تواطؤُ الصَّمْت
قالت: سَلامًا، فارتجفتُ، كأنّني
أولى الحروفِ إذا تلعثمَ حرفُهُ
لم أستطعْ ردّ التحايا مثلها،
فالنبضُ يُعجَزُ حينَ يُخجِلُ عَطفُهُ
قالت: أما تخشى التلاقِي؟ قلتُ: لا،
من خافَ نبضَ المُقلَتينِ تَخَفُّهُ؟
إني وقفتُ أمامَ نوركِ واجمًا،
فالصمتُ يسكنُ حين يُخجِلُ طَرفُهُ
يا أيّها الوجهُ الذي إن لاحَ لي،
تاهتْ خُطايَ، وذابَ عنّي عَرفُهُ
ما بينَنا لُغَةُ العيونِ، وخلفَها
شوقٌ يُخبِّئُ في الملامحِ عزفُهُ
فدعِي التكلّفَ، إنّ قلبي مذْ هوى
ما عادَ يعرفُ غيرَ عشقٍ طَفَّهُ
قالت: أُحبُّكَ؟ قلتُ: بل وكأنّما
نبضي تلاشى، حينَ مسَّكِ دفُّهُ
أدنيتِ وجهَكِ، فانسكبْنَ أناملٌ،
والعطرُ فاضَ، ونبضُ وجدي لَفَّهُ
قالت: أحبُّكَ؟ أم أنا محضُ الرؤى؟
فأجبتُها: بل أنتِ نبضٌ صَفَّهُ
ما كنتُ أعلمُ أنَّ قلبي موئلٌ،
إلّا إذا زفَّ الحنينُ أرَفَّهُ
كانت ليالي القلبِ صحراءَ الشجى،
حتّى أتى ضوءُ العيونِ وشَفَّهُ
هاتي يديكِ، فكلُّ وجدٍ شاهدٌ،
وعلى الجفونِ تهاطلتْ لتَزفّهُ
هاتي يديكِ، فلستُ أُروى غيرَها،
ما دام شوقي في العروقِ أنَفَّهُ
سيري إليَّ، ولا تخافي رعشتي،
فالوجدُ يمسحُ ما تجلّى رجفَهُ
هل تذكرينَ تواطُؤَ النظراتِ؟ إذْ
فيهِ الفؤادُ، وكلُّ نبضٍ كفَّهُ
قالت: أذاكَ النبضُ منّي؟ قلتُ: بل،
كلُّ الشعورِ إذا حضَرتِ يُحفَّهُ
ما كنتُ أملكُ غيرَ صوتكِ حينما،
حتّى انسكبْنَ على القصيدةِ رَفَّهُ
ماذا سنفعلُ إن تلاقى صمتُنا،
والنارُ في خَفَقِ الحنينِ تَلفُّهُ؟
هل ننجو من حيرى اشتياق توجُّعي،
أم تُطفىءُ الأحلامُ حتى حتفُهُ؟
أنا لا أُجمّلُ في هواكِ حقيقتي،
قلبي إذا ما خافَ صَدكِ رَفَّهُ
لكنني أمضي، وعينايَ البُكَا،

والذكرياتُ كأنّ فيها قَطْفَهُ
وإذا افترقنا، لا تقولي: خانني،
يَكفيك كُلّي في هواكِ ونَزفَهُ