تعريف تجلط الدم
تجلط الدم هو عملية تكون كتلة دموية صلبة أو شبه صلبة تعرف باسم "الخثرة" أو "الجلطة الدموية" داخل الأوعية الدموية أثناء حياة الشخص . هذه العملية هي استجابة طبيعية للجسم عند حدوث إصابة في وعاء دموي لمنع النزيف وتسمى بالإرقاء. تتكون الجلطة بشكل أساسي من مكونين رئيسيين هما تراكم الصفائح الدموية وخلايا الدم الحمراء التي تشكل سدادة وشبكة من بروتين الفايبرين المترابط الذي يقوي هذه السدادة . ومع ذلك تصبح هذه العملية ضارة عندما تعيق تدفق الدم داخل وعاء دموي سليم دون وجود إصابة وهو ما يعرف بـ"التخثر" أو "Thrombosis". بالتالي يمكن أن يؤدي هذا الانسداد إلى مضاعفات خطيرة .

الفرق بين الجلطة الوريدية والشريانية
تعرف الجلطة الوريدية (Venous thrombosis) بالجلطة الحمراء وتتكون بشكل أساسي نتيجة لتنشيط نظام التخثر وركود الدم وهي غنية بخلايا الدم الحمراء والفيبرين.
لكن على الرغم من هذه الفروقات تشترك الحالتان في العديد من المسارات البيولوجية. فمثلا مضادات التخثر فعالة في الوقاية من الجلطات الشريانية المرتبطة بالرجفان الأذيني وأمراض القلب التاجية بينما تلعب الصفائح الدموية دورا في تكوين الجلطات الوريدية . هذا التداخل يشير إلى وجود ارتباط وثيق بين النوعين وأن فهم أسباب تجلط الدم وأعراضه وطرق العلاج يتطلب رؤية شاملة لكليهما.
أسباب تجلط الدم
.
العوامل الوراثية (مثل طفرة عامل لايدن الخامس)
تعد طفرة عامل لايدن الخامس (Factor V Leiden) من أشهر الأسباب الوراثية التي تزيد من خطر الإصابة بتجلط الدم الوريدي. هذه الطفرة هي الأكثر شيوعا بين اضطرابات التخثر الموروثة وتنتج عن استبدال حمض أميني في بروتين عامل التخثر الخامس مما يجعله مقاوما للتعطيل بواسطة بروتين سي المنشط وهو مضاد تخثر طبيعي في الجسم .
يزداد خطر الإصابة بالجلطات الوريدية لدى حاملي هذه الطفرة بشكل ملحوظ حيث يتضاعف الخطر بمقدار ثلاثة إلى ثمانية أضعاف لدى الأفراد متغايري الزيجوت (يرثون الطفرة من أحد الوالدين) بينما قد يصل الخطر إلى 80 ضعفا لدى متماثلي الزيجوت (يرثون الطفرة من كلا الوالدين) مقارنة بالأشخاص غير الحاملين للطفرة . على الرغم من ذلك لا يصاب الكثير من حاملي الطفرة بالجلطات أبدا ما لم تتوافر عوامل خطر مكتسبة أخرى . بالإضافة إلى ذلك هناك عوامل وراثية أخرى مثل طفرة البروثرومبين (Prothrombin G20210A) ونقص البروتينات المضادة للتخثر مثل بروتين C وبروتين S ومضاد الثرومبين.
العوامل المكتسبة (مثل الجراحة الحمل السرطان)
تمثل العوامل المكتسبة جزءا كبيرا من أسباب تجلط الدم وأعراضه وطرق العلاج. ومن أهمها:
  • الجراحة والرضوض: تزيد العمليات الجراحية الكبرى خاصة جراحة العظام والحوض والبطن من خطر الإصابة بالجلطات بسبب تثبيت المريض وإصابة الأوعية الدموية وحالة فرط التخثر التي تلي الجراحة.
  • الحمل وفترة ما بعد الولادة: يعد الحمل حالة طبيعية من فرط التخثر وخلال هذه الفترة يزداد خطر الإصابة بالجلطات الوريدية بسبب التغيرات الهرمونية وضغط الرحم المتنامي على الأوردة مما يسبب ركود الدم. يستمر الخطر المرتفع حتى ستة أسابيع بعد الولادة.
  • السرطان: يزيد السرطان بشكل كبير من خطر الإصابة بالجلطات الوريدية والشريانية على حد سواء وقد تكون الجلطة أول علامة على وجود ورم خبيث. يختلف الخطر باختلاف نوع السرطان حيث تعد سرطانات البنكرياس والمعدة والدماغ والرئة من بين الأعلى خطرا. كما أن علاجات السرطان مثل العلاج الكيميائي والهرموني (مثل التاموكسيفين) تزيد من هذا الخطر.
  • أمراض أخرى: تشمل العوامل المكتسبة أيضا متلازمة أضداد الفوسفوليبيد وهي اضطراب مناعي ذاتي يزيد من خطر الجلطات الوريدية والشريانية وأمراض القلب مثل قصور القلب والرجفان الأذيني والسمنة والأمراض الالتهابية المزمنة واستخدام القسطرة الوريدية المركزية.

نمط الحياة (مثل التدخين السمنة قلة الحركة)
يؤثر نمط الحياة بشكل مباشر على احتمالية الإصابة بالجلطات:
  • قلة الحركة والجلوس لفترات طويلة: يؤدي الجلوس المطول أثناء السفر بالطائرة أو السيارة أو بسبب الراحة في الفراش إلى ركود الدم في أوردة الساقين وهو عامل خطر رئيسي لتجلط الأوردة العميقة.
  • السمنة: ترتبط السمنة بزيادة خطر الإصابة بالجلطات الوريدية وقد يكون ذلك بسبب الحالة الالتهابية المزمنة المصاحبة لها والتأثيرات على عوامل التخثر.
  • التدخين: يعد التدخين عامل خطر مهما لتصلب الشرايين وبالتالي يزيد من خطر الجلطات الشريانية.
  • حبوب منع الحمل والعلاج الهرموني: تزيد الأدوية التي تحتوي على هرمون الإستروجين من خطر الإصابة بالجلطات الوريدية خاصة عند النساء اللاتي لديهن عوامل خطر أخرى مثل السمنة أو طفرة عامل لايدن الخامس.

أعراض تجلط الدم
تختلف أعراض تجلط الدم بشكل كبير اعتمادا على ما إذا كانت الجلطة وريدية أم شريانية وموقعها في الجسم. فهم هذه الأعراض يساعد في التشخيص المبكر وتجنب المضاعفات الخطيرة.
أعراض الجلطة الوريدية (مثل تورم الساق والألم)
غالبا ما تصيب الجلطات الوريدية الأوردة العميقة في الساقين (DVT). من ناحية أخرى تشمل العلامات الكلاسيكية ما يلي:
  • تورم في الساق المصابة أو الذراع.
  • ألم أو شعور بالشد في الساق والذي قد يزداد عند الوقوف أو المشي.
  • احمرار ودفء في المنطقة المصابة.
  • ظهور أوردة سطحية متوسعة بشكل واضح.

  • لكن يجب ملاحظة أن هذه الأعراض غير محددة ويمكن أن تحدث في حالات أخرى لذلك يعد التشخيص الدقيق ضروريا. من ناحية أخرى قد تكون أخطر مضاعفات تجلط الأوردة العميقة هي الانصمام الرئوي (PE) والذي يحدث عندما تنتقل قطعة من الجلطة إلى الرئتين وتشمل أعراضه ضيقا مفاجئا في التنفس وألما في الصدر وسعالا قد يكون مصحوبا بالدم .
    أعراض الجلطة الشريانية (مثل ألم الصدر وضيق التنفس)
    تتسبب الجلطات الشريانية في منع تدفق الدم الغني بالأكسجين إلى الأنسجة مما يؤدي إلى أعراض حادة وخطيرة. على سبيل المثال:
  • النوبة القلبية: تحدث عندما تسد جلطة شريانا تاجيا يغذي عضلة القلب وتشمل أعراضها ألما شديدا في الصدر قد يمتد إلى الذراع الأيسر أو الفك وضيق في التنفس وتعرقا.
  • السكتة الدماغية: تحدث عندما تسد جلطة شريانا في الدماغ وتشمل أعراضها ضعفا أو تنميلا مفاجئا في جانب واحد من الجسم وصعوبة في التحدث وفقدان التوازن أو صداعا شديدا .
  • نقص التروية الحاد في الأطراف: ينتج عن جلطة في أحد شرايين الذراع أو الساق وتشمل أعراضه ألما شديدا وشحوبا وبرودة في الطرف المصاب مع غياب النبض .
  • إن أسباب تجلط الدم وأعراضه وطرق العلاج في الحالة الشريانية تتطلب تدخلا طبيا عاجلا لتجنب تلف الأنسجة الدائم أو الوفاة.
    أعراض الجلطات في أماكن أخرى (مثل الدماغ البطن)
    يمكن أن تحدث الجلطات في أماكن أقل شيوعا لكنها لا تقل خطورة:
  • الجلطة في أوردة الدماغ (Cerebral Venous Sinus Thrombosis): يمكن أن تسبب صداعا شديدا وتشوشا في الرؤية ونوبات صرع .
  • الجلطة في أوردة البطن (مثل الوريد البابي أو المساريقي): يمكن أن تسبب ألما شديدا في البطن وغثيانا وانتفاخا وقد تؤدي إلى نقص تروية الأمعاء .
  • الجلطة في أوردة الشبكية: يمكن أن تؤدي إلى فقدان مفاجئ للبصر في العين المصابة .
  • طرق تشخيص تجلط الدم

    اختبارات الدم (مثل D-dimer)
    يعد اختبار "دي-دايمر" (D-dimer) من أكثر اختبارات الدم شيوعا في تشخيص الجلطات. يقيس هذا الاختبار مستوى منتجات تحلل الفيبرين وهي مواد تطلق في الدم عند تحلل الجلطة. يتميز الاختبار بحساسية عالية لكن خصوصيته منخفضة مما يعني أن النتيجة السلبية يمكن أن تستبعد وجود جلطة بشكل موثوق لدى المرضى ذوي الاحتمالية السريرية المنخفضة لكن النتيجة الإيجابية ليست تأكيدا قاطعا لوجود جلطة حيث يمكن أن ترتفع مستويات الدي-دايمر في حالات أخرى مثل الالتهابات والسرطان والحمل وبعد العمليات الجراحية.
    التصوير الطبي (مثل الموجات فوق الصوتية الأشعة المقطعية)
    يعد التصوير الطبي ضروريا لتأكيد التشخيص وتحديد موقع الجلطة:
  • الموجات فوق الصوتية (الدوبلكس): هي الأداة التشخيصية الأولى لتجلط الأوردة العميقة (DVT). وهي فحص غير جراحي يعتمد على تقنية الضغط لتقييم قابلية الأوردة للانضغاط. الوريد السليم ينضغط بسهولة بينما الوريد الذي يحتوي على جلطة لا يفعل ذلك.
  • التصوير المقطعي المحوسب مع حقن الصبغة (CTPA): هو المعيار الذهبي لتشخيص الانصمام الرئوي (PE). يمكن أيضا دمج هذا الفحص مع تصوير الأوردة المقطعي (CTV) لفحص أوردة الساق في نفس الوقت.
  • تصوير الأوردة بالرنين المغناطيسي (MRV): يعد خيارا ممتازا لتصوير الأوردة في الحوض أو في الحالات التي لا يمكن فيها استخدام التصوير المقطعي المحوسب مثل الحمل أو الفشل الكلوي.
  • تصوير الأوردة الظليل (Venography): كان يعد المعيار الذهبي في الماضي ولكنه نادرا ما يستخدم الآن لأنه فحص جراحي ويتطلب حقن صبغة مباشرة في الوريد .
  • طرق علاج تجلط الدم
    تهدف طرق علاج تجلط الدم بشكل أساسي إلى منع نمو الجلطة ومنعها من الانتقال إلى أماكن أخرى مثل الرئتين وتقليل خطر تكرارها في المستقبل بالإضافة إلى تخفيف الأعراض.
    الأدوية المضادة للتخثر (مثل الوارفارين الهيبارين)
    تعتبر مضادات التخثر حجر الزاوية في علاج الجلطات الوريدية. وهي لا تذيب الجلطة الموجودة ولكنها تمنع تكون جلطات جديدة وتسمح لآليات الجسم الطبيعية بإذابة الجلطة الحالية تدريجيا. الأنواع الرئيسية تشمل:
  • الهيبارين: يعطى عن طريق الحقن وعادة ما يكون العلاج الأولي. يتوفر على شكل هيبارين غير مجزأ (يتطلب مراقبة دقيقة في المستشفى) أو هيبارين منخفض الوزن الجزيئي (LMWH) الذي يمكن للمريض حقنه بنفسه في المنزل .
  • الوارفارين: هو مضاد تخثر فموي قديم وفعال ولكنه يتطلب مراقبة منتظمة للدم (INR) لتعديل الجرعة ويتأثر بالنظام الغذائي والعديد من الأدوية الأخرى .
  • مضادات التخثر الفموية المباشرة (DOACs): هي فئة أحدث من الأدوية (مثل ريفاروكسابان وأبيكسابان) تؤخذ عن طريق الفم بجرعات ثابتة ولا تتطلب مراقبة روتينية للدم مما يجعلها خيارا مفضلا للعديد من المرضى في الوقت الحالي .
  • الإجراءات الجراحية (مثل إزالة الجلطة)
    في الحالات الشديدة والمهددة للحياة أو الطرف قد تكون هناك حاجة لإجراءات أكثر تدخلا لإزالة الجلطة:
  • العلاج الحال للخثرة (Thrombolysis): يتضمن إعطاء أدوية قوية "مذيبة للجلطات" مثل tPA مباشرة في مجرى الدم. هذا العلاج محفوف بمخاطر نزيف عالية لذلك يتم استخدامه فقط في حالات الطوارئ مثل الانصمام الرئوي الهائل أو السكتة الدماغية الحادة.
  • استئصال الخثرة (Thrombectomy): هو إجراء جراحي أو ميكانيكي لإزالة الجلطة من الوعاء الدموي. يمكن إجراؤه من خلال قسطرة يتم إدخالها عبر الأوعية الدموية أو عن طريق الجراحة المفتوحة .