، وتتسلل نيران الصيف إلى المنازل.
في واشنطن، وقعت حكومة إقليم كردستان- العراق قبل نحو أسبوعين اتفاقيات استثمار لغاز الإقليم، يقول معنيون لـ”الحرة” إن من شأنها تقليل اعتماد العراق على إيران في هذا المجال، وتحجيم نفوذ طهران، بالتالي، في العراق.
يقول رئيس مجلس حماية الكرد في الولايات المتحدة، انتفاض قنبر، في تصريحات لـ”الحرة” إن هذه الصفقات “تسببت في دق ناقوس الخطر لدى إيران والفصائل الموالية لها، لأنها متخوفة من أن تؤدي هذه الاستثمارات إلى إنهاء شراء الغاز الإيراني الذي تستفاد منه طهران بمليارات الدولارات”.
وأبرم رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، في 19 مايو، عقدين مع شركتي “HKN” و”Western Zagros” الأميركيتين. يشمل العقد الأول تطوير وتشغيل حقل “ميران” الغازي ودمجه في شبكة الغاز في الإقليم، لتعزيز إنتاج الكهرباء محليا.
ويشمل العقد الثاني، مع Western Zagros، تطوير حقلي “كُردمير” و”توبخانة”.
في بغداد، قالت وزارة النفط الاتحادية في بيان إن تعامل شركات أميركية بشكل مباشر مع حكومة الإقليم بمعزل عن الحكومة الاتحادية مخالف للدستور العراقي والقوانين النافذة.
وردت وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم بأن العقود المبرمة “لا تشوبها أي شائبة”.
ومنذ سنوات تسعى الإدارات الأميركية المتعاقبة لمساعدة العراق على التخلي عن استيراد الغاز الإيراني.
وأنهت إدارة الرئيس دونالد ترامب، في فبراير الماضي، الاستثناءات التي كانت تمنحها واشنطن للعراق لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران منذ عام 2018.
وأشادت الخارجية الأميركية، على لسان الوزير ماركو روبيو، في بيان، بإبرام رئيس وزراء الإقليم صفقات مع شركات أميركية لتوسيع نطاق إنتاج الغاز الطبيعي في كردستان العراق.
وأكد روبيو على أن هذه الصفقات ستساعد العراق على تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة.
وتشعر إيران بعدم الارتياح لمحاولات العراق تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، لأن ذلك يحرمها من العملة الصعبة التي تحتاجها بشدة تحت طائلة العقوبات الدولية، فضلا عما تحققه من خلال الغاز والكهرباء من مكاسب سياسية في العراق.
وعلقت قناة العالم الإيرانية الرسمية على عقود الإقليم مع الشركات الأميركية في تقرير متلفز، وقالت إن “الخلافات حول تقاسم الإيرادات بين بغداد وأربيل تهديدا لوحدة العراق واستقراره الاقتصادي”.
ويؤكد قنبر الذي كان مطلعا عن كثب على توقيع صفقات الغاز ومباحثات وفد إقليم كردستان في واشنطن، على أن الصفقات التي أبرمها الإقليم مع الولايات المتحدة تقع في صلب السياسة الأميركية الجديدة في عهد ترامب، والتي تعتبر الطاقة أساسا للتعامل مع العالم الخارجي.
يقول قنبر إن “الشركات التي وقعت الصفقات مع إقليم كردستان بدأت بالعمل فعلا، لذلك وفق المخطط سيصل الإقليم إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز والكهرباء العام القادم 2026، وهذا مفيد للعراق أيضا كي يصل إلى الاكتفاء الذاتي دون الحاجة إلى الاستيراد وخاصة إذا استغل ما يمتلك من غاز طبيعي”.
وفي حديث أثناء منتدى معهد “المونيتور” الذي عقد في واشنطن في 22 مايو، قال وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، إن استثمارات الطاقة في كردستان ستصب في مصلحة المنطقة بأسرها.
وشدد على ضرورة أن يتخلى العراق والدول الأخرى عن الاعتماد على الغاز الإيراني “لأنه ليس طريقا للسلام والازدهار”.
وتعرضت استثمارات الغاز في إقليم كردستان خلال السنوات الخمس الماضية لهجمات صاروخية، اتُهمت مليشيات موالية لإيران بالوقوف وراءها.
وكان حقل خورمور الغازي الذي يديره الإقليم منذ عام 2003، أحد أبرز حقول الغاز الطبيعي التي تعرضت خلال الفترة الممتدة من يناير 2022 ولغاية فبراير 2025 لأكثر من 10 هجمات صاروخية تسببت غالبيتها في إيقاف الإنتاج مرارا، وأدت إحدى الهجمات الى مقتل 4 عمال يمنيين وإصابة ثمانية آخرين.
وأصبح حقل خورمور خلال السنوات القليلة الماضية أحد أبرز مصادر تغذية محطات توليد الطاقة الكهربائية في الإقليم. ويقدر احتياطي الغاز في الحقل بنحو 8 تريليون و200 مليار قدم مكعب، وتعمل فيه شركتا “دانة غاز” و”الهلال” الإماراتيتان.
ويؤكد الخبير الاقتصادي العراقي، خطاب عمران الضامن، على أن العراق بإمكانه الاعتماد على غاز إقليم كردستان بدلا من الغاز الإيراني، لامتلاك الاقليم احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي، فضلا عن توقيع الإقليم اتفاقيات مع شركات أجنبية لتطوير هذه الحقول تمهيدا لزيادة الإنتاج والتصدير.
ويضيف الضامن لـ”الحرة” أن “هناك حاجة لحل بعض النازعات السياسية بين الإقليم والحكومة الاتحادية، بالإضافة إلى توظيف أموال وضخ استثمارات لخطوط النقل، الأمر الذي يسهل اعتماد محطات إنتاج الطاقة الكهربائية على غاز إقليم كردستان، خصوصا في مناطق الشمال ووسط البلد كمحافظتي نينوى وصلاح الدين”.
وأكدت الحكومة العراقية في مناسبات عدة خلال السنوات الماضية إلى سعيها لتطوير قطاع الغاز وتفعيله وتوسيع الاستثمارات فيه للاعتماد عليه خلال المرحلة المقبلة.
وقال وزير النفط العراقي حيان عبدالغني، الأربعاء، خلال مشاركته في مؤتمر مجلس الأعمال العراقي البريطاني (IBBC) في لندن، أن وزارة النفط العراقية حققت خطوات نوعية في زيادة استثمار الغاز المصاحب وتقليل نسب حرقه.
ونقل بيان للوزارة عن عبدالغني قوله “ارتفعت نسبة استثمار الغاز إلى أكثر من 70% خلال فترة وجيزة، حيث كانت النسب مع استلام الحكومة الحالية 53%، وذلك عبر مشاريع بارزة مثل غاز البصرة وأرطاوي وغاز الحلفاية والناصرية وحقل الفيحاء وغيرها”.
وأشار الى أن وزارته تعمل على إطلاق مشاريع لاستثمار الغاز في حقلي عكاس والمنصورية، لتحقيق إنتاج واستثمار للغاز بطاقة تزيد عن 1000 مليون قدم مكعب قياسي “مقمق”.
وأوضح أن ذلك يأتي ضمن برامج تتيح مراحل معجلة توفر فرصا مهمة لشراكات دولية، لاسيما في مشاريع المعالجة والنقل وتوليد الطاقة الكهربائية من الغاز.
ويرى الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل جبار التميمي، أن مشكلة العراق في التعامل مع إنتاج النفط والغاز في إقليم كردستان وكيفية إجراء تعاقدات بين الاقليم وشركات حول العالم تتمثل في عدم إصدار تشريع داخل العراق يتلاءم مع مثل هذه التعاقدات.
وما زال مشروع قانون النفط والغاز في العراق ينتظر التشريع في مجلس النواب بعد مرور 20 عاما على صياغته، إذ تم ترحيله مرات عديدة خلال الدورات البرلمانية السابقة، لكن الخلافات السياسية حالت دون تمريره.
ويسند مشروع قانون النفط والغاز مسؤولية إدارة الحقول النفطية إلى شركة وطنية للنفط يشرف عليها المجلس الاتحادي للنفط والغاز.
وتنص المادة الخامسة من المشروع على تأسيس المجلس الاتحادي للنفط والغاز، يرأسه رئيس مجلس الوزراء أو من يخوله، ويضم في عضويته وزراء المالية والنفط والتخطيط ومحافظ البنك المركزي وممثل عن إقليم كردستان بدرجة وزير وممثل عن المحافظات غير المنتظمة في إقليم، إلى جانب رئيس شركة النفط الوطنية وشركة تسويق النفط وخبراء مختصين في مجالات النفط، والغاز والاقتصاد والمال.
واستفادت إيران خلال السنوات الماضية من غياب قانون للنفط والغاز في تسويق الغاز والكهرباء الى العراق، الذي لم يتمكن من تشريع القانون ولم يتمكن من حل أزمة الكهرباء التي تشتد سنويا مع حلول فصل الصيف.
ويبين التميمي لـ”الحرة”، أن “العقوبات الدولية المفروضة على إيران تدفعها إلى اعتبار ما تصدره من غاز وكهرباء إلى العراق نوعا من الطمأنينة التجارية، لذلك لن تكون إيران راضية على استثمارات الغاز في العراق في الوقت الحالي خوفا من تكبدها لأضرار اقتصادية وتجارية، فيما إذا تخلى العراق عن الغاز الإيراني”.
واعتبرت تقديرات صادرة عن البنك الدولي عام 2023 ، العراق من أكبر تسع بلدان تحرق الغاز. وفي تصريح سابق لـ”الحرة”، كشف مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح، أن خسائر العراق من حرق الغاز واستيراده تبلغ 12 مليار دولار سنويا.
مصدر الخبر :
https://alhurra.com/902