عبد الله السيهاتي.. الذي استثمر في كرامة الإنسان
في زمن تُقاس فيه النجاحات بالأرباح والمراكز، يختار بعض الرجال أن يُقاس أثرهم بما يتركونه في حياة الآخرين. الدكتور عبد الله بن علي السيهاتي، أحد أبرز رجال الأعمال في محافظة القطيف، مثالٌ لرجل لم يكتفِ بالنجاح، بل جعله وسيلة لخدمة الإنسان، وصوتًا هادئًا في مسيرةٍ طويلة من العطاء والمسؤولية.
ولد السيهاتي في بيتٍ تغذّى بالقيم قبل المال، وتشرّب معنى البذل قبل التجارة. والده، الحاج علي بن أحمد السيهاتي، كان تاجرًا بسيطًا، لكنه غنيٌّ بأخلاقه ومحبته للخير. وقد ورّث أبناءه تلك القيم، فترعرع الدكتور عبد الله على مبدأٍ جوهري: أن الإنسان أكبر من أي رصيد، وأن القيمة الحقيقية للتاجر هي أثره في مجتمعه.
برؤية استراتيجية واضحة، أسس الدكتور السيهاتي مجموعة من الأنشطة الاستثمارية في قطاعات متنوعة، منها القطاع الصناعي والخدمي حيث ساهم في إطلاق مشاريع تدعم البنية الاقتصادية وتخلق فرص عمل، والقطاع التجاري بمنظومة مبنية على الثقة والاستمرارية، والقطاع العقاري عبر مشروعات تطوير سكني راعت احتياجات المجتمع ورفعت جودة حياة الأسر المستفيدة. لكن الأهم من كل ذلك، أنه ظل يحمل رؤية ثابتة:
”الاستثمار الحقيقي يبدأ من الإنسان وينتهي إليه.“
من أبرز مبادرات الدكتور عبد الله السيهاتي، إنشاء مركز متكامل لغسيل الكلى في محافظة القطيف، مجهّز بأحدث المعدات والتقنيات الطبية. لم يكن هذا المشروع مجرد منشأة صحية، بل جاء ليؤمن بيئة علاجية مريحة تحافظ على كرامة المرضى، وتوفر لهم الطمأنينة خلال فترة العلاج.
ساهم المركز بشكل فعّال في تخفيف العبء النفسي والجسدي عن مرضى الفشل الكلوي، الذين كانوا يعانون سابقًا من طول الانتظار والتنقل المتكرر، مما انعكس إيجابيًا على جودة حياتهم وراحتهم النفسية.
هذه المبادرة الإنسانية والخيرية، التي تحولت إلى علامة بارزة في القطاع الصحي المحلي، تؤكد أن الاستثمار الحقيقي يبدأ من الإنسان وينتهي إليه، وتُبرز رؤية الدكتور السيهاتي التي تضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار.
امتد عطاء الدكتور السيهاتي إلى مجالات أخرى شملت برامج دعم تعليمي للطلاب غير القادرين على إكمال تعليمهم الجامعي، ومبادرات إسكانية وتنموية للأسر المتعففة، ومساهمات مؤسسية للجمعيات والمراكز الخيرية في مختلف مناطق المملكة.
لقد كان حضوره الخيري هادئًا وعميقًا وفعّالًا… عمل بصمت، ولكن أثره كان ظاهرًا.
لم يكن عطاء الدكتور السيهاتي محصورًا في حدود المال أو الخدمات فقط، بل اتخذ من الثقافة وعيًا ورؤية، ومن الاطلاع نافذة لفهم الإنسان والمجتمع. لقد آمن بأن التقدّم الحقيقي يبدأ من الفكرة، وأن بناء المجتمعات لا يتمّ بمعزل عن المعرفة والانفتاح على التجارب العالمية.
ولهذا، كان السيهاتي حاضرًا في العديد من المنتديات والمؤتمرات الثقافية والإنسانية الدولية، حيث شارك في لقاءات تناولت قضايا التنمية المستدامة، والثقافة المجتمعية، ودور رجال الأعمال في تعزيز الهوية الإنسانية، والاستثمار في رأس المال البشري.
وقد مثّلت مشاركاته الأخيرة في النرويج وسويسرا - جنيف ضمن أعمال مرتبطة بـ الأمم المتحدة، محطات مهمة لتعزيز الحضور الثقافي والإنساني للمملكة، ونافذةً للاطلاع على أحدث المبادرات الدولية في مجالات حقوق الإنسان، والتنمية، والصحة العالمية.
في الوقت الذي تواجه فيه الكثير من الشركات العائلية تحديات الاستمرارية، نجح الدكتور السيهاتي في إشراك أبنائه في العمل الإداري والقيادي، من خلال نموذج احترافي يقوم على الثقة المتبادلة، وتوزيع المسؤوليات، وترسيخ القيم، والمشاركة في اتخاذ القرار.
فما زرعه والده من قيم، حرص هو على غرسه من جديد في الجيل التالي، ليبقى النهج مستمرًا لا بالحديث، بل بالفعل والتطبيق.
قصة الدكتور عبد الله السيهاتي ليست مجرد حكاية رجل أعمال، بل هي قصة إنسان يؤمن أن قيمة الإنسان لا تُقاس بالمراكز ولا بالمكاسب، بل بمدى ما يتركه من أثر حيّ في مجتمع ينبض بالحياة والأمل. في القطيف، وفي قلوب كل من عرفه، سيظل عبد الله السيهاتي رمزًا للتفاني والكرامة، لأنّه ببساطة، استثمر في أعظم ما نملك: الإنسان.
![]()