احزنني امر صديقي البائس حامد، حينما لقيته بعد ما يقارب ١٠ سنين وهو لم يكمل دراسته الابتدائية حتى، لم أكن أظن أن لقاءً عابرًا بعد عشر سنوات يمكن أن يوقظ هذا الكم من الذكريات. رأيته واقفًا عند بائع الشاي(ابو العروبه) في الزقاق، يلوّح لي بنصف ابتسامة متعبة، وملامحه لم تتغير كثيرًا
كان حامد، صديقي القديمَ،صديقي البائس.
جلسنا نتحدث، وبعد دقائق من المجاملات، سألني فجأة:
"ها حسن، كملت دراستك لو بعدك تخاف من ست سعدية؟"
ضحكت، لكن داخلي كان مضطربًاَ، تفعلت عندي فورًا نظرية المؤامرة:
"ليش يسأل؟ ممكن يبلغ ست سعدية؟!"
نسيت أننا كبرنا، وأن كفها الخماسي قد تقاعد من زمان.
قلت له:
ـ "كنت ناجح وما انتبهت… أخاف يعيدوني للصف الأول، وارجع أقابل أصابعها الخمس."
من المفارقات الغريبة أن حامد، اللي كان دايمًا أجرأ مني، ترك المدرسة نهائيًا.
بينما أنا، رغم خوفي الدائم، كنت أتسلل من نجاحٍ إلى نجاح، أتلفّت حولي كأنني أرتكب جريمة.
ما زلت أتذكر كف ست سعدية، الختم الخماسي، كما كنا نسميه.
ذاك الكف الذي علّمنا الحساب قبل أن نفهمه، وأقنعنا أن الطاعة أفضل من الفهم.
واليوم… ها أنا أمام حامد، رجلٌ لم يكتمل حُلمه، ولا اكتمل تعليمه، بينما أكتشف أن خوفي في الطفولة لم يكن من الفشل… بل من النجاح نفسه.