لا يزال الشاب الأيزيدي خليل ـ الاسم مستعارـ يعاني من آثار إصابة بالغة تعرّض لها في عام 2021، عندما استهدف قصف جوي تركي المستشفى الذي كان يعمل فيه في قضاء سنجار شمالي العراق.
يتذكّر الانفجار المدويّ الذي حوّل غرفته في مستشفى السكينية إلى سحابة كثيفة من الدخان الأسود والغبار، وعندما انقشعت، وجد خليل نفسه بين قلائل نجوا من القصف.
وفقًا لإدارة قضاء سنجار، أودت الضربة الجوية بحياة ثمانية من الأطباء والعاملين الصحيين، وأصابت آخرين بجروح، ودمرت المستشفى بالكامل.
وزعمت تركيا حينها أن القصف استهدف مقرا تابعا لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK) وليس منشأة مدنية. وأنكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال مع رئيس الوزراء العراقي آنذاك، مصطفى الكاظمي، أن يكون القصف قد أصاب مستشفى.
لكن خليل يرفض هذه الرواية بشدة.
يقول لـ “الحرة” إن استهداف المستشفى “تما بشكل مباشر دون أي تحذير أو تفسير. كنا نعمل تحت راية (شعار) الصحة وكان واضحا على المبنى، ومع ذلك تم قصفنا”.
سنجار.. المصير المعلق
رغم تحرير سنجار من تنظيم داعش في عام 2015، لم تتمكن الغالبية العظمى من الإيزيديين النازحين من العودة إليها. الأسباب كثيرة: الدمار الشامل، وغياب الخدمات، والأهم من ذلك وجود فسيفساء من الجماعات المسلحة المتنازعة، التي حوّلت المدينة إلى بؤرة للصراع الجيوسياسي.
دخل حزب العمال الكردستاني إلى سنجار عام 2014 للمشاركة في تحريرها من داعش إلى جانب قوات البيشمركة، ومتطوعين إيزيديين، وقوات التحالف الدولي.
ورغم الاعتراف بدوره في المعركة، أثار استمراره في التمركز داخل المدينة استياءً واسعا، لاسيما مع تعرّضها لقصف تركي متكرر تحت ذريعة ملاحقة عناصر الحزب، وهو ما عقّد عودة المدنيين.
“نأمل أن يشمل قرار حل الحزب عمال قواته في سنجار. حينها فقط ستفقد تركيا ذريعة قصفنا، ويمكننا العودة إلى منازلنا”، تقول لـ”الحرة” روزدا، وهي امرأة يزيدية نازحة منذ عام 2014، تعيش حاليا في دهوك.
من يسيطر على سنجار اليوم؟
الإجابة ليست بسيطة. فالمدينة مقسمة بين عدة فصائل مسلحة، منها:
ـ فصائل شيعية موالية لإيران ضمن الحشد الشعبي، مثل عصائب أهل الحق، منظمة بدر، كتائب الإمام علي، كتائب حزب الله، وسيد الشهداء.
ـ وحدات مقاومة سنجار (اليبشه)، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.
ـ قوات مرتبطة بحكومة إقليم كردستان مثل لواء سنجار ووحدات حماية إيزيدخان.
ـ الجيش العراقي، والشرطة الاتحادية، والشرطة المحلية.
ورغم الاتهامات التركية، يؤكد قائد “اليبشه” عارف شنکالي أن قواته لا تتبع حزب العمال الكردستاني.
“نحن قوة محلية تشكلت من الإيزيديين رداً على المجاز والانتهاكات التي تعرض لها الإيزيديون، وبشكل خاص الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش عام 2014، ونحن نعمل داخل الأراضي العراقية،” يقول لموقع “الحرة”.
ويعترف شنكالي بالمبادرة السلمية التي أطلقها مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في فبراير الماضي، لكنه يوضح أن “هذه المبادرة لا تشمل اليبشه”. ويضيف أن مستقبل سنجار لا يعتمد على تطورات داخل تركيا فقط، بل على معالجة قضايا محلية مزمنة: العدالة للضحايا الإيزيديين، عودة النازحين، وتمكين الإدارة المحلية.
الاتفاق المعلق
في أكتوبر 2020، وقعت بغداد وأربيل اتفاقا بوساطة أممية لـ “تطبيع” الأوضاع في سنجار. نص الاتفاق على انسحاب جميع الفصائل المسلحة غير الرسمية، وتسليم الأمن للشرطة المحلية، لتمهيد الطريق أمام الإعمار وعودة النازحين.
لكن بعد نحو أربع سنوات، لا يزال الاتفاق حبرا على ورق. ويتهم سياسيون في إقليم كردستان، تحدثوا لـ”لحرة” في نوفمبر الماضي، حزب العمال الكردستاني والفصائل الموالية لإيران بعرقلة تنفيذه.
ويرى العضو العامل في الفرع 17 للحزب الديمقراطي الكردستاني في سنجار، إدريس زوزاني، أنه ليس من السهل أن يلقي العمال الكردستاني أسلحته من دون أي ضمانات من الحكومة التركية.
ويشير زوزاني إلى أن حزب العمال لديه نفوذ في المنطقة وفي جميع أجزاء كردستان منذ سنوات، وليس من السهل أن يرضخ لأوامر تركيا ويلقي بأسلحته أو يترك مواقعه بهذه السهولة.
ويبين زوزاني لـ”الحرة”، أن “حزب العمال الكردستاني أصبح ثقلا على كاهل سنجار ومخمور ومناطق أخرى من إقليم كردستان أو في أجزاء كردستان التي ينتشر فيها مقاتلوه، ويشكل في الوقت نفسه حجر عثرة أمام تنفيذ اتفاقية سنجار”.
ويلفت زوزاني الى إمكانية عقد اتفاقيات جديدة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية حول سنجار، فيما إذا دخل الاتفاق بين تركيا والعمال الكردستاني حيز التنفيذ.
من جانبه يؤكد عضو مجلس محافظة نينوى، عيدان شيخ كالو، على أنه لا توجد حتى الآن خطوات حكومية جادة لحل مشاكل سنجار.
“يرتبط وضع سنجار دائما بتأثيرات محلية ودولية، لكن ينبغي أن تعتبر سنجار مدينة عراقية، وقضاء تابعا لمحافظة نينوى، تكون حمايتها وأمنها وحل ملفها الأمني من مسؤولية الحكومة العراقية ذات السيادة”.
وفيما يخص حل حزب العمال الكردستاني، يعتقد الشيخ كالو أن هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات جادة وحقيقية من جانب جميع الدول التي لديها مقاتلون ضمن صفوف الحزب، ومن هذه الخطوات إصدار عفو عام من أجل إعادة مقاتلي العمال الكردستاني إلى دولهم بعد إلقائهم السلاح، لكنه يؤكد أن بنود اتفاق السلام ما زالت غير واضحة إلى جانب عدم مباشرة الحزب بتسليم أسلحتهم.
ولم تدخل بعد مبادرة السلام بين انقرة والعمال الكردستاني حيز التنفيذ حتى الآن، فالعمليات العسكرية التركية ضد مسلحي الكردستاني مازالت متواصلة في إقليم كردستان، بينما أعلنت منظومة المجتمع الكردستاني “KCK”، وهي منظومة شاملة ينضوي فيها حزب العمال الكردستاني وكافة المنظمات الموالية له، أن “الحديث عن نزع السلاح سابق لأوانه”.
وقال المتحدث باسم العلاقات الخارجية في المنظومة، زاغروس هيوا، في مقابلة مع فضائية “ستيرك” التابعة للعمال الكردستاني، بثت في 16 مايو الماضي، إن “قرارات المؤتمر الـ12 لحزب العمال الكردستاني لا تعني التخلي عن الكفاح المسلح، بل تُعد إعلاناً لإنهاء الصراع بشكله الحالي”، لافتا الى أن شروط السلام لم تنضج بعد.
مصدر الخبر :
https://alhurra.com/1041