نبي الرحمة
في ذكرى ميلاد سيد العالمين، والبشرية تحتفل، الأمة الإسلامية بمولد رسول الأمة محمد بن عبد الله (ص)، الذي بعثه الله خاتماً لرُسله. فكانت رسالته الإسلام خاتمة الرسالات السماوية، وقد سَطَّر من خلالها تاريخاً جديداً مشرقاً للبشرية، تهتدي به الخلق. قال عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: الآية 144].
حين نتأمل حياة النبي محمد (ص)، ندرك أن الرحمة ليست فكرة تتداول في الكتب، بل قلب ينبض بالحب والسكينة لكل الكائنات. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: الآية 107]، ليست مجرد آية نتلوها، بل نغمة حياة، وكل موقف له صدى في أعماق النفوس.
• عفوه عن أهل مكة.. عند فتح مكة، عفا النبي (ص) عن أهل مكة الذين عارضوه وأساءوا إليه، بل قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». هذا العفو أعطى مثالاً قويًا عن الرحمة والتسامح، وهذا ليس ضعفًا، بل صلابة أخلاقية تتجاوز الزمن، تجعل القلب الكبير يختار الصفح واللين على الحقد والانتقام.
• قصة المرأة التي كانت تؤذيه.. كانت هناك امرأة مسنّة تعيش في مكة وتؤذي النبي (ص) بإلقاء القمامة أمام بيته كل يوم. ذات يوم، لم يجد القمامة، فسأل عنها النبي (ص). وعندما علم بأنها مريضة، زارها في بيتها ليطمئن عليها، مما أدهشها وأحدث تغييرًا في قلبها.

• اهتمامه باليتامى والمحتاجين.. كان النبي (ص) يعتني باليتامى والمحتاجين، ويحث أصحابه على فعل الخير. كان يقول: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين»، ويشير بإصبعيه.
• التسامح مع الأعداء.. عندما تعرض النبي (ص) للأذى من بعض القبائل، كان يرد عليهم بالرحمة ويدعوهم للإسلام بدلاً من الانتقام. هذا يظهر كيف أن التسامح يمكن أن يكون أداة فعالة للدعوة.
• قصته مع زيد بن حارثة، الذي كان عبدًا في بداية الأمر، أصبح محبوبًا للنبي (ص). عندما أُطلق سراحه، تبناه النبي وأعطاه مكانة عالية في المجتمع، مما يعكس تسامحه وفتح قلبه للآخرين.
هذه بعض القصص كيف أن النبي (ص) كان رمزًا للتسامح والرحمة، مما جعل منه قدوة يُحتذى بها في التعامل مع الآخرين.
وتسامحه مع ألد أعدائه بفضل قلب يتسع لكل البشر، وقيم تسمو فوق الغضب، تعلمنا أن التسامح الحقيقي ليس تنازلاً عن الحق، بل قوة في الروح، واستراتيجية حياة.
أما الأمانة والصدق، فهما النور الذي يهدي العقول قبل القلوب. منذ صغره، عليه الصلاة والسلام، كان يُعرَف بالصادق الأمين، فلا سر يُخشى عليه، ولا وعد يُنقض. هذه القيم ليست أخلاقًا فقط، بل قواعد للحياة، جسر بين النفوس والأمل، وطمأنينة تملأ كل من حوله.
ونجد في نهجه الدفاعي حكمة من يعرف قيمة السلام قبل الحرب: غزوة أحد مثال حي، لم يسع للعدوان، بل دافع عن الحق، وصبر أمام الأذى، ليعلمنا أن القوة ليست في اليد، بل في الحق، والرحمة، والوعي بأن كل خطوة نحو العدل تصنع أثرًا خالداً.
محبة النبي (ص)، إذا فهمناها بعمق، ليست مجرد شعور، بل نهج للحياة: الصفح، التسامح، الصدق، الرحمة، هي ضوء يملأ القلوب بالسكينة، ويعلمنا أن المحبة الحقيقية تبدأ من فهم أن الله من خلاله أرسل للبشر رحمة وسلامًا لكل زمان ومكان.