في كل مرة تتحطم فيها موجة في المحيط، تُقذف قطرات دقيقة من مياه البحر في الهواء، ويكون بعضها يحمل فيروسات وبكتيريا وطحالب وكائنات حية وحيدة الخلية أخرى.
وبينما تسقط بعض هذه القطرات بسرعة عائدةً إلى المحيط، تلتقط الرياح بعضها الآخر وترتفع إلى السماء، حيث يمكن أن تحملها لآلاف الأميال.
على اليابسة، يمكن للرياح أن تجرف الأرض، حاملةً البكتيريا والفطريات والكائنات الحية الأخرى.
وفي كل صباح، عندما تشرق الشمس وتتبخر المياه في الهواء، يمكن أن تطلق أيضاً كائنات دقيقة.
كما تُولّد حرائق الغابات، تيارات هوائية صاعدة عنيفة قادرة على امتصاص الميكروبات من الأرض ومن جذوع الأشجار وأوراقها، حاملةً إياها إلى الأعلى مع الدخان المتصاعد.
ولا تنتظر العديد من أنواع الكائنات الحية القوى الفيزيائية لإطلاقها في الهواء.
فالطحالب، على سبيل المثال، تُنبت ساقاً تحمل في طرفها كيساً من الأبواغ (خلية تكاثر لا جنسي في علم النبات)، تُطلقه كنفحات من الدخان في الهواء.
وقد يسقط ما يصل إلى ستة ملايين من الأبواغ الطحلبية على متر مربع واحد من المستنقع خلال صيف واحد.
إذ تتكاثر العديد من أنواع النباتات عبر إطلاق مليارات حبوب اللقاح جواً خلال كل ربيع.
وتتميز الفطريات بمهارة خاصة في الطيران.
فقد طورت مدافع بيولوجية ووسائل أخرى لإطلاق أبواغها في الهواء، كما أن أبواغها مُجهزة بأصداف متينة وتكيفات أخرى لتحمل الظروف القاسية التي تواجهها أثناء سفرها عالياً حتى طبقة الستراتوسفير.
وقد عُثر على فطريات على ارتفاع يصل إلى 12 ميلاً (20 كيلومتراً)، فوق مياه المحيط الهادئ المفتوحة،
يُقدّر عدد الخلايا البكتيرية التي تصعد كل عام من اليابسة والبحر إلى السماء، بحوالي تريليون تريليون خلية.
كما يُقدّر أن 50 مليون طن من أبواغ الفطريات تُحمل جواً في المدة الزمنية نفسها.
وتصعد أعداد لا تُحصى من الفيروسات والأشنات والطحالب وغيرها من أشكال الحياة المجهرية إلى الهواء.
ومن الشائع أن تسافر لأيام في الهواء قبل الهبوط، وخلال هذه الفترة يُمكن أن تُحلّق لمئات أو آلاف الأميال.
وخلال هذه الرحلة، قد يطير كائن حي إلى منطقة من الهواء حيث يتكثف بخار الماء على شكل قطرات.
وسرعان ما يجد هذا الكائن نفسه مُغلفاً بإحدى تلك القطرات، وقد تحمله التيارات الصاعدة إلى عمق أكبر داخل كتلة الماء. فيدخل عندئذٍ قلب سحابة.
وقد جاء الكثير ممّا تعلمه العلماء عن الحياة في السحب، من قمة جبل في فرنسا يُسمى بوي دو دوم.
إذ تشكلت هذه القمة قبل حوالي 11 ألف عام، عندما اصطدمت كتلة من الصهارة - المادة السائلة أو شبه السائلة الساخنة أسفل أو داخل قشرة الأرض تتكون منها الحمم البركانية والصخور النارية الأخرى عند التبريد - بتلال متموجة وسط فرنسا، مكونةً بركاناً تفجرت منه الحمم البركانية قبل أن يخمد بعد بضع مئات من السنين.
وعلى مدار العشرين عاماً الماضية تقريباً، زُوِّدت محطة أرصاد جوية على قمة بوي دو دوم بأجهزة أخذ عينات من الهواء.
ويرتفع الجبل عالياً لدرجة أنّ السحب تغطي قمته بانتظام، ما يسمح للعلماء بالتقاط بعض الكائنات الحية من عليها.
تعتبر السحابة بالنسبة للبكتيريا، عالماً غريباً جداً، يختلف اختلافاً جذرياً عن بيئاتها التي تعيش فيها عادةً على اليابسة أو في البحر.
إذ عادةً ما تتجمع البكتيريا في مجموعات.
وفي الأنهار، قد تنمو لتشكل حصائر ميكروبية. وفي أمعائنا، تُشكل أغشية كثيفة.
أمّا في السحب، فيعيش كل ميكروب في عزلة تامة، محاصراً داخل قطرة ماء خاصة به.
وتعني هذه العزلة، أنّ بكتيريا السحابة لا تضطر للتنافس مع بعضها البعض على الموارد المحدودة. لكن في الوقت نفسه، لا تملك قطرة الماء مساحة كافية لحمل العناصر الغذائية التي تحتاجها الميكروبات للنمو.
![]()