يبحث الشباب عن "القابلية للتواصل" والتمثيل الأصيل في القصص التي يشاهدونها وعن شخصيات تشبههم (شترستوك)

كشفت دراسة جديدة أجراها مركز العلماء ورواة القصص في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) أن أبناء الجيل "زد" – من 10 إلى 24 عاما- لم يعودوا ينجذبون إلى المشاهد الجنسية الصريحة أو القصص الرومانسية المبالغ فيها، بل يفضلون القصص الواقعية والصداقات والرسوم المتحركة التي تعبّر عن تجارب حياتية قريبة منهم.
التقرير الصادر بعنوان "كن واقعيا: القابلية للتواصل عند الطلب" (Get Real: Relatability on Demand)، المنشور في أكتوبر/تشرين الأول 2025، تناوله بالتفصيل موقعا "فاراييتي" و"يورونيوز"، واستند إلى استطلاع شمل 1500 شاب وشابة في الولايات المتحدة أُجري بين 13 و25 أغسطس/آب الماضي.

ملامح ذائقة جديدة

بحسب "فاراييتي"، شملت العينة مشاركين متنوعين من حيث العرق والجنس والميول والوضع الاقتصادي، ما جعل النتائج معبّرة بدقة عن التكوين الحقيقي للجيل "زد" في الولايات المتحدة.
ويُظهر التقرير أن الشباب يبحثون عن "القابلية للتواصل" والتمثيل الأصيل في القصص التي يشاهدونها، أي عن شخصيات تشبههم وتجارب تشعرهم بأنهم مرئيون على الشاشة.



الجيل "زد" يعيد تعريف الترفيه من خلال البحث عن محتوى أصيل وشخصيات واقعية وصداقات صادقة (شترستوك)

الصداقات قبل الرومانسية

نتائج الدراسة أوضحت أن 59.7% من المشاركين يرغبون في "رؤية مزيد من المحتوى الذي تكون فيه العلاقات المركزية صداقات"، بينما عبّر 54.1% عن رغبتهم في مشاهدة "شخصيات غير مهتمة بالعلاقات الرومانسية في الوقت الحالي".
كما أبدى 54.9% رغبتهم في رؤية مزيد من "الصداقات بين الجنسين المختلفين"، في حين قال 49% إنهم يفضلون رؤية "الصداقات بين الجنس الواحد"، مع تفضيل واضح لعرض "حلول صحية للنزاعات" ضمن تلك العلاقات.
ووفق ما نقلت "يورونيوز" عن باحثي جامعة كاليفورنيا، أُطلق على هذا الاتجاه اسم "نومانس" (Nomance) -أي رفض الرومانسية- وهو ما يتسق مع دراسات أخرى أظهرت انخفاض النشاط الجنسي لدى الجيل "زد".
الرسوم المتحركة تتقدم المشهد
في مفارقة قد تفاجئ صنّاع المحتوى، قالت "فاراييتي" إن نسبة المراهقين الذين يفضلون المحتوى المتحرك (الرسوم المتحركة) على التمثيل الواقعي ارتفعت من 42% العام الماضي إلى 48.5% هذا العام.
وليس هذا الميل حكرا على الأصغر سنا؛ إذ إن نحو 48% من الفئة العمرية بين 19 و24 عاما اختاروا الرسوم المتحركة أيضا.
وعند سؤالهم عن النشاط الذي يودون القيام به مع الأصدقاء، تصدّر "الذهاب لمشاهدة فيلم جديد في السينما" القائمة للعام الثاني على التوالي، لو لم تكن التكلفة عائقا.



نسبة المراهقين الذين يفضلون المحتوى المتحرك على التمثيل الواقعي ارتفعت إلى 48.5% (أسوشيتد برس)

تراجع الاهتمام بالجنس والرومانسية

وأفادت الدراسة بأن 48.4% من الشباب يرون أن "الأفلام والبرامج الحديثة تحتوي على قدر مفرط من المحتوى الجنسي". كما جاءت الرومانسية في المرتبة الثالثة من أسفل قائمة المواضيع التي يريد الشباب مشاهدتها على الشاشة.
وأشار التقرير إلى أن العلاقات السامة ومثلثات الحب تُعد من أكثر الأنماط "مللا أو غير مثيرة للاهتمام" بالنسبة لهؤلاء المشاهدين.
هذا التحول يتسق مع دراسات أخرى استشهدت بها "يورونيوز"؛ كدراسة لمركز السيطرة على الأمراض عام 2021 أظهرت أن 30% فقط من المراهقين الأميركيين مارسوا الجنس، مقارنة بـ38% في 2019 وأكثر من 50% في العقود السابقة.
كما أشار تحليل لمجلة "ذي إيكونوميست" إلى أن المحتوى الجنسي في أفلام هوليود انخفض بنسبة 40% منذ مطلع الألفية، وأن نصف الأفلام تقريبا تخلو من أي مشاهد جنسية.

الشاشة لا تزال تجمعهم

ورغم تغيّر نوع القصص المفضلة، تُظهر بيانات "فاراييتي" أن الجيل "زد" لا يزال شغوفا بالتجربة السينمائية الجماعية.
فقد قال 57% من المشاركين إنهم يشاهدون الوسائط التقليدية (الأفلام والبرامج التلفزيونية) أكثر مما يظن الجيل الأكبر سنا، لكنهم يفعلون ذلك بطريقة مختلفة: إذ يشاهد 80% منهم المحتوى عبر "يوتيوب" أو "تيك توك" بدلا من التلفزيون أو قاعات السينما.
كما أكد 53% من المشاركين أنهم يناقشون الأفلام والبرامج أكثر من المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي.



مسلسل "أشياء غريبة" (Stranger Things) يعد أحد الأعمال الفنية المفضلة لأبناء الجيل "زد" (آي إم دي بي)

من "سبايدرمان" إلى "سبونج بوب"

عندما سُئل المشاركون عن أعمالهم المفضلة، تصدرت القائمة، "أشياء غريبة" (Stranger Things) و"وينزداي" (Wednesday) و"سبونج بوب سكويربانتس" (Spongebob Squarepants) و"سبايدرمان" (Spider Man).
وأشارت "فاراييتي" إلى أن هذه الأعمال -رغم اختلاف أنواعها- تشترك في محور أساسي يتمثل في الصداقات، والتجارب الجماعية، والهوية، وهي عناصر يجد فيها الجيل "زد" نفسه أكثر من القصص الرومانسية أو العاطفية المبالغ فيها.
ويرى تقرير "يورونيوز" أن هذا التوجه لا يعني رفض السينما أو التلفزيون، بل يمثل إعادة تعريف للمتعة البصرية لدى جيل نشأ في بيئة رقمية مشبعة بالمحتوى، ويبحث اليوم عن الصدق والواقعية بدل المبالغة والإغراء.
وتؤكد "فاراييتي" أن الشباب لا يزالون "يريدون الذهاب إلى السينما، والتحدث عمّا شاهدوه مع أصدقائهم، لكنهم ببساطة يريدون محتوى يعكس حياتهم ويعبّر عن قيمهم".

ماذا بعد صدور نتائج الدراسة؟

توازيا مع صدور التقرير، أعلن مركز العلماء ورواة القصص في جامعة كاليفورنيا عن قمة "المراهقون والشاشات" التي ستُعقد في لوس أنجلوس لتوسيع النقاش حول علاقة الشباب بالشاشة، حيث سيُكرم المنتج والمخرج غريغ برلانتي بجائزة التأثير الاجتماعي الأولى.
على مدى عقود، كانت هوليود تراهن على القصص المليئة بالإغراء والعلاقات الساخنة لاستمالة المراهقين. لكن يبدو أن الجيل "زد" اليوم يقلب المعادلة، إذ لا يرفض الترفيه، بل يعيد تعريفه: فيبحث عن محتوى أصيل، وشخصيات واقعية، وصداقات صادقة تعكس قيمه اليومية.