الانتخابات واختيار الرجل المناسب في المكان غير المناسب
في الدول التي تسعى إلى النهوض، تُعتبر الانتخابات وسيلة
لاختيار الرجل المناسب في المكان المناسب،
إذ يكون الهدف الأسمى هو خدمة الوطن والمواطن.
فالكفاءة والنزاهة هما المعياران الأساسيان في اختيار المرشحين،
والولاء الأول يكون للوطن لا للحزب أو الطائفة أو المصالح الشخصية.
لكن في العراق، انقلبت المعادلة رأساً على عقب. فبدل أن يكون الانتخاب
طريقًا للإصلاح، أصبح وسيلة لإعادة إنتاج الفساد بأشكال جديدة.
فحتى عندما يظهر مرشح نزيه يحمل نية صادقة ورغبة حقيقية في التغيير،
يجد نفسه تابعًا لحزب فاسد يتحكم بقراراته ويوجه مساره، فيتحول
إلى جزء من منظومة الفساد التي جاء لمحاربتها.
النزاهة الفردية لا تصمد طويلاً أمام شبكة الفساد الحزبي المتجذر
في مؤسسات الدولة. فالحزب هو من يفرض الأوامر، وهو من يحدد
من يُعيَّن، ومن يُقصى، ومن يُكافأ، ومن يُعاقَب.
وهكذا يصبح النزيه أسيرًا للنظام الفاسد، ويضطر إما إلى الصمت
أو إلى التماهي مع بيئة الفساد ليحافظ على موقعه.
وهنا تكمن المأساة العراقية: لا أزمة في الأشخاص، بل في
المنظومة السياسية التي تحوّل حتى المصلحين إلى أدوات ضمن آلة فاسدة.
فحين يُختزل الولاء للوطن بالولاء للحزب، ويُستبدل معيار الكفاءة بمعيار التبعية،
تصبح الانتخابات مجرد طقس شكلي لإعادة إنتاج نفس الوجوه والأفكار.
ولذلك، لا يكفي أن ننتخب نزيهًا أو مثقفًا أو مستقلاً؛ بل يجب
أن نعمل على تفكيك النظام الحزبي الفاسد الذي يُفسد كل ما يلمسه.
فالإصلاح لا يبدأ من الصناديق، بل من إعادة بناء الوعي الشعبي،
ووضع قوانين تضمن استقلال القرار السياسي عن سطوة الأحزاب.
حتى ذلك الحين، سيبقى في العراق
“الرجل المناسب” مجرد حلم، و”المكان المناسب” مجرد وهم،
لأن الطريق إلى الإصلاح يمر عبر تحرير السياسة
من قبضة الفساد قبل الحديث عن اختيار الأشخاص
رأي شخصي






رد مع اقتباس