حول العالم في أربع محطات: يوميات سفر من كيوتو، سانتوريني، كيب تاون، وكارتاخينا


السفر ليس مجرد شطب أسماء بلدان من قائمة، بل هو غوص في بيئات جديدة، وتذوق مطابخ غريبة، واستيعاب إيقاع الحياة في أماكن بعيدة عن الوطن. في هذه التدوينة، سأصطحبكم في رحلة إلى أربعة وجهات لا تُنسى: كيوتو (اليابان)، سانتوريني (اليونان)، كيب تاون (جنوب أفريقيا)، وكارتاخينا (كولومبيا). كل واحدة منها تركت بصمة دائمة في قلبي لأسباب مختلفة تمامًا.
المحطة الأولى: كيوتو، اليابان — حيث يلتقي التراث بالسكينة
بدأت رحلتي في كيوتو، العاصمة القديمة لليابان. وبينما تضج طوكيو بالطاقة المستقبلية، تتحرك كيوتو على إيقاع هادئ خاص بها — مدينة وكأنها تتنفس التاريخ مع كل دقّة جرس معبد.
وصلت خلال فصل الربيع، تمامًا في وقت تفتح زهور الكرز (ساكورا). المشي على طول مسار الفيلسوف، وسط مظلة من الزهور الوردية، كان أشبه بالانزلاق داخل لوحة مائية. وسكون معبد غينكاكو-جي وحديقته الرملية المصممة بدقة جعلني أشعر وكأني عبرت إلى زمن آخر.
أقمت في ريوكان، نزل تقليدي ياباني، حيث استُقبلت بسجادات التاتامي وأبواب الشوجي المنزلقة وأطباق الحساء الساخن. وفي أحد الصباحات، استيقظت قبل الفجر لزيارة ضريح فوشيمي إيناري، حيث تسلقت عبر آلاف من بوابات التوري الحمراء بين الغابات، في تجربة روحانية لا تُنسى.
نصيحة: لا تفوّت تجربة عشاء الكايسيكي — وجبة متعددة الأطباق تتناغم فيها النكهة والجمال، جربت واحدة في “جيون ماروياما” وكانت من أروع تجاربي.
المحطة الثانية: سانتوريني، اليونان — غروب الشمس وسحر السيكلاد
من اليابان، اتجهت غربًا إلى اليونان، حيث انتظرتني جزيرة سانتوريني كحلم جميل. أول لمحة لقمم الكنائس الزرقاء فوق المنحدرات المطلة على بحر إيجه جعلتني أتوقف من الدهشة.
أقمت في أويا، حيث يجتمع السياح والمقيمون كل مساء لمشاهدة غروب الشمس. رأيت غروبًا في أماكن كثيرة حول العالم، لكن لا شيء يضاهي سانتوريني — تتحول السماء إلى لوحة من البنفسجي والبرتقالي والقرمزي، تنعكس ألوانها على المباني البيضاء.
في النهار، استكشفت أكروتيري، بقايا حضارة مينوية دُفنت تحت الرماد البركاني. ثم أخذت جولة بالقارب إلى جزيرة نيا كاميتي البركانية، حيث تسلقت الفوهة البركانية وسبحت في الينابيع الساخنة ذات الرائحة الكبريتية.
الضيافة اليونانية أسطورية. في أحد الأيام، دخلت إلى حانة صغيرة في “بيرغوس” لتناول وجبة خفيفة، وانتهى بي المطاف بقضاء ثلاث ساعات في الحديث مع صاحب المكان بينما أتناول الأخطبوط المشوي وغمس الفافا الشهي.
نصيحة: تجنب الزحام وارتفاع الأسعار بالسفر في موسم الكتف (أبريل–مايو أو سبتمبر–أكتوبر).
المحطة الثالثة: كيب تاون، جنوب أفريقيا — عندما تلتقي الطبيعة بالثقافة
المحطة التالية: كيب تاون. لا توجد مدينة تجمع بين الجمال الطبيعي الخالص والتاريخ الثقافي الغني مثل هذه الجوهرة الساحلية في جنوب أفريقيا. من اللحظة التي ظهرت فيها جبل الطاولة من بين السحاب، أدركت أنني أمام تجربة استثنائية.
قضيت يومي الأول في تسلق رأس الأسد، وهو مسار متوسط الصعوبة يتيح لك رؤية بانورامية مذهلة للمدينة والمحيط والجبال المحيطة. ومع كل منعطف، كان المنظر يزداد جمالًا.
من التجارب المؤثرة كانت زيارتي لـ جزيرة روبن، حيث سُجن نيلسون مانديلا لمدة 18 عامًا. الجولات التي يقودها سجناء سابقون تضيف بعدًا شخصيًا وعاطفيًا لا يُقدّر بثمن.
أما الطعام، فكان انعكاسًا لمزيج الثقافات في المدينة. في Old Biscuit Mill في “وودستوك”، تذوقت كل شيء من دجاج البيري بيري إلى الشوكولاتة اليدوية. وفي حي بو-كاب، تعلمت تحضير كاري كيب مالاي خلال درس طهي مع خالة تُدعى زينب، شاركتنا ليس فقط وصفات الطبخ، بل أيضًا قصص عن تجارة التوابل والاستعمار والصمود.
نصيحة: استأجر سيارة وانطلق في جولة إلى رأس الرجاء الصالح، وتوقف في شاطئ بولدرز لمشاهدة طيور البطريق الأفريقية اللطيفة.
المحطة الرابعة: كارتاخينا، كولومبيا — ألوان وثقافة ونبض كاريبي
المرحلة الأخيرة من رحلتي أخذتني إلى الساحل الكاريبي الكولومبي، حيث أبهرتني كارتاخينا دي إندياس بألوانها النابضة، وأجوائها الدافئة، وسحرها الاستعماري.
المدينة المسورة أشبه بفسيفساء حية — واجهات صفراء، وأزهار البوغانفيليا الأرجوانية، وشرفات بألوان الباستيل، وشوارع مرصوفة بالحصى تعج بالموسيقيين والراقصين وبائعي الفاكهة. أقمت في حي خيتسماني البوهيمي، حيث تمتزج المقاهي العصرية مع الأزقة المغطاة بالرسوم الجدارية والفن والموسيقى.
قضيت الأيام أتجول بلا هدف — أكتشف الساحات المخفية، أحتسي عصير جوز الهند، وأراقب الأطفال وهم يلعبون الكرة أمام الكنائس العتيقة. وفي الليل، التحقت بحصة سالسا في الهواء الطلق ورقصت مع غرباء تحت النجوم.
عشاق التاريخ عليهم زيارة قلعة سان فيليبي دي باراخاس، الحصن الضخم الذي بناه الإسبان في القرن السابع عشر. وللاسترخاء على الشاطئ، أخذت قاربًا إلى جزر روزاريو، حيث غصت بين الشعاب المرجانية واستلقيت على الرمال البيضاء أحتسي بيرة “كلوب كولومبيا”.
نصيحة: كارتاخينا آمنة نسبيًا، لكن من الأفضل تجنب التجوال ليلًا في الأزقة المظلمة، وعدم إظهار الأشياء الثمينة في المناطق المزدحمة.
تأملات: ما الذي يُعلّمنا إياه السفر؟
في هذه الوجهات الأربع، تعلّمت أكثر من مجرد جغرافيا وثقافة. تعلّمت كيف أبطئ إيقاعي في كيوتو، كيف أندهش في سانتوريني، كيف أتواصل بعمق في كيب تاون، وكيف أحتفل بالحياة في كارتاخينا. كل مكان تحوّل من مجرد نقطة على الخريطة إلى ذكرى محفورة في وجداني.
السفر يعلّمك أن تكون مرنًا عندما تسوء الأمور (وستسوء)، وأن ترى الجمال في المجهول، والأهم من ذلك، أن تتواصل — ليس فقط مع الآخرين، بل مع نفسك أيضًا.
خلاصة القول
سواء كنت مسافرًا متمرسًا أو تخطط لرحلتك الدولية الأولى، دع هذه المدن تلهمك. ليست كل رحلة بحاجة إلى أن تكون فاخرة أو طويلة — لكنها يجب أن تكون ذات معنى. ابحث عن القصص. طارد الغروب. قل “نعم” أكثر.
لأن العالم واسع… وينتظرك.