ترشحات جمال القلب
قد يصلك اتصال أو رسالة صوتية من شخص ما، قد يصنع يومك بكلماته التي تنعش روحك وتشحن طاقتك، فكيف بك إذا التقيت مع من هم يعكسون الجمال؟ فهل أنت منهم؟
الأشخاص الذين هم مصداق لجميل مكارم الأخلاق، يترشح من بواطنهم عبر سلوكياتهم، مع كل من حولهم من أفراد المجتمع من جميع الفئات والأصناف. يهتم الإنسان بطبيعته بجمال مظهره ونظام محيطه، وهذا جميل ما دام في حدود الاعتدال، فهذا يعد من التكامل النفسي للإنسان.
لكن وراء هذا المظهر الخارجي جمال أعمق لا تراه العيون، وهو جمال القلب، يلامس الروح وينفذ منها كأنه سلم لجميع الجروح. فإشراقة الإيمان عندما تسكن القلب، تنعكس ترشحاتها على السلوك والمظهر والخلق، فما أهمّ من ظاهر المسلم إلا باطنه، فكم من صاحب جمال ظاهري اعتلاه الغرور وتكبّر على من حوله وأدّى إلى أن ينفر منه الناس ويمقتون لقاءه ويحذرون الجلوس معه.
فحرصك على جمالك الداخلي يجب أن يفوق حرصك على الجمال الظاهري، وأن تحذر من أن يعلو قلبك وبصيرتك غبار الكبر أو ظلمة الحسد، فبذلك يخبو نور الجمال الحقيقي. كثيرون منّا ينشغلون بجمال ملامحهم، ويحرصون على أن يبقى كما هو مهما تقدّم بهم العمر أو تبدّلت الظروف، لكن للأسف كم من جمال خارجي اختفى حين غاب جمال الخُلق.
يجب أن تكون مصداقًا لجمال الأخلاق، تتجسد الرحمة وطيب الخلق والتواضع جمالًا لروحك. فإنك إذا امتلكت روحًا جميلة فسيصدر منك كل شيء جميل. فالمؤمن الجميل ليس من اقتصر على ثوبٍ حسنٍ أو مظهرٍ فخمٍ، بل من جمّل الله سريرته بنور الإيمان، فكان وجهه يشع من نوره، وابتسامته نوافذ من رحمته.

إنّ الخلق الحسن هو تاج الجمال، وإنّ الطيبة ولين الجانب أبهى من أثواب آخر صيحات الموضة. فمن كان لطيف اللسان، عفيف اليد، نقيّ السريرة، فقد حاز زينة لا تشتريها الأسواق، ولا تهبها الموضة، لأنها صادرة من معدن سماوي كريم، نتيجة اتباع قيم ومبادئ سامية، ومراقبة وجهاد للنفس وتهذيب لها.
الجميل حقًا من جمع بين نقاء الباطن وبهاء الظاهر، فصار جماله يراه كل من حوله، ويتسلل إلى قلوبهم وسلوكياتهم. الجمال يجب أن يكون لوجه الله، لا لمجرد نظر الناس. فلطفك حينئذٍ سيكون عبادة، وابتسامتك صدقة، وتواضعك سبيلًا إلى رضا الله.
هنا ستكون أنت الجميل في الأرض والسماء، لأنك حملت سر الجمال الإلهي في قلب عرف خالقه، فأنار منه الوجود.
قال الإمام الصادق (ع): «المؤمنُ بشرُه في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع الناس صدرًا، وأذلهم نفسًا».
ذلك هو المؤمن الجميل. به تُفهم حقيقة الزينة التي أرادها الله لعباده.
عندما يكون جمالك نابعًا بكل صدق، وتواضعك ملكة لا تُصنّع منك، وخُلقك عبادة، تكن مصداقًا لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس: الآية 9]

نسأل الله القدير أن يجمّل قلوبنا بنور الإيمان، ويلبسنا لباس التقوى، فإنه خير لباس وزينة للإنسان، ويجعلنا مِمَّن ينشر جمال عطر الأخلاق ويهدي به إلى طريق الكمال.