حادثة إعدام التجّار العراقيين – 25 تموز 1992
في فجرٍ خانقٍ من صيف بغداد عام 1992، جرت واحدة من أكثر الحوادث غموضًا وقسوةً في تاريخ العراق الحديث — حادثة إعدام التجّار.
في ذلك اليوم، تم استدعاء 46 تاجرًا من مختلف الأسواق والمحافظات.
كان من بينهم أبناء وأباء، إخوة وأصدقاء، أصحاب محال ومعهم عمالهم.
البلاغ الرسمي دعاهم إلى اجتماعٍ عاجلٍ مع وزير التجارة،
لكن الطريق الذي سلكوه لم يكن إلى قاعة الاجتماعات… بل إلى قاعة المحاكمة الخاصة.
في اليوم ذاته، 25 تموز 1992،
بدأت فصول المحاكمة وانتهت خلال ساعاتٍ قليلة:
• صدر قرار مجلس قيادة الثورة صباحًا.
• تمّت إحالة المتهمين للمحكمة في اليوم نفسه.
• شُكّلت المحكمة الخاصة بالسرعة نفسها.
• صدر الحكم في الليلة ذاتها.
• ونُفّذ الإعدام فجر اليوم التالي، دون استئناف، ودون أن يُسمح لأحدٍ بالدفاع الحقيقي عن نفسه.
المفارقة المؤلمة أن المحكمة لم تُصدر أحكامها في حضور المتهمين،
بل جاء القرار في اليوم التالي مكتوبًا بخط اليد — لا مطبوعًا، لا مختومًا —
يقضي بإعدام اثنين وأربعين تاجرًا،
فيما سُمح لأربعة فقط بالنجاة،
دون أن يُعرف حتى اليوم ما الذي ميّزهم عن غيرهم،
ولا ما كانت التهمة الحقيقية التي أودت بحياة زملائهم.
عُيّن محامٍ شكلي للدفاع عنهم،
لكن لا دفاع نُظر فيه، ولا عدل أتيح له أن يُسمع صوته.
ففي ليلةٍ واحدة، أُغلقت كل أبواب العدالة،
وارتفعت المشانق على عجلٍ كما لو كان القانون نفسه قد أُعدم معهم.
تلك المحاكمة، في مجراها وزمنها وأسلوبها،
تُعدّ واحدة من أسرع وأغرب محاكمات التاريخ العراقي:
قرار، وإحالة، وتشكيل، وحكم، وتنفيذ —
كلها في يومٍ واحد،
وفي فجر اليوم التالي، كانت الحياة قد أُطفئت في اثنين وأربعين بيتًا.
ولا تزال التفاصيل الحقيقية — والدوافع الخفية — طيّ الكتمان،
يُروى بعضها على ألسنة الشهود والمقرّبين،
وتُكتب أخرى في الهامش،
بين الخوف والدهشة والدمعة التي لم تجف منذ ذلك اليوم.
![]()






رد مع اقتباس