شْلُونَكْ لِلمُذَكَّرِ، وشْلُونِجْ لِلمُؤَنَّثِ...
كَلِمَتَانِ بَسِيطَتَانِ، تُمَيِّزَانِ لَهْجَتَنَا العِرَاقِيَّةَ، نُرَدِّدُهُمَا كُلَّ يَومٍ حَتَّى غَدَتَا كَأَنَّهُمَا تَحِيَّةُ الرُّوحِ قَبْلَ الجَسَدِ، تَعْنِيَانِ بِبَسَاطَةٍ: كَيْفَ حَالُكَ؟
سَمِعْتُهَا كَثِيرًا، وَقُلْتُهَا أَكْثَرَ؛ لِأَحِبَّائِي، وَلِأُنَاسٍ عَابِرِينَ فِي حَيَاتِي لَا أَعْرِفُهُم.
تُقَالُ لِلمُجَامَلَةِ أَحْيَانًا، وَلِلاهْتِمَامِ أَحْيَانًا أُخْرَى.
وَلَكِنَّهَا اليَومَ تَرْتَدِي وَجْهًا آخَرَ، غَرِيبًا عَلَيَّ، كَأَنَّهَا كَلِمَةٌ خَرَجَتْ مِن لُغَةٍ لَا أَفْهَمُهَا.سَمِعْتُهَا مِنْهُ مِرَارًا، وَكَمْ رَدَّدْتُهَا لَهُ، دُونَ أَنْ أَعْلَمَ أَنَّنِي يَوْمًا سَأَحْتَاجُهَا مِنْهُ حَقًّا...
تُرَى، أَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حَالِي مَنْ تَرَكَنِي لِحَالِي؟كَانَتِ الإِجَابَةُ عَسِيرَةً...
رُبَّمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمًا يَعْنِيهَا، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْهَا كَمَا أَفْهَمُهَا أَنَا.
سَنَوَاتٌ مَضَتْ وَهُوَ لَا يَسْأَلُ، فَمَا مَعْنَى السُّؤَالِ الآنَ؟عَلَّمَتْنِي الغُرْبَةُ أَنَّ الغُرَبَاءَ حِينَ يَرْحَلُونَ إِلَى المَجْهُولِ، يَحْمِلُونَ مَعَهُمْ أَخْطَاءَهُمْ كَأَثْقَالٍ خَفِيَّةٍ، يُحَاوِلُونَ دَفْنَهَا بِصُنْعِ حَاضِرٍ جَدِيدٍ، فَيَتَنَكَّرُونَ لِمَشَاعِرِ مَنْ أَحَبَّهُمْ وَاحْتَوَاهُمْ.
يَضِيعُونَ فِي مَتَاهَاتِ الِاغْتِرَابِ، ظَانِّينَ أَنَّ نِسْيَانَ المَاضِي طَرِيقٌ لِلمُسْتَقْبَلِ، وَلَكِنَّ الزَّمَنَ كَفِيلٌ بِإِعَادَتِهِمْ إِلَى وَعْيِهِمْ، حِينَ تَبْدَأُ التَّجَاعِيدُ بِرَسْمِ حِكَايَاتِهِمْ، وَيَغْزُو الشَّيْبُ رُؤُوسَهُمْ...
عِنْدَهَا فَقَطْ يُدْرِكُونَ أَنَّ المَاضِي لَا يُمْحَى، فَهُوَ الجَذْرُ الَّذِي نَبَتَتْ مِنْهُ حَيَاتُهُمْ.لَمَّا لَمْ تَسْأَلْ "شْلُونِجْ" طِوَالَ تِلْكَ السِّنِينَ، فَقَدَتِ الكَلِمَةُ مَعْنَاهَا الآنَ.
انْطَفَأَ بَرِيقُهَا، وَخَمَدَتْ حَرَارَةُ الحَنَانِ الَّتِي كَانَتْ تَخْتَبِئُ فِي حُرُوفِهَا.
يَا لِعُمْرٍ يَمْضِي بِدُرُوسِهِ القَاسِيَةِ...
كُنْتَ غَائِبًا، وَاخْتَرْتَ الرَّحِيلَ فَخَسِرْتَنِي.
أَديت وَاجِبَاتِ المادية وَنْسَت احْتِيَاجَاتِ الرُّوحِ.
لَمْ تَكُنْ كَلِمَاتُكَ تَحْمِلُ دِفءَ الحَنَانِ، وَلَمْ تَنْطِقْ يَوْمًا بِـ"شْلُونِجْ" بِمَعْنَاهَا الحَقِيقِيِّ.
لَمْ أَطْلُبْ مِنْكَ حُبًّا وَلَا شَفَقَةً، لَكِنَّكَ لَمْ تُؤَدِّ دَوْرَكَ الرَّجُولِيَّ، وَتَرَكْتَ الحَيَاةَ تَعْبَثُ بِي كَمَا تَشَاءُ.
أَمَّا أَنَا، فَقَدْ حَصَدْتُ ثَرْوَتِي الَّتِي لَا تُقَاسُ بِمَالٍ، ثَرْوَتِي الَّتِي تَلْمَعُ كَبَرِيقٍ مِنْ نُورٍ خَرَجَ مِنْ أَعْمَاقِي.
تُلَوِّحُ لَكَ الآنَ مِنْ بَعِيدٍ، وَلَكِنَّكَ تُدْرِكُ تَمَامًا أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَكَ فِيهَا سِوَى الِاسْمِ... الِاسْمِ الَّذِي حَمَلْتَهُ دُونَ اسْتِحْقَاقٍ.نَمَتْ أَشْجَارِي المُثْمِرَةُ مِنْ أَرْضِي أَنَا، وَسُقِيَتْ بِدَمْعِي وَصَبْرِي.
كُنْتَ هُنَاكَ، وَلَكِنَّكَ لَمْ تَكُنْ حَقًّا.
دَوْرُكَ ظَلَّ اسْمًا عَلَى وَرَقٍ."شْلُونِجْ؟"
أَنَا بِخَيْرٍ... بِخَيْرٍ مُتْعَبٍ، بِخَيْرٍ أُمٍّ فَخُورَةٍ وَمُنْهَكِةٍ.
الوُقُوفَ وَحِيدَةً عَلَّمَنِي الصَّبْرَ... وَالجَلَدَ الَّذِي يُخْفِي مَا لَا يُقَالُ.
شْلُونِجْ
انا بخير





رد مع اقتباس