أنصار الإمام الحسين (ع): سليمان مولى الإمام الحسين
يُذكر سليمان مولى الإمام الحسين بن علي (ع) ضمن شهداء كربلاء، وهو من الموالين المخلصين لأهل البيت (عليهم السلام) الذين خرجوا مع الإمام الحسين من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلاء.
الاسم والنسب: سليمان مولى الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ويُقال له أحيانًا: سليمان مولى بني هاشم أو مولى الإمام الحسين. ويبدو من ألقابه أنه كان عبدًا مُعتَقًا للإمام الحسين (ع)، ومن خُلَّص شيعته وخَدَمه المقربين. ويُرجَّح أنه كان من أهل المدينة.
صفاته وسيرته: ورد في بعض الروايات أنّه كان شيخًا متعبّدًا من أهل الإيمان والإخلاص، وقد اتصف بالوفاء المطلق، إذ لم يتخلّ عن إمامه رغم قلة العدد وشدّة البلاء. كما يُذكر اسمه في زيارات الشهداء، مثل زيارة الناحية المقدسة التي تُنسب إلى الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وفيها سلام خاص على: ”السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المؤمنين“. وهذا من أسمى مظاهر التكريم، إذ ذُكر اسمه ضمن صفوة شهداء كربلاء الذين سلّم عليهم الإمام المهدي بنفسه.
مقامه: نشأ سليمان رضوان الله عليه في كنف الإمام الحسين (ع)، وتربّى على محبته وخدمته وطاعة أهل البيت (عليهم السلام)، وكان من خاصّته الذين لازموه في حياته. وقد وصفه المؤرخون بأنّه رجل صالح، تقيّ، خادم مخلص، وفيّ في المحبة والولاء. وحين دعا الإمام الحسين (ع) إلى الإصلاح، لم يتخلّف سليمان عن نصرته، بل خرج معه من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلاء.
مشاركته في كربلاء: كان من أوائل الموالين الذين ثبتوا مع الحسين (ع) بعد أن تفرّق عنه كثير من الناس، ورافقه في مسيره إلى العراق.
وحين وقعت معركة الطف، قاتل ببسالةٍ إلى جانب موالي الحسين وسائر أنصاره، حتى استُشهد رضوان الله عليه يوم عاشوراء سنة 61 هـ.
الشهادة: استُشهد سليمان مع من استُشهد من الموالي المخلصين، مثل:
• جون مولى أبي ذر الغفاري
• أسلم مولى الحسين (ع)
• قرة مولى الحسين
• نصر مولى أمير المؤمنين
ودُفن جسده الطاهر في موضع الشهداء من أرض كربلاء، قُرب من حرّ الدماء الزكية التي ارتوت بها الأرض الطيبة.
تأملات تربوية في وفاء سليمان مولى الحسين (ع):
سيرة سليمان مولى الإمام الحسين (ع) ليست مجرد ذكر لاسمٍ في سجلّ الشهداء، بل هي شاهدٌ على أنّ القيمة في الولاء والإيمان، لا في النسب والمكانة. فقد كان مولىً، لا سيدًا، لكن حرارة الإيمان جعلته في صفّ العظماء الذين خلّدهم التاريخ وذكرهم الإمام المهدي (ع) بسلامٍ خاص.
لقد جسّد سليمان أسمى معاني الحرية الداخلية؛ فالعبودية التي عاشها جسدًا تحرّرت روحًا بالإيمان واليقين. حين تخلّى الأقارب وتردّد الأحرار، ثبت هو، ورفع راية ”الوفاء بلا حساب“.
من سيرته نتعلّم أنّ:
• الصدق في الولاء لا يُقاس بالقرابة، بل بالفعل والإيمان.
• الخدمة في طريق الحق قد تكون بابًا إلى المجد الأبدي، كما كانت خدمته للإمام بابًا إلى الشهادة والخلود.
• الإخلاص الصامت أحيانًا أبلغ من كل خطاب، فاسمه القليل الذكر في كتب التاريخ، لكن سلام الإمام المهدي (ع) عليه جعله خالدًا إلى يوم الدين.
خاتمة «وفاءٌ يتجاوز الزمان»:
حين نقرأ عن سليمان مولى الإمام الحسين (ع)، لا نقرأ قصة رجلٍ عاش قبل أكثر من ألف عام فحسب، بل نقرأ معنىً خالدًا للوفاء والصدق والإيمان. ذلك الرجل الذي لم يكن من القادة ولا الأشراف، لكنّه ارتقى بالولاء الصادق إلى مقام الخلود، يُذكّرنا اليوم بأنّ الوفاء لا يُقاس بالمكانة الاجتماعية، بل بالموقف حين يثقل الموقف.
في زمنٍ تتبدّل فيه الولاءات بالمصالح، ويغيب فيه الثبات أمام المغريات، يعلّمنا سليمان رضوان الله عليه أنّ الوفاء قيمة عملية لا شعارًا عاطفيًا، وأنّ مَنْ يختار طريق الإخلاص، وإن كان مجهول الاسم، يصبح خالد الذكر في سجلّ الله وأوليائه.
إنّ الوفاء الذي أظهره في كربلاء ليس حكاية تاريخية تُروى، بل درس إنساني يُتَرجَم في كل موقفٍ نختبر فيه صدقنا مع أنفسنا ومع مبادئنا. فمن سار على نهج سليمان (ع)، كان حرًّا وإن لم يملك شيئًا، ومن خالفه، كان عبدًا وإن تسيّد على الناس جميعًا.
يذكّرنا سليمان بأنّ المكانة عند الله لا تُمنح، بل تُنتزع بالعمل والإخلاص، وأنّ المولى يمكن أن يصبح ”سيّدًا“ بوفائه، كما صار هو سيدًا في سجلّ الشهداء.
السلام على سليمان مولى الإمام الحسين (ع) يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّا.
الهوامش:
المصادر:
1. الشيخ السماوي، إبصار العين في أنصار الحسين.
2. السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 7.3,3. ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب.
4. المامقاني، تنقيح المقال.
5. زيارة الناحية المقدسة.





رد مع اقتباس