لكي تعتاد على القراءة
لأن القراءة فعل غير عادي وله نتائج كبيرة على القارئ، فإنه بحاجة إلى جهد استثنائي من أجل اعتياده وجعله أمرًا ثابتًا في حياتنا اليومية. وحتى نعتاد على القراءة وحمل الكتاب في أي مكان نذهب إليه فلا ضير أن نبدأ بخطوات بسيطة يمكن بمرور الوقت أن تتحول إلى كبيرة، أو تتراكم بمرور الوقت لكي تصبح كبيرة جدًّا.
ومن الأفكار التي يمكن أن تساعد على اعتياد القراءة أن نختار بأنفسنا الكتب التي نحب. فبعد اختيار المجال الذي نحب، نختار الغلاف المناسب والذي يستهوينا؛ فكلما كان الغلاف أجمل بالنسبة إلى القارئ المبتدئ أو المتردد كان أكثر انجذابًا إلى الكتاب والتصاقًا به، وهو ما قد يكون أجدر بقراءته.
وتتنوع أذواق القراء حتى في نوعية ورق الطباعة وملمسها، وحتى في كونها ملونة أو غير ملونة. لا يهمنك من يقول إن المهم هو مضمون الكتاب، فهذا الكلام ينطبق على من اعتاد القراءة لسنوات أو من وصل إلى مستوى لياقة القراءة. أما من يجد نفسه مترددًا في الإمساك بكتاب فعليه أن يساير نفسه في نوعيات وأشكال الكتب حتى يصل إلى هذا المستوى. وهذا الأمر ينطبق حتى على الأمور الأخرى في الحياة حين يختار أحدنا الأطباق والأواني الجميلة ولا يكتفي بجودة الطعام.
أما عن نوعيات الكتب فهي أيضًا في هذه المرحلة تخضع لأذواق القراء وميولهم، حيث يمكنهم الاختيار ما بين الكتب الثقافية والفكرية والتاريخية والعلمية والروايات، أو يمكن العكوف مدة من الزمن على القصص القصيرة أو حتى القصص القصيرة جدًّا حتى يتمكن من اجتياز المرحلة الابتدائية في مشواره القرائي. أعرف قراء قضوا عقودًا في القراءة تمر عليهم مراحل إرهاق قرائي يقرؤون فيها قصص أطفال أو حتى قصص ما تسمى «المانجا» التي تعتمد على الصور، فكيف بالمبتدئ والمتردد؟ فالقراءة فعل فردي يعتمد على ذوق القارئ، فكما يأكل الإنسان ما يحبه هو لا ما يحبه الآخرون، فكذلك القارئ يختار ما يريد قراءته بعيدًا عما يقوله الناس، فحتى لو أجمعوا على حب كتاب أو كتب معينة، فلا يهمنك ذلك وانطلق في القراءة بالكتاب الذي تحب وستجد نفسك مع الوقت تهوى القراءة وتعتادها، وبمرور الوقت سوف تصبح جزءًا لا يتجزأ من برنامجك اليومي، حينها فقط يمكنك أن تختار مجالًا محددًا وتتخصص فيه وتقرأ كتبًا معمقة حوله.
ابدأ بدقائق معدودة بكتاب تحبه ذي غلاف جميل وأوراق جذابة ورائحة فيه تحبها، وسوف تزداد هذه الدقائق شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى مستوى مُرضٍ لك ما تلبث أن تلحظ آثاره على نفسك وفكرك وحتى جسمك وصحتك وطبيعة نومك، شرط أن تستمر في مشوارك. وسترى حين تصل إلى مرحلة متقدمة كيف سيشعر الآخرون بأثر ذلك عليك، ثم لن تستطيع بعدها الإفلات من قبضة القراءة التي قد تتجاوز مستوى الاعتياد لتصل إلى مرحلة الإدمان الصحي، وهو بدوره ما قد يتحول إلى عدوى إيجابية على محيطك الأسري والعملي والاجتماعي.