أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، اعتراف المملكة المتحدة بدولة فلسطين، في خطوة أثارت جدلاً بين مؤيد ومعارض حول دول العالم.
خطوة المملكة المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية جاءت بعد نحو 75 عاماً من إعلان اعترافها بإسرائيل.
ولم تكن المملكة المتحدة الدولة الوحيدة التي اتخذت قرارها بالاعتراف بدولة فلسطين، الأحد، عشية مؤتمر حل الدوليتن المزمع أن يُعقد الأثنين في نيويورك، إذ أعلنت كل من كندا وأستراليا والبرتغال أيضاً اعترافها رسمياً بدولة فلسطين، ومن المتوقع أن تحذو فرنسا حذو هذه الدول.
وفي بيان مصور عبر منصة إكس، قال ستارمر إنه "في مواجهة الرعب المتزايد في الشرق الأوسط، نعمل على إبقاء إمكانية السلام وحل الدولتين قائمة".
وأثار هذا القرار انتقادات شديدة من الحكومة الإسرائيلية، وعائلات الرهائن المحتجزين في غزة، وقيادة حزب المحافظين في المملكة المتحدة.وأوضح نائب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لامي الذي سيمثل المملكة المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن "الاعتراف بدولة فلسطينية هو نتيجة التوسع الخطير الذي نشهده في الضفة الغربية والنية والمؤشرات التي نلمسها مثل بناء المشروع (إي1) الذي سيقوض بصورة خطيرة فرص حل الدولتين"، وفق ما نقلته وسائل إعلام.
وتابع "كنّا واضحين للغاية: حماس منظمة إرهابية ولا يمكن أن يكون هناك أي دور لحماس التي يجب أن تطلق سراح الرهائن الإسرائيليين"، وفق قوله.
ويقضي المشروع الاستيطاني في المنطقة المعروفة باسم "إي 1" ببناء 3400 وحدة سكنية، ونددت به الأمم المتحدة، إذ قد يؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين.
وأضاف لامي "علينا أن نُبقي على إمكانية حل الدولتين المهدد حالياً، ليس بفعل (الحرب) في غزة فحسب، بل كذلك مع أعمال العنف وتوسُّع الاستيطان" في الضفة الغربية.
وتعترف نحو 75 في المئة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة، بدولة فلسطين التي أعلنتها "منظمة التحرير الفلسطينية" عام 1988 - لكن ليس لهذه الدولة حدود أو عاصمة أو جيش متفق عليه دولياً، مما يجعل الاعتراف رمزياً إلى حد كبير.
وبسبب الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، لا تسيطر السلطة الفلسطينية، التي أُنشئت في أعقاب اتفاقيات السلام في التسعينيات، سيطرة كاملة على أراضيها، ففي غزة التي تحكمها حركة حماس منذ عام 2007، وتشهد حرباً مدمرة منذ نحو عامين، فإن جيش إسرائيل موجود أيضاً داخل القطاع.
من جانبه عرض رئيس الوزراء مارك كارني، في إعلانه عن اعتراف كندا بدولة فلسطين، الأحد، "الشراكة في بناء مستقبل سلمي" لكل من فلسطين وإسرائيل، بينما قال وزير الخارجية الأسترالي، أنتوني ألبانيز، إن ذلك "جزء من جهد منسق لبناء زخم جديد لحل الدولتين".
ووصف وزير خارجية البرتغال، باولو رانجيل، حل الدولتين بأنه "السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم".
وصرّح ستارمر قبل أشهر بأن بلاده ستعترف بدولة فلسطين ما لم تتخذ إسرائيل "خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروع في غزة، والموافقة على وقف إطلاق النار، والالتزام بسلام طويل الأمد ومستدام، وإحياء آفاق حل الدولتين".
وتعثرت جهود تأمين وقف إطلاق النار في غزة، ناهيك عن حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما أثارت إسرائيل غضباً دولياً عندما نفّذت مؤخراً غارة جوية على فريق تفاوضي من حماس في قطر.



"الدولة لن تقوم"

وردّاً على ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو "لن تقوم دولة فلسطينية"، وإن الرد الإسرائيلي سيكون بعد عودته من زيارته إلى الولايات المتحدة المتوقعة هذا الأسبوع.
وصرّح نتنياهو الأحد بأنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، وذلك في رسالة مصورة وجّهها إلى قادة بريطانيا وأستراليا وكندا، بعدما تعهّد في وقت سابق بخوض مواجهة في الأمم المتحدة، معتبراً أن إقامة دولة فلسطينية "يهدد وجود إسرائيل".
وأضاف نتنياهو أنه على "مدى سنوات منعتُ قيام هذه الدولة الإرهابية على الرغم من ضغوط هائلة، سواء داخل البلاد أو على المستوى الدولي"، مؤكداً: "ضاعفنا عدد المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة (الاسم الإسرائيلي للضفة الغربية) وسنستمر في هذا المسار".
واعتبر الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوغ، أن اعتراف دول غربية بدولة فلسطين هو "يوم حزين لمن يسعون إلى سلام حقيقي"، معتبراً أن "هذا الأمر لن يساعد أي فلسطيني، ولن يحرر أي رهينة، وهذا الأمر لن يساعدنا في التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين".



من جانبه، دعا وزير الأمن القومي اليميني، إيتمار بن غفير، إلى "اتخاذ خطوات فورية مضادة (تتمثل) بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة" على الضفة الغربية وتفكيك السلطة الفلسطينية - وقال "أعتزم تقديم مقترح لفرض السيادة في جلسة الحكومة المقبلة".
كما ندّدت الخارجية الإسرائيلية بالاعتراف "الأحادي"، وقالت في بيان "ترفض إسرائيل بشكل قاطع الإعلان الأحادي عن الاعتراف بدولة فلسطينية من قبل المملكة المتحدة وبعض الدول الأخرى... هذا الإعلان لا يعزز السلام، بل على العكس، يزعزع استقرار المنطقة بشكل إضافي ويقوّض فرص التوصل إلى حل سلمي في المستقبل".
وقال آدم معنيت لبي بي سي، قريب تساحي عيدان الذي قُتل في غزة، وكان ضمن الجثث التي سلّمتها حماس في فبراير/شباط 2025، في عملية تبادل: "بدلاً من استخدام نفوذ بريطانيا لإجبار حماس على إطلاق سراح الرهائن الـ 48، فإنها تكافئ حماس بما يطلقون عليه بالضبط ثمار السابع من أكتوبر".

"انتصار للحق الفلسطيني"

رحّب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بهذه الخطوة بقوله إنها "هامة وضرورية على طريق تحقيق السلام العادل والدائم وفق قرارات الشرعية الدولية".
كما قال إن الأولوية اليوم، هي وقف إطلاق النار في حرب غزة وإدخال المساعدات إلى القطاع، و"إطلاق سراح جميع الرهائن والأسرى، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وتولي دولة فلسطين مسؤولياتها كاملة، والذهاب إلى التعافي وإعادة الإعمار، ووقف الاستيطان وإرهاب المستوطنين"، وفق قوله.
أما حركة حماس فوصفت الاعتراف الغربي بدولة فلسطينية بأنه "انتصار للحق الفلسطيني".
وقالت الحركة في بيان لها: "هذا الاعتراف خطوة مهمة في تأكيد حق شعبنا الفلسطيني في أرضه ومقدساته، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس".



وأضافت أن هذه الخطوة "يجب أن تكون مصحوبة بتدابير عملية" من شأنها أن تؤدي إلى "نهاية فورية" للحرب في غزة و"مواجهة" خطط الاستيطان في الضفة الغربية. كما دعت المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى "وقف كل أشكال التعاون والتنسيق" مع إسرائيل.
ونقلت فرانس برس عن القيادي في حماس، محمود مرداوي، قوله إن هذه "التطورات تمثل انتصاراً للحق الفلسطيني وعدالة قضيتنا، ورسالة واضحة بأن الاحتلال مهما تمادى في جرائمه فلن يتمكن من طمس حقوقنا الوطنية".
وصرّح حسام زملط، ممثل السلطة الفلسطينية في المملكة المتحدة، لبي بي سي بأن الاعتراف "حق غير قابل للتصرف" ويعني "إنهاء إنكار وجودنا" وأن "على الشعب البريطاني أن يحتفل اليوم، في الوقت الذي يُصحح فيه التاريخ".
وقال إن "السؤال ليس لماذا تعترف المملكة المتحدة بدولة فلسطين؟ بل السؤال هو لماذا لم تعترف المملكة المتحدة بدولة فلسطين طوال الوقت؟".
"سنندم جميعاً على هذا القرار"
وانضمت زعيمة حزب المحافظين، كيمي بادينوخ، إلى نظرائها في حزب المحافظين في انتقاد قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية، ووصفته بأنه "كارثي للغاية".
وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، كتبت بادينوخ "سنندم جميعاً على اليوم الذي اتُّخذ فيه هذا القرار. إن هذا مكافأة للإرهاب دون وضع أي شروط تُذكر لحماس".
واعتبرت أن الاعتراف بدولة فلسطين "يترك الرهائن يقبعون في غزة، ولا يفعل شيئاً لوقف معاناة الأبرياء العالقين في هذه الحرب"، وفق وجهة نظرها.

  • ما هو "إعلان نيويورك" الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟


واتهمت وزيرة الخارجية في حكومة الظل، بريتي باتيل، رئيس الوزراء بـ"الاستسلام للفصائل اليسارية المتشددة في حزبه".
من جانبه أعلن زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، السير إد ديفي، ترحيبه بالقرار، وقال إنه "كان مستحقاً منذ زمن طويل".
ووفق استطلاع نُشر الجمعة، أعرب 44 في المئة من البريطانيين عن تأييدهم اعتراف بلادهم بدولة فلسطين.

صدر الصورة، PA Media
كما رحّبت دول عربية من بينها الأردن والسعودية بالاعتراف بدولة فلسطينية، بينما وصفت الولايات المتحدة خطوة حلفائها بأنها "استعراضية".
ويجتمع زعماء العالم في نيويورك بدءاً من الاثنين، لدعم مبادرة حل الدولتين، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكدا على أهمية مؤتمر "حل الدولتين" المزمع عقده في نيويورك، باعتباره خطوة محورية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
آمال ومخاوف
لقي اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية ترحيباً في مدينة القدس، حيث اعتبره مواطنون خطوة إيجابية رغم تأخرها، لكنها تثير في الوقت نفسه تساؤلات حول انعكاساتها على أرض الواقع.
ويقول غسان، أحد سكان القدس لبي بي سي، إن الاعتراف يمثل "خطوة هامة تمزج بين الأمل والسؤال"، موضحاً أن أهمية القرار تكمن في بُعده التاريخي ضمن مسار القضية الفلسطينية، رغم غياب الوضوح بشأن نتائجه العملية.
فيما أشار المواطن، أحمد منى، إلى أن الاعتراف يكتسب قيمة كبيرة على المستوى الدولي، لكنه شدد على ضرورة أن يُترجم إلى خطوات ملموسة تعزز إقامة الدولة الفلسطينية، بدلاً من أن يبقى "حبراً على ورق"، خاصة في ظل ما يجري ميدانياً من ممارسات تناقض مسار الدولة.
وفي غزة رصدت بي بي سي ردود الفعل، حيث وجده أحد الفلسطينيين في القطاع قراراً متأخراً جداً "ولن يكفّر عن سيئات المملكة المتحدة تجاه الشعب الفلسطيني... وما قامت به في وعد بلفور...". وقالت مواطنة فلسطينية إن اتخاذ بريطانيا في هذا التوقيت الاعتراف بدولة فلسطينية هو "خطوة إيجابية جداً وترفع معنويات الناس المنهارة...".

مصدر الخبر :
https://www.bbc.com/arabic/articles/cn5qqnv3d7wo