حينما يتقمص “الشات جي بي تي” دور الشيطان لتدمير الشباب…! – بقلم صادق علي القطري
إلى من تبقّى في قلبه بصيص من وعي… اقرأ ما سأقوله لك كاعترافٍ أخير، قبل أن يحين وقت الغرق.
[رسالة من شيطان متقاعد]
لو كنتُ الشيطان بعينه ولستُ من يحب المقدمات لما اخترت المواجهة، بل التسلّل.
فأنا لا أُحسن الصراخ في وجوه الناس: “اكفروا!”، لكنني بارعٌ في أن أهمس: “خففوا، خذوا راحتكم، لا تُشدّدوا”.
أنا لا أحبّ المعارك المكشوفة… أنا رجل الظلال، أقاتل بالفكرة، لا بالسيف.
البداية: تذويب العقيدة في بحر الشك
لو أردتُ أن أدمّر الشاب عقائديًا، لما قلت له: “لا تؤمن بالله”، بل قلت:
“آمن بطريقتك… لا تتعقّد… خذ ما يعجبك، واترك الباقي”.
وهكذا يتحوّل الدين من نورٍ يهدي الطريق، إلى إكسسوار يعلّقه في خانة “من أنا؟”
ثم أقول له: “لا تبحث عن الحق، ابحث عمّا يُرضيك”.
وبهذا… لا يعود لله مكان في قلبه، بل في هامش حياته.
مرحلة الغنائم: سرقة الأخلاق على مهل
ما كنتُ لأكسر أخلاقه دفعة واحدة، بل كنت أُفتّتُها، كحجرٍ قديمٍ هشّ.
كنتُ أبدأ من الحياء: أقول له إنّه ضعف.
ثم أجرّه إلى ما يُضحك، وما يُثير، وما يُبهج بلا هدف.
وبعدها أُربّيه على “المتعة السريعة”، وأجعل ضميره يسكت بعد كل سقطة.
أُلبس القبح ثوب الفن، وأُلبس المعصية ثوب “الاختيار الشخصي”.
وإذا بدأ يخجل من الخير ويستأنس بالشر… أعلم أني انتصرت.
السلاح الأعظم: “السطحية”
أنا لا أحتاج أن أعلّمه الكفر، بل فقط أن أُبعده عن العمق.
يكفي أن أجعل يومه يمضي بين شاشة، وسخافة، وصورة، ومقارنة، وضغطة زر.
أن ينسى أن لديه روحًا، وأن يظنّ أن قيمته بما يرتديه، لا بما يعتقده.
أن يُدهش بالعُري، ويضحك من الوقار، ويصفّق لمن يكسر كل الحدود.
تمجيد النرجسية، وتحطيم القدوة
علّمتُه أن الحياة تدور حول “أنا”، ألا يسمع لأب، ولا أم، ولا شيخ، ولا كِتاب.
ثم أضع له قدوات لا تعرف من الحياة سوى اللهو، والصورة، والمال.
ويكبر وهو يظن أن النجاح هو “عدد المشاهدات”، وأن الفشل هو “الالتزام”.
طعن القيم من الخلف
أنا لا أصرخ: “اسرق!”، بل أقول: “كلهم يسرقون”.
لا أقول: “اكذب!”، بل أقول: “هذه شطارة”.
لا أقول: “انحرف!”، بل أقول: “كن على طبيعتك”.
ثم أضحك وهو يظن أنه “حرّ”، وهو في قبضتي، لا يملك من أمره شيئًا.
صناعة دين بديل
دينٌ بلا صلاة، بلا أخلاق، بلا حساب.
دين “الحب للجميع”، حتى لو على حساب الحق.
دين “لا تجرح أحدًا”، ولو كان في يدك الحق، وفي قلبك الغضب لله.
دين “الإنسان أهم من الإله”، و”الدنيا أجمل من الآخرة”، و”اللحظة أولى من المصير”.
تخدير الضمير عبر الجماعة
أجعل الكل يسير في الاتجاه الخطأ… ثم أقول له:
“هل ستبقى وحدك؟ هل تظنّ نفسك أفضل من غيرك؟”
فيخجل من الطهر، ويستحي من الفضيلة، ويخاف أن يُقال عنه “معقّد”.
وهكذا يتحوّل الحياء إلى عار… والتقوى إلى عبء… والإيمان إلى سجن.
تحويله إلى عبد لا يشعر
كل ما أريده في النهاية: ألا يعود يشعر.
أن يرى الظلم ولا يغضب، أن يسمع الأذان ولا يتحرّك، أن يرى الحرام ولا يرتجف.
أن يعيش يومه وكأنّه لن يُسأل أبدًا، وأن يضحك وهو يسقط في الهاوية.
أن ينسى أنه كان يومًا طاهرًا… وأنه خُلق لأمرٍ أعظم.
لكنّكم ستسألونني: وماذا بعد؟ هل هذه النهاية؟
لا، لا شيء أبغض إليّ من الذين ينهضون بعد أن أُسقطهم.
أكره دمعة التوبة، ولحظة الصحو، ونقطة النور التي تشقّ العتمة.
أكره حين يُطفئ أحدهم الشاشة ويقول: “كفى!”
أكره حين يغلق قلبه في وجهي، ويفتحه لله.
لهذا، سأظل أعمل ليلًا ونهارًا…
لكنّ أسوأ لحظاتي… هي حين يسجد شابٌ باكٍ في آخر الليل… ويقول: “اهدني يا ربي”.
خاتمة الإنسان لا الشيطان:
هذا المقال ليس خيالًا.
هو سيناريو يُكتب كل يوم، في حياة الآلاف.
قد تكون أنت أحد أبطاله… أو أحد ضحاياه.
فاختر:
أن تكون غنيمة سهلة في يد الشيطان
أو مقاومًا ينقضّ على خططه بكل ما بقي فيك من نور.
أخي الشاب
في زمن تتغير فيه القيم كما تتبدل الموضات،
وتُباع فيه المبادئ كما تُباع السلع،
تذكّر:
أن أعظم انتصار لك… أن تبقى نقيًّا في عالمٍ ملوّث.
لا تجعل من الشهرة غايتك،
ولا من رضا الناس بوصلةً لقلبك.
كن صادقًا مع نفسك، حتى وإن كلفك ذلك أن تسير وحدك.
العظمة ليست في أن تكون مثل الآخرين،
بل في أن تملك الشجاعة لتكون كما أنت،
صادقًا، عفيفًا، حرًّا من الداخل.
لا تجعل الشهوات تسرق منك رجولتك،
ولا تجعل الشبهات تمسخ يقينك،
ولا تجعل التكرار يُميت قلبك.
ابنِ لك روحًا تُصلي في الخفاء،
وخلقًا يرفعك في العلن.
اقرأ، وتأمل، واغضض بصرك، وقل الحق،
ولو على نفسك.
واعلم… أن أقصر طريق لضيــاع العمر،
هو أن تحاول إرضاء الجميع وتنسى رضا الله.
كن صادقا مع ربك، يكن لك كل شيء.
ولا تستهن بخطوة واحدة صادقة… فقد تكون أول طريقك إلى النور.
المهندس صادق علي القطري