هل تعلم أن غرناطة سُلِّمت يوم الإثنين 2 يناير 1492، بموجب اتفاقية مكوَّنة من ثمانين بندًا ، كلّها تحفظ للمسلمين في غرناطة حقوقهم؟ بل إن السلطان أبا عبد الله الصغير، آخر ملوك غرناطة، اشترط على الملكة إيزابيلا — وكانت مشهورة بتديّنها الكاثوليكي وورعها — أن تحلف على الإنجيل و تؤدي قسما مغلظًا أمام الوزير أبي القاسم الغرناطي، وبحضور وشهادة العدول، أنها ستكون وفيّة لهذه الاتفاقية.
فأقسمت هي، وأقسم زوجها، وأقسم معها كرادلتها وقسسها ورهبانها وكبار ضباطها ورجال دولتها. ثم مضى أبا عبد الله الصغير أبعد من ذلك، فاشترط إرسال الاتفاقية إلى البابا في روما ليوقّع عليها بصفته المرجع الأعلى للكاثوليك، فجاء التوقيع من البابا نفسه، ليكتمل بذلك العهد الممهور بأعلى سلطة دينية في أوروبا.
وهكذا، وقّع البابا، وإيزابيلا، وزوجها على البنود الثمانين، التي كان كلّ بند منها يحفظ حقًّا من حقوق المسلمين؛ من لباس نسائهم، وتكفين موتاهم، وإقامة صلواتهم، وإخراج زكاتهم، وصوم رمضان، وحفظ مساجدهم وأموالهم وبيوعهم، وحقوق نسائهم وأولادهم وممتلكاتهم.
ثم أتدرون ماذا فعلت إيزابيلا الكاثوليكية بعد ذلك؟ ما إن استقرّت في غرناطة واطمأنّت، وسلّم المسلمون أسلحتهم، وحُلّ جيشهم، وأُخرج أبو عبد الله الصغير إلى فاس بالمغرب، حتى أرسلت إلى البابا في روما — من ورعها وتقواها وخوفها من الله، حسب زعمها — تطلب منه أن يحلّها من القسم. فجاءها الجواب من البابا — لورعه وتقواه هو الآخر! — في رسالة رسمية ما زالت محفوظة إلى اليوم، يُعلن فيها أنه يحلّها ويغفر لها، ويعفيها من الحساب يوم القيامة إذا غدرت ونكثت عهودها مع المسلمين.
وما إن أخذت الإذن البابوي والغفران، حتى نكثت العهد، وبدأت المذ.ابح، و أسست محاكم التفتيش، وسُفكت الدماء، وأُحرق الناس أحياء، وأُجبر المسلمون على التنصير، حتى صار مجرد الشبهة في كونك مسلمًا أو تمارس شعيرة من شعائر المسلمين كافيًا ليلقي بك في أفران النار.
فيا أيها الناس، هل تغيّر التاريخ؟! هل احترم الأعداء يومًا عهدًا أبرموه معنا؟! كم من اتفاقية سلام وُقّعت مع هؤلاء، فلم تُثمر إلا خديعة وخسرانًا؟! أتنتظرون منهم عدلًا و إنصافا في مجلس الأمن أو المحكمة الدولية أو الأمم المتحدة، وربّكم يحذّركم بقوله جلّ شأنه: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾.