تُعدّ لوحة "عازفة الغيتار" (The Guitar Player) واحدة من 37 لوحة فقط معروفة للفنان الهولندي يوهانس فيرمير، الذي اشتهر بتصوير مشاهد الحياة اليومية داخل البيوت بأسلوب واقعي حساس ودقيق.Credit: Historic England
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- إحدى أشهر لوحات يوهانس فيرمير، "عازفة الغيتار" (The Guitar Player)، عُرضت أخيرًا إلى جانب ما تُعرف بلوحتها "التوأم"، في معرض جديد يحمل عنوان: "رؤية مزدوجة: فيرمير" (Double Vision: Vermeer).
افتُتح المعرض في منزل كينوود (Kenwood House) بلندن، الإثنين، حيث تعرض لوحة "عازفة الغيتار" الأصلية التي رسمها فيرمير في العام 1672، بجانب لوحة "سيدة مع غيتار" (Lady with a Guitar) الشبيهة جدًا بها، ما يُعيد إحياء جدل عمره قرن من الزمن، حول هوية الفنان الذي رسم النسخة الثانية.
فقد كانت "سيدة مع غيتار" تُنسب في السابق إلى فيرمير، لكنّ هويّتها ظلّت موضع نقاش طويل بين الباحثين والمؤرّخين.
وأفادت مؤسّسة التراث الإنجليزي (English Heritage)، التي تُدير منزل كينوود، في بيان: "لوحة 'عازفة الغيتار' لفيرمير عمل فني رائع، التقط فيها لحظة واحدة بدقة وجمال. وهي واحدة من 37 لوحة فقط معروفة لفيرمير، الرسام الذي تميّز بتصوير الحياة اليومية داخل البيوت".
وتابع البيان: "منذ عشرينيات القرن الماضي، حيّرت العلاقة بين هاتين اللوحتين العلماء، لكن المعرض لا يقدّم حُكماً نهائيًا، بل يدعو الزوّار إلى مشاهدة براعة أحد أعظم فناني القرن السابع عشر والتفاعل مع هذا السؤال بأنفسهم".
لوحة "سيدة مع غيتار" (Lady with a Guitar)، المُعارة من متحف فيلادلفيا للفنون، لطالما اعتُبرت النسخة الأصلية حتى العام 1927، حين ظهرت نسخة "عازفة الغيتار" الموجودة اليوم في منزل كينوود بلندن.
ونظرًا لأن نسخة كينوود كانت بحالة أفضل بكثير وبدت أكثر أصالة من حيث الأسلوب والمواد، فقد تم اعتمادها سريعًا على أنها النسخة الأصلية التي رسمها فيرمير.
وفي العام 2023، قال آري واليرت، المتخصّص العلمي السابق في متحف الريكز (Rijksmuseum) بأمستردام، خلال ندوة عُقدت هناك، إنه يوجد نسختين من العمل تعودان إلى فيرمير ذاته:
تعتبر لوحة "سيدة مع غيتار" المحفوظة في فيلادلفيا النسخة الأصلية (الصورة التالية)، إلى أن ظهرت نسخة كينوود في العام 1927، ما خالف الاعتقاد السابق، وأعاد فتح النقاش حول العمل الأصلي.Credit: Historic England
- الأولى، اللوحة المعروفة في منزل كينوود،
- والثانية، التركيبة المشابهة الموجودة منذ نحو قرن في متحف فيلادلفيا.
رغم التشابه الكبير بين التركيبين، إلا أن هناك فرقًا أساسيًا بينهما:
اللوحة مماثلة تقريبًا باستثناء فرق أساسي: تسريحة الشعر وغير موقعة. Credit: Philadelphia Museum of Art/Historic England
- تسريحة شعر الفتاة: في لوحة كينوود، تسرّح الفتاة شعرها على شكل خصلات ملتفة (ringlets)،
- بينما في لوحة فيلادلفيا، لا تظهر هذه الخصلات.
كما أن نسخة كينوود تحمل توقيع فيرمير، في حين أن نسخة فيلادلفيا غير موقّعة، مّا يعزّز اعتبار الأولى العمل الأصلي.
يبدو أنّ لوحة فيلادلفيا كانت مملوكة في القرن التاسع عشر ضمن مجموعة كريمر الخاصة في بروكسل. ثم انتقلت لاحقًا إلى المحامي الأمريكي جون جونسون من بنسلفانيا، الذي تُوفي في العام 1917. أما لوحة كينوود، فقد كانت جزءًا من مجموعة إيفي (Iveagh Collection)، التي أوصى بها اللورد إيفي للعرض أمام العموم في العام 1927.
وخلال العامين الماضيين، بدأ فريق من خبراء الترميم والقيّمين ومؤرخي الفن في متحف فيلادلفيا، بالتعاون مع المعرض الوطني للفنون بواشنطن العاصمة، في إعادة تقييم اللوحة الموجودة بفيلادلفيا.
في الوقت ذاته، أُجريت أبحاث جديدة على لوحة كينوود من قبل English Heritage والمعرض الوطني في لندن.
هذه الدراسات لا تزال جارية، ومن المقرر نشر نتائجها في مقال علمي بالمرحلة المقبلة.
لكن بحسب English Heritage، فإن أحد الاكتشافات المهمة حتى الآن تمثّل بوجود اختلافات في الطبقات التأسيسية (أي الطبقة الأولى من الطلاء الموضوعة على القماش)، ما قد يُسهم بتحديد أصالة كل عمل.
تُظهر الأبحاث التقنية الحديثة فروقًا دقيقة لكن مهمة بين لوحتي كينوود وفيلادلفيا، الأمر الذي يُعمّق الجدل حول أصالة كلٍّ منهما:
- لوحة كينوود أُعدّت باستخدام طبقة تأسيسية رمادية-بنية فاتحة واحدة،
- في حين أن لوحة فيلادلفيا بُنيت على طبقة تأسيسية داكنة بنية اللون.
كما أن تحليل الأصباغ كشف أن لوحة كينوود استخدمت صبغة ألترا مارين (ultramarine)، وهي صبغة زرقاء نادرة وغالية الثمن آنذاك، بينما اعتمدت لوحة فيلادلفيا على الإنديغو (indigo)، وهو بديل أرخص ثمنًا.
خبير فيرمير يشكك في أصالة لوحة فيلادلفيا
قال غريغور ويبر، الرئيس السابق لقسم الفنون الجميلة في متحف ريكز بأمستردام والمتخصص في أعمال فيرمير: "أنا متشوّق لمعرفة المزيد من هذه النتائج. ومن دون هذه المعلومات، تبدو لوحة فيلادلفيا وكأنها نسخة مبكرة من النسخة الأصلية في كينوود".
وأشار إلى أن تسريحة الشعر في لوحة فيلادلفيا تبدو "مُحدّثة" بما يتماشى مع الموضة التي ظهرت حوالي العام 1680، ويمكن ملاحظة نمطها في أعمال رسامين أمثال يان فيركولييه في دلفت، ونيكولايس ماس بأمستردام، ما يرجّح، وفق رأيه، أن اللوحة مجرد نسخة لاحقة وليست أصلية.
نظرة متحفية متوازنة
من جانبها، قالت جينيفر تومسون، قيّمة لوحات النحت والرسم الأوروبي في متحف فيلادلفيا، والمشرفة على مجموعة جون جونسون، إنّ "معرض ’رؤية مزدوجة‘ يمنحنا فرصة مثيرة لرؤية اللوحتين جنبًا إلى جنب، والتأمل في ما يمكن أن تقدمه لنا العلوم والتذوق الفني من فهم أعمق لأعمال فيرمير وتقنيات الرسم في القرن السابع عشر".