أنصار الإمام الحسين (ع): قرة مولى الإمام الحسين
في زحمة الأسماء اللامعة في كربلاء، يطلّ علينا اسمٌ هادئ لا يعرفه كثيرون: قُرّة مولى الإمام الحسين (ع). لم يكن فارسًا من الأشراف، ولا خطيبًا على المنابر، بل كان خادمًا مؤمنًا صادق القلب، أدرك أنّ خدمة الإمام الحسين (ع) ليست وظيفة، بل رسالة حياة. فقد نشأ قُرّة رضوان الله عليه في بيت النبوّة، يسمع الذكر من لسان الإمام الحسين (ع)، ويرى العزّة في عينيه. وحين خرج الإمام الحسين (ع) من المدينة، لم يسأله قُرّة إلى أين ولا لماذا؟ بل تبِعه بقلبٍ يعرف أنّ طريق الإمام الحسين (ع) هو طريق الله.
الاسم والنسب: هو قُرّة مولى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ويُعرف أحيانًا في بعض المصادر بـ قُرّة الهاشمي أو قُرّة مولى بني هاشم، وكان من الموالي المعتَقين للإمام الحسين (ع)، ومن خاصّته الذين نشأوا في خدمته وخدمة أهل بيته (عليهم السلام).
سيرته وولاؤه: نشأ قُرّة رضوان الله عليه في بيتٍ طاهرٍ يعجّ بالإيمان والكرامة، فنهل من سيرة الإمام الحسين (ع)، وامتلأ قلبه حبًا وولاءً له. كان معروفًا بالعبادة والإخلاص، ومن أهل الوعي والمعرفة ممن أدركوا أنّ طريق الإمام الحسين (ع) هو طريق الحق والحرية. فعندما خرج الإمام الحسين (ع) من المدينة، لم يتخلّف قُرّة عنه، بل رافقه في كل مراحله حتى نزل كربلاء،
وثبت معه حين تخلّف الآخرون، مقدّمًا مثالًا نادرًا للوفاء الصامت والإيمان العملي.

موقفه في كربلاء: شارك قُرّة (ع) في يوم عاشوراء ضمن صفوف الموالين والأنصار الذين قاتلوا ببسالة نادرة دفاعًا عن إمامهم. فبحسب الروايات، قاتل حتى أثخنته الجراح، ثم استُشهد بين يدي الإمام الحسين (ع) في ملحمة الطف سنة 61 هـ. وهو من الذين ذُكروا بأسمائهم في زيارة الناحية المقدسة، مما يدل على ثبوت استشهادهم في كربلاء وعلوّ منزلتهم.
ذكره في الزيارة: ورد اسم قرة رضوان الله عليه في زيارة الناحية المقدسة قول الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف: ”السلام على قُرّة مولى الحسين بن أمير المؤمنين“، وهو سلامٌ يُعبّر عن اعترافٍ إلهيّ بموقفه ووفائه، ويُعدّ من أعظم أوسمة الشرف الروحي التي تُمنح لشهداء كربلاء (عليهم السلام). سلامٌ واحد من الإمام كفيل أن يجعلنا نفهم أنّ الكرامة لا تُمنح بالحسب، بل تُكتسب بالصدق، وأنّ من أحبّ الإمام الحسين (ع) بصدق صار سيّدًا ولو كان مولى.
منزلته ودلالتها: كان قُرّة (ع) من ثلة الموالين الذين تحوّلوا بالولاء الصادق إلى رموزٍ للحرية والكرامة. فلم يكن من الأشراف أو الفرسان المشهورين، لكنّه كان من جنود الحق الذين نصروا الإمام الحسين (ع) بالعمل لا بالكلام. فتكرار ذكر الموالي في صفوف الشهداء «مثل قُرّة، وجون، وسليمان، وأسلم» يؤكد أنّ كربلاء لم تكن معركة نسب، بل معركة مبدأ.
تأمل إيماني وتربوي: سيرة قُرّة رضوان الله عليه تمثّل قوة الإيمان الخالص حين يتحرّر من الاعتبارات الطبقية. فهو لم يكن من علية القوم، لكنّ مكانته عند الله أصبحت رفيعة لأنّه اختار أن يكون مع الحق حين كان الحق وحيدًا.
يذكّرنا قُرّة بأنّ المكانة لا تُصنع بالمال ولا بالحسب، بل بالصدق في الموقف، وأنّ الخدمة الصادقة للإمام أو للقيم العليا يمكن أن ترفع الإنسان إلى مرتبة الشهداء والأبرار. لقد تحوّل ”المولى“ في كربلاء إلى ”سيّد“، لأن الوفاء والإيمان أعادا تعريف السيادة من جديد.
المصادر:
1. الشيخ السماوي، إبصار العين في أنصار الحسين.
2. السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 7.
3. ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب.
4. المامقاني، تنقيح المقال.

5. زيارة الناحية المقدسة.
السلام على قرة مولى الإمام الحسين (ع) يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّا.