قراءة في تعديل قانون وزارة التربية: بين الإنصاف والترقيع
بقلم: مصطفى جواد الكريم
حقوقي في هيئة الحشد الشعبي
تعتبر وزارة التربية في العراق الجهة المسؤولة عن وضع السياسات التعليمية والتربوية في البلاد، من خلال الدور الذي تقوم به في رسم المناهج الدراسية، وإعداد الكوادر التعليمية، والإشراف على المدارس، كما تهتم الوزارة بجانب التربية الأخلاقية والوطنية، سعيًا لبناء جيل واعٍ ومؤهل يساهم في تنمية وبناء المجتمع.
تُعدّ الكوادر التربوية والتعليمية الركيزة الأساسية في تنفيذ وزارة التربية لسياساتها، إلى جانب ما تتمتع به الأبنية المدرسية وسائر المؤسسات والكوادر العاملة في الوزارة من أهمية في دعم هذه السياسات وتحقيق أهدافها. إلا أنّ هذه الكوادر التربوية والتعليمية تعاني – وفق ما أظهرته التظاهرات والاحتجاجات السابقة – من ضعف الاهتمام وعدم الإنصاف في مقدار الرواتب الشهرية التي يتقاضونها، بحسب وصفهم. ويُعَدّ تعديل قانون وزارة التربية رقم (22) لسنة 2011 نتيجة مباشرة لهذه التظاهرات، بوصفه استجابة لمطالب الكوادر الساعية إلى تحسين أوضاعها وضمان حقوقها.
استهدف القانون تعديل أحكام قانون وزارة التربية رقم (22) لسنة 2011، وتضمن نص التعديل إصلاحات استهدفت تحسين المدخول المالي لمنتسبي وزارة التربية، سواء كان التحسين خلال فترة الخدمة أو بعدها حين التقاعد. حيث عالج التعديل في المادة (1) مسألة الخدمة لمدة ثلاث سنوات في المناطق الريفية من قبل الكوادر غير الساكنين فيها، واعتبارها خدمة واجبة وشرطًا للتعيين مع احتسابها خدمة مضاعفة لأغراض التقاعد بعد دفع التوقيفات التقاعدية.
أما المادتان (2) و(4)، فقد تعلقتا بتنظيم تشكيلات الوزارة، بينما نصت المادة (4) على زيادة المخصصات المقطوعة الممنوحة إلى منتسبي الوزارة بمقدار 300 ألف دينار. أما الخدمة التي أداها شريحة واسعة من التربويين والاداريين بصفة (متطوعين مجانًا)، فقد تم احتسابها كخدمة لأغراض التقاعد بعد تسديد التوقيفات التقاعدية، بينما تضمنت المادتان (5) و(6) أحكامًا ختامية.
الإيجابيات
لاقى التعديل ترحيبًا من شريحة من المعلمين والمدرسين الذين اعتبروا الخطوة نوعًا من الاعتراف بمعاناتهم، لا سيما أولئك الذين يعملون في المناطق الريفية والنائية. كما عدّ آخرون احتساب الخدمة المجانية للمحاضرين إنصافًا لهم بعد سنوات طويلة من العمل بلا مقابل. ويُسجل للتعديل أنه ألزم وزارة المالية بتوفير التخصيصات اللازمة، ما يمنحه قوة قانونية ويقلل من فرص تعطيله.
القصور والانتقادات
على الرغم من هذه الإيجابيات، برزت جملة من الانتقادات:
• وصفه البعض بأنه ترقيعي لا يعالج جوهر أزمة التربية، مثل نقص الأبنية المدرسية، تكدس الصفوف، وبطء تحديث المناهج الدراسية.
• المخصصات المالية الإضافية، رغم أهميتها، لا تواكب الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة، ولا توفر حلولًا عملية للمشاكل البنيوية في القطاع.
• شريحة المتطوعين المجانيين لم تُنصف بالكامل؛ إذ لم يُحتسب العمل الذي قاموا به كخدمة متصلة تكفل لهم العلاوة والترفيع، رغم أنهم لبّوا نداء الوزارة لسد النقص الحاد بالكوادر.
• أثار القانون جدلًا حول دوافعه، فاعتبره البعض استجابة لضغط سياسي وانتخابي أكثر من كونه إصلاحًا مؤسساتيًا مدروسًا.
الآراء المتداولة على مواقع التواصل والمدونات
• المدونات ومنصات التواصل الاجتماعي أبرزت هذه الرؤية المزدوجة:
• المؤيدون رأوا القانون خطوة إيجابية وإنصافًا للكوادر التربوية، واعتبروه تقديرًا رمزيًا لدورهم.
• المنتقدون شككوا في جدية الإصلاح، مؤكدين أن القانون يركز على المكافآت والتقاعد فقط، دون معالجة التحديات البنيوية العميقة للتعليم.
• الشارع العراقي استقبل القانون بمزيج من الترحيب والتحفظ، مرحبًا بالمكاسب المادية الرمزية، لكن متحفظًا بشأن أثره الحقيقي على جودة التعليم.
خلاصة
إن تعديل قانون وزارة التربية يُمثل خطوة في اتجاه إنصاف الكوادر، لكنه لا يرتقي إلى مستوى الإصلاح الشامل الذي يحتاجه القطاع التربوي. فالقانون منح بعض الامتيازات المالية والإدارية، لكنه لم يطرح حلولًا عملية لتحديات الأبنية، المناهج، وتطوير الكادر. يبقى نجاحه مرتبطًا بمدى جدية التطبيق، وتوفير التمويل، وإرادة سياسية حقيقية لتبني رؤية إصلاحية شاملة تتجاوز الترقيع إلى مشروع وطني مستدام لتطوير التعليم في العراق