ما زِلْنا واقِفِينَ عِندَ حافَّةِ الزَّمَن، جامِدِينَ كأنَّ الصَّقِيعَ قَدْ نَبَتَ فِي أرواحِنَا، وفي أعماقِ كُلٍّ مِـنَّا أَحلامٌ أوسَعُ مِنِ اتِّساعِ السَّماء، تَرْفُرِفُ بِلَا أجنِحَة، وتُحَدِّقُ بِنَا كَما نُحَدِّقُ نَحنُ فِي أيَّامٍ تَمضِي سَاخِرَةً مِن ذلِكَ اللَّهيبِ الـمُتَّقِدِ فِي صُدُورِنَا.
نَرجُو الرَّبِيعَ أَنْ يُزهِر... َكَيْفَ لَهُ أَنْ يُورِقَ إِنْ لَمْ نَحرُثْ أرواحَنَا؟
وأنَّى لَهُ أَنْ يُثمِرَ إِنْ لَمْ نَسقِهِ بِعَرَقِ النَّوايَا وَعُنفُوانِ الحَيَاة؟
فالزُّهورُ لا تَنمُو عَلَى أرضٍ لَمْ تَعرِفِ الحُبَّ، كَمَا لَا يُولَدُ الفَجرُ فِي قَلبٍ لَمْ يَذْرِفِ الدُّمُوعَ شَوقًا.
تَعَاقَبَتِ الفُصُولُ عَلَينَا، خريف بَعدَ شِتَاء وربيع ياني، وَنَحنُ كَمَا نَحنُ؛ نُخَبِّئُ خَيباتِنَا خَلفَ سَتَائِرِ الكَلِمَاتِ الجَمِيلَة: "حُبّ"، "وَفاء"، "أمَل"...
وَلَكِنْ، مَاذَا تُجْدِي الكَلِمَات؟ وَمَا نَفعُ الحُبِّ إِنْ بَقِيَ حَبِيسًا خَلفَ قُضبَانِ الخَوف؟
إِنْ كُنتَ لَا تَملِكُ الجُرأَةَ لِتُذِيبَ جَلِيدَكَ...
إِنْ لَمْ تَسعَ لِتُطلِقَ سَرَاحَ رُوحِكَ كَي تَحَلِّقَ فِي سَمَاوَاتِ العِشقِ بِلَا قَيد...
فَلَيسَ لَكَ مَكَانٌ بَينَ حُرُوفِ الحُبِّ.
فَالحُبُّ لَا يَزُورُ القُلُوبَ الـمُرتَعِشَة، وَلَا يُقِيمُ فِي أَعشَاشِ الوَهم.
لَو كَانَ فِينَا حُبٌّ صَادِق، لَمَا تَجَمَّدنَا،
وَلَمَا تَوَقَّفَ الزَّمَنُ بَينَ ضُلُوعِنَا كَسَاعَةٍ كُسِرَ نَبضُهَا.
الحُبُّ، كالحَيَاةِ، كَنَهرٍ هَادِر...
لَا يَعرِفُ السُّكُونَ، وَلَا يَقبَلُ أَنْ يُسجَنَ فِي قَالِبٍ مِن ثَلج.
وَإِنْ تَجَمَّدَ، صَارَ تِمثَالًا... جَمِيلَ المَلامِحِ، بَارِدَ الشُّعُور.
فَلنَنظُرْ فِي المَرَايَا، لَا لِنَعُدَّ التَّجَاعِيد، بَلْ لِنَفتِّشَ عَن تِلكَ الشَّرَارَةِ الَّتِي خَمَدَت...
فَلنُعِدْ حَرثَ الأَرضِ بِأَحلَامِنَا لَا بِأوهَامِنَا،
وَلنَسقِ بُذُورَ القَلبِ بِنَبضٍ صَادِق، لَا بِانتِظَارٍ عَقِيم.
فَمَا عَادَ يَنفَعُ أَنْ نَرجُوَ الفُصُول،
فَالرَّبِيعُ لَيسَ تَارِيخًا يُسطَّرُ فِي التَّقَاوِيم،
بَل هُو قَرَار...
أَنْ نُذِيبَ جَلِيدَنَا،
أَنْ نَحيا،
أَنْ نُحِبَّ...
وَلَوِ احْتَرَقنَا..
/بقلم بغدادية





رد مع اقتباس