درس من ”تِرِنْ تِرِنْ“
أظن أن بذرة العناد تبدأ حين يكون الطفل مستمتعًا سعيدًا أثناء مشاهدة ”تِرِنْ تِرِنْ“ Pink Panther, لتأتي أمه وأعضاء الحزب الجمهوري ممثلاً في الخالات والعمات وكل من هو أكبر منه بيوم ويقولون له بصرامة: ”قوم اتسبح الحين“. في تلك اللحظة يتعلّم الطفل أول درس عملي في فن مقاومة الأوامر والضغوطات المعنوية. يتكرر المشهد في مواقف أخرى حين يلعب الكورة مع إخوانه بكل حماس، فيأتي أعضاء الكونجرس من جديد وربما يساندهم هذه المرة رئيس مجلس الشيوخ ”الوالد“ ويقولون له قولة رجل واحد: ”اترك هالكورة وروح رتب غرفتك ألحين“.
هكذا حين يتحول وقت المتعة إلى وقت تكليف. وبأسلوب لا يراعي إيقاع الطفل ولا لحظات نشوته، ويصرّ على مقاطعته بطلبات يمكن تأجيلها، تُغرس في الطفل وبشكل لا إرادي أول بذور العناد. عناد لا ينبع من قناعة أو موقف، بل من عادة رسخت في النفس: أن ترفض كل ما يطلب منك لمجرد أنه طُلب منك.
الحقيقة أن الشخصية التي يترسخ فيها العناد تعاني غالبا من صعوبات نفسية مثل التوتر أو القلق، لأن الإصرار المستمر على الرأي يضعف قدرتها على التكيف مع التغييرات اليومية. ومع الزمن، يمكن أن يترك هذا الضغط أثرًا على صحتها النفسية والجسدية. قد يظن القارئ أنه من المبالغة أن يكون حرمان طفل من لحظة لعب سببًا لكل ذلك، لكن صفة العناد في حقيقتها ليست وليدة موقف عابر، بل نتيجة تراكم مستمر يُضعف حق الطفل في التعبير والاختلاف. وحين تُقابل نسبة ليست قليلة من رغباته بالرفض أو الإلزام، تتبلور داخله عادة المقاومة. ومع تكرار المواقف، تنمو هذه العادة وتتشكل ككرة ثلج، حتى تظهر بوضوح في شخصية الإنسان الراشد.
في تصوري أن الإنسان الذي يملك أذنًا لا تسمع وقلبًا لا يعي، ما هو في الغالب إلا نتاج طفولة حُرم فيها من لحظات سعادته البسيطة بفعل استفزاز متكرر من أسرته والمحيطين به.
وهنا تكمن الخطورة؛ إذ يتجاوز الأمر حدود اللعب ليزرع داخله شعورًا بالرفض والحقد لكل ما يُطلب منه، حتى لو كان من صميم التعاليم الدينية.
كياسة المربي الحقيقية تكمن في اختيار اللحظة المناسبة لتقديم الطلبات وغرس المبادئ، فهي التي تصنع إنسانًا متوازنًا ذا نفسية صحية.
أما الأسرة التي تنتزع الطفل من متعة اللعب أو صحبة أقرانه، فقد تظن أن استحمامه أو ترتيب غرفته دليل اتزان. بينما تكون في الواقع قد صنعت شخصًا يميل إلى العناد ويعرقل التعاون. وكل ذلك كانت بدايته من اللحظة التي جاء فيها الحزب الجمهوري مسنودًا برئيس مجلس الشيوخ وبكل صرامة وانتزعوا من الطفل حقه في الاستمتاع بمشاهدة ”تِرِنْ تِرِنْ“، ولم يكتفوا بذلك بل روجوا على إثرها في وسائل الإعلام المحلية والعالمية شعار: «أولادنا ما يتكل عليهم، رحم الله أيام لول».